بعد أن هجرها المشاهدون لعدة عشريات
الأفلام العالمية تعيد الحياة إلى قاعات السينما

- 890

بعد الركود الثقافي الذي شهدته الجزائر على غرار العالم بفعل وباء كورونا، أظهر الشباب رغبة في إحياء أيام السينما الجميلة التي عرفتها بلادنا خلال عشريات القرن الماضي، إثر عودة الأفلام العالمية إلى قاعات العرض وفق إرادة حكومية، تهدف إلى إعادة بعث الفعل الثقافي؛ حيث رُد الاعتبار لبعض قاعات السينما في العاصمة.
ثقافة التوافد على قاعات السينما ليست وليدة اليوم؛ حيث ورثت الجزائر أكثر من 342 قاعة عرض عن الحقبة الاستعمارية، وفق إحصاءات وزارة الثقافة. وارتفع عددها ليصل إلى 432 قاعة حين كانت السينما تطغى على اهتمام كثير من الجزائريين آنذاك. كما كانت السينما بشكل عام، تحاول البروز من خلال الممثلين الجزائريين، الذين أعطوا صورة جميلة لهذا الفن بلمسة جزائرية.
وعُرض خلالها وثائقيات عن الثورة الجزائرية، وأخرى عن واقع المجتمع بفنون متنوعة، لكن مع العشرية السوداء والأزمة الأمنية التي عاشتها الجزائر خلال تلك الفترة والخوف الذي زرعته الجماعات الإرهابية، بلغت المخاوف الحياة الاجتماعية للفرد، وأوقفت الحركة، وطالت صالات السينما التي أُتلف كثير منها، وتحولت أخرى إلى مغارات. وبلغ التعنيف الفنانين الذين لاحقتهم تلك الجماعات، وأصبح كل تعبير فني هو لعنة في تلك الفترة، أدت إلى إنهاء زمن "الانتعاش السينمائي"، وثقافة التوافد على قاعات السينما، التي أصبحت من أحاديث الماضي.
وبعد تلك الفترة سعت الحكومات، بعد الاستقرار، جاهدة إلى إعادة بعث الروح في تلك القاعات. كما سعت جاهدة إلى إعادة إحياء تلك الثقافة، لكن الأزمة طالت، وأثرت، بشكل كبير، على القاعات، لتختفي أكثرها، وبقيت 80 قاعة سينمائية فقط تعمل بين الحين والآخر. وتحول اهتمام المجتمع إلى فنون أخرى، لتظل السينما عالقة في نفوس البعض؛ باعتبارها ثقافة عالمية، يولَى لها اهتمام أكثر من عادي.
وفي جهود جديدة وبروز النية الكبيرة في إعادة بعث هذا القطاع، تشهد، اليوم، القاعات السينمائية بث أحدث الأفلام العالمية، التي تتنوع بين الخيال، والحركة، والرعب، والدراما، وحتى أفلام الرسومات المتحركة باتت تلبي مختلف أذواق المجتمع بصفة آنية وحصرية على الشاشات السينمائية، وتُعرض في نفس الفترة التي تُعرض فيها في أكبر القاعات حول العالم.
هذا الاهتمام ساهم في رد الاعتبار بشكل نسبي، لثقافة السينما وسط المجتمع، خصوصا الشباب. ونجح تماشي تلك القاعات مع الحداثة الرقمية؛ من خلال الترويج للأفلام المعروضة، وعرض البرامج لمواعيد تلك الأفلام وقاعاتها عبر صفحاتها، في تسهيل معرفة نوع الأفلام المعروضة؛ ما يسمح للفرد باختيار ساعات العرض، والقاعات، وكذا تكاليف مشاهدة الفيلم أولا قبل عرضه على الشاشات التلفزيونية.
وأجمع عدد من الشباب الذين حدثتهم "المساء" أمام قاعة سينما ابن خلدون بالعاصمة والذين اصطفوا أمام شبابيك الدفع حتى قبل افتتاحها لاقتناء تذاكر عرض فيلم باربي الذي تم توقيف عرضه مؤخرا في الجزائر عبر عدد كبير من الدول العربية، على أنهم أوفياء للسينما، ويتوافدون على قاعاتها كل مرة يتم عرض فيها فيلم جديد له صدى جيد وتنقيط حسن، خصوصا تلك الأفلام العالمية التي يتم الترويج لها بشكل ضخم، إلى درجة أنها تثير فضول مشاهدتها، قبل أن تعرَض على قنوات التلفزيون، أو تطلَق عبر موقع اليوتيوب أو حتى الستريمنغ، أو في تلك المواقع الخاصة التي يُدفع اشتراك لمشاهدة أفلام من خلالها.
ومن جهة أخرى، قال معاذ، تقني صوت بإحدى القاعات السينمائية بالجزائر، "بالرغم من التفات جيل اليوم نحو القاعات السينمائية واهتمامهم، بشكل خاص، بالتوافد على القاعات ومشاهدة أفلام حصرية، إلا أن عدد تلك القاعات لايزال قليلا جدا مقارنة بذلك الشغف، وعليه لا بد من رد الاعتبار للقطاع؛ ليس فقط من خلال الدفع لاقتناء الحصرية، وإنما كذلك من خلال إعادة فتح القاعات التي أُغلقت قبل سنوات وأُهملت تماما، وسكنتها الأشباح". وأضاف: "من الضروري، كذلك، إعادة بعث الحس السينمائي في الجمهور عامة وليس في الشباب فقط، خاصة أنه يتم في كثير من الأحيان، عرض أفلام عائلية جميلة تتمشى والثقافة المجتمعية.