فيما بدأت المدارس الخاصة في استقطاب المتمدرسين
الأبناء بين ضرورة النجاح وضغط الأولياء

- 353

شرعت المدارس الخاصة، تزامنا مع اقتراب نهاية العطلة الصيفية، في الترويج لبرامجها الخاصة بالدعم، والمراجعة عبر مختلف صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، في محاولة لاستقطاب أكبر عدد من التلاميذ. وبينما اختارت بعض المدارس التخصص في طور معيّن مثل الطور الثانوي والتركيز على المقبلين على اجتياز شهادة البكالوريا، فضّلت أخرى توسيع عروضها لتشمل برامج متنوعة، تخص جميع الأطوار التعليمية. ولم يقتصر الأمر على تقديم الدروس وشرح ما هو صعب، بل تعدّاه إلى إعداد كتب شبه مدرسية من تأليف معلمين أحيلوا على التقاعد.
تحوّل الاستثمار في التلاميذ خلال السنوات الأخيرة، إلى واحد من أنجح الاستثمارات بالنظر إلى الإقبال الكبير على المدارس الخاصة التي تقدم دروس الدعم وتعليم اللغات.
واللافت أن هذه المؤسسات التي كانت تعتمد في البداية على أساتذة يرغبون في تحسين مداخيلهم المالية، أصبحت اليوم تتسابق على استقطاب الأساتذة المعروفين بكفاءتهم، وقربهم من التلاميذ، بل وحتى المعلمين المتقاعدين للاستفادة من خبراتهم الطويلة.
وفي ظل هذا التوجه لم يعد المستوى التعليمي هو المعيار الأول بالنسبة للأولياء، إذ بات النجاح وحده الهدف الأسمى الذي يسعون إليه.
وفي الوقت الذي شرعت المدارس الخاصة ومدارس تعليم اللغات في ضبط قوائم التسجيل والتأكيد على أن عدد المقاعد محدود، سارع الأولياء خاصة ممن لديهم أبناء مقبلون على اجتياز امتحانات نهائية، إلى تسجيل أبنائهم لضمان مقعد، لا سيما في المؤسسات التي تضم نخبة من الأساتذة الأكفاء.
ويؤكد بعض الأولياء أن التعليم الموازي أصبح في السنوات الأخيرة، شرطًا أساسيا للنجاح، فيما يشير آخرون إلى أن مقاعد الدعم في المدارس الخاصة، تصبح نادرة، وصعبة المنال بعد الدخول الاجتماعي.
وقد كشف بعضهم أن أبناءهم بدأوا، بالفعل، في تلقي دروس الدعم، خصوصا المقبلين على شهادة البكالوريا، حيث فتحت بعض المدارس أبوابها مبكرا لتقديم مراجعة أولية، وتحضير التلاميذ لانطلاقة الموسم الدراسي.
وفي المقابل، لم تقتصر المبادرات على المدارس الخاصة فقط، إذ لجأ بعض الأساتذة الذين اختاروا العمل بشكل فردي، إلى الترويج لبرامجهم التعليمية عبر قنواتهم الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي. فهناك من نشر برنامجا مختصرا لطريقة تدريسه الجديدة. وهناك من عرض ما حضّر له من ملخصات تعليمية تحت شعار "تبسيط المادة وتلخيصها"، بينما قدّم آخرون عروضا مجانية عبر صفحاتهم، قصد استقطاب أكبر عدد من التلاميذ.
وذهب البعض أبعد من ذلك بطبع كتب تعليمية خاصة بهم، تضم دروسا وتمارين محلولة في مختلف المواد، وعرضها في نسخة مطورة للتسويق عبر المنصات الإلكترونية.
وبين هذا وذاك يجد التلميذ ووليه نفسيهما مع حلول موعد الدخول المدرسي، أمام ضغوط نفسية ومالية متزايدة، يفرضها التعليم الموازي الذي تحوَّل إلى عبء ثقيل. ورغم ذلك لا يستطيع التلميذ أو وليه الاستغناء عنه بعدما أصبح ضرورة حتمية في معادلة النجاح الدراسي.
الدفع بالأبناء إلى حجز مقعد بمدارس الدعم... إرهاق مبكر
وحسب المختص التربوي الأستاذ أمين شعبان، فإن ظاهرة إقدام الأولياء على تسجيل أبنائهم لتلقي دروس الدعم حتى قبل انتهاء العطلة الصيفية وأحيانا بأكثر من عشرين يوما، تعكس العديد من الظواهر الاجتماعية السلبية. ويضيف أن حجم الترويج الذي تقوم به هذه المدارس والدروس الخصوصية يدفع الأولياء إلى الإسراع في حجز مقاعد لأبنائهم، أملاً في تحقيق التفوق والنتائج الإيجابية، ولتفادي الضغط الذي يفرضه الحجم الساعي المكثف للدروس.
وأشار شعبان إلى أن كثيرا من الأولياء مازالوا يعتقدون أن ما يُقدّم داخل المؤسسات التعليمية غير كافٍ لبلوغ النجاح، خاصة بالنسبة للمقبلين على اجتياز الامتحانات النهائية، لذلك يسعون إلى منح أبنائهم وقتا إضافيا للتمهيد للسنة الدراسية الجديدة بارتياح أكبر. وأضاف أن "التسابق بين العائلات على تسجيل أبنائهم يعكس في جزء منه، رغبة في الافتخار بالنتائج أمام الآخرين"، مؤكّدا أن ارتفاع تكاليف الدروس الخصوصية لم يمنع الطلب الكبير عليها، بما يكشف عن حجم التضحيات التي يبذلها الأولياء من أجل تحقيق حلم النجاح والفرحة في نهاية الموسم الدراسي.
غير أن الخبير التربوي يرى أن هذه الظاهرة حوّلت مدارس الدعم إلى مؤسسات تجارية بحتة، تسعى لتحقيق أهداف ربحية أكثر منها تربوية، ما جعل "الدروس الخصوصية تتحول من نشاط تربوي هادف إلى نشاط ربحي محض".
ضغط نفسي مبكر وفقدان للتوازن
وحذر المختص التربوي من أن الدفع بالتلميذ نحو هذه المدارس وعدم تمكينه من الاستفادة الكاملة من عطلته، من شأنه أن يصيبه بضغط نفسي مبكر، وإرهاق كبير، يجعله ينفر من العملية التعليمية، ويفقد الرغبة في مواصلة مشواره الدراسي بمعنويات مرتفعة. كما إن غياب التوازن بين الراحة والتعلم بعد انطلاق الموسم الدراسي بحيث تتحول حتى العطل إلى ساعات دراسة، يؤدي إلى خلل نفسي، يظهر في شكل قلة ثقة وإرهاق لا مبرر له.
ويرى المتحدث أن المطلوب هو تحفيز التلميذ داخل البيت مع اقتراب الدخول المدرسي، بعيدا عن تكثيف الدروس في المدارس الخاصة، وتمكينه من استنفاد كامل عطلته براحة وحرية.
أما دروس الدعم فيجب أن تُدرج بشكل نظامي خلال الموسم الدراسي، بعيدا عن الضغط والكثافة؛ حفاظا على التوازن النفسي والجسدي للتلميذ.
وختم الخبير دعوته الأولياء إلى عدم المبالغة في الخوف على مستقبل أبنائهم، قائلاً إن فرحة النجاح لا يجب أن تأتي على حساب الصحة النفسية والجسدية للتلميذ.