قبل التحاق التلاميذ بمقاعد المدارس
استعدادات نفسية وتربوية بعنابة

- 140

عاد الحديث بقوة هذه الأيام في ولاية عنابة، عن الدخول المدرسي المرتقب يوم الأحد 21 سبتمبر الجاري وسط استعدادات مكثفة، ومشاعر متباينة بين الفرح، والقلق، والترقّب، والتحدي.. في المحلات، والأسواق، والمكتبات. كان التلاميذ وأولياؤهم في حركة دؤوبة لا تهدأ، بحثا عن المآزر الجديدة، والمحافظ، والكراريس.. ولكن خلف هذه الحركة التجارية تختبئ تحضيرات نفسية عميقة، خاصة بالتلاميذ الذين سيلتحقون بالمؤسسات لأول مرة، أو الذين عاشوا تجربة الرسوب في امتحانات نهاية السنة الماضية.
في جولة بشوارع مدينة عنابة التي اكتظت على غير عاداتها هذه السنة بالتلاميذ وأوليائهم خاصة بشارع قمبيطا ورحبة الزرع وغيرها، رصدت "المساء" مشاعر الفرحة من الأطفال، الذين عبّروا عن شوقهم الكبير للعودة إلى صفوفهم، ولقاء أصدقائهم القدامى. يقول سامي، تلميذ في السنة الرابعة ابتدائي، بابتسامة عريضة: "اشتريت مئزرا أزرق جديدا، ودفاتر ملوّنة. وأنا متحمس للعودة إلى المدرسة... اشتقت لأستاذي وأصدقائي كثيرا ".
هذا الشعور لم يكن مقتصرا على الأطفال فقط، بل إن الكثير من الأولياء عبّروا عن ارتياحهم لموعد الدخول المدرسي، باعتباره يشكل عودة إلى النظام والانضباط بعد أشهر من الفوضى الصيفية. كما إن المدرسة، بالنسبة للكثير من الأسر، تُعد فضاءً مهمّا لتكوين شخصية الطفل، وتعليمه القيم الاجتماعية والانضباط، إلى جانب التعليم الأكاديمي.
أولياء يحتفلون بطريقتهم
من الملفت أيضا أن بعض العائلات اختارت تحويل الدخول المدرسي إلى مناسبة احتفالية. في حي "جوانو" مثلاً، لاحظنا توزيع الحلوى على الأطفال، وتزيين بعض مداخل البنايات، في أجواء بهيجة. وتقول السيدة فتيحة أم لثلاثة أطفال: "أحب أن أجعل من أول يوم دراسي مناسبة خاصة. أشتري لهم حلويات، وأرتب حقائبهم معهم. وألتقط لهم صورا للذكرى... هذه الذكريات تبقى محفورة في أذهانهم".
تلاميذ جدد بخطوات حذرة
يُعد هذا الدخول المدرسي الأول من نوعه لعدد كبير من الأطفال الذين سيلتحقون بالمدرسة لأول مرة، خاصة في السنة الأولى ابتدائي أو القسم التحضيري. وهنا تتجلى المشاعر المختلطة بين الحماس والخوف، سواء من طرف التلاميذ أو أوليائهم. فالكثير من الأمهات عبّرن عن قلقهن بشأن اندماج أبنائهن في القسم، وعن قدراتهم على التأقلم بسرعة مع محيط جديد، غريب ومختلف عن البيت. وفي هذا السياق، يلعب المعلمون دورا حاسما، حيث يقع على عاتقهم توفير بيئة مشجعة وآمنة نفسيا؛ حتى يشعر الطفل بالراحة، ويحب المدرسة من أول يوم.
الراسبون.. عزيمة تتجدد رغم العثرات
من جهة أخرى لا يمكن الحديث عن الدخول المدرسي دون التوقف عند شريحة خاصة من التلاميذ، وهم الذين لم يوفقوا في امتحانات نهاية السنة، سواء في شهادة التعليم المتوسط (البيام)، أو البكالوريا. هؤلاء التلاميذ يعودون هذه السنة إلى المؤسسات التربوية بمشاعر معقدة، يغلب عليها التردد، والخوف من تكرار الفشل. ولكن في المقابل، هناك من عبّر عن عزمه القوي على تجاوز الإخفاقات، واستغلال فرصة الإعادة بشكل إيجابي.
وفي حديث مع أحد التلاميذ الراسبين في البكالوريا بثانوية "القديس أغسطين " قال: "نعم، شعرت بخيبة أمل كبيرة الصيف الماضي، لكن الآن استعدت توازني. وأنا مصرّ على النجاح هذه السنة. سأغيّر طريقة مذاكرتي، وسأستفيد من أخطائي الماضية". وهو نفس الموقف الذي عبّر عنه العديد من تلاميذ "البيام" ممن أكدوا لنا أنهم يعدّون الرسوب بمثابة "جرس إنذار" لا عقوبة، وأن العودة إلى مقاعد الدراسة فرصة ثانية ينبغي استغلالها بكل جدية.
الدعم النفسي والاجتماعي.. ضرورة لا رفاهية
في ظل هذه المعطيات تبرز الحاجة الماسة إلى الدعم النفسي والاجتماعي داخل المدارس، خاصة بالنسبة للتلاميذ الذين يعانون من آثار الفشل أو القلق أو صعوبة التكيّف. وجود مستشارين نفسيين وتربويين يمكن أن يُحدث فارقا كبيرا في حياة التلميذ، ويدعمه لبناء ثقته بنفسه من جديد، واستعادة حماسه للتعلم. كما إن الأسرة تلعب دورا محوريا في هذه المرحلة، من خلال تشجيع الأبناء، وعدم الضغط عليهم، وتجنب المقارنة بالآخرين، والتركيز بدل ذلك على التحسين التدريجي، وبناء مهارات جديدة.
تخفيف البرامج.. خطوة محفزة
وقد شكّل إعلان وزارة التربية الوطنية عن تخفيف البرنامج السنوي للدروس هذا العام، نوعا من الارتياح العام وسط التلاميذ والأساتذة على حد سواء. هذه الخطوة، بحسب بعض مديري المؤسسات التربوية، قد تساهم في تحسين الاستيعاب، وتخفيف الضغط النفسي عن التلاميذ، خاصة في المستويات الانتقالية أو الامتحانية. وتقول أستاذة تعليم متوسط من متوسطة حسيبة بن بوعلي، "التلميذ بحاجة إلى وقت لفهم الدروس، وليس فقط لحفظها. التخفيف في المحتوى يعني التركيز على الكيف لا الكم، وهذا لصالح الجميع".
ويبدو أن ولاية عنابة تستعد لاستقبال عام دراسي جديد بروح يغلب عليها التفاؤل والعزيمة. الأطفال يعودون بقلوب خفيفة وأحلام كبيرة. والراسبون يعودون بعقول أكثر نضجا، وإصرارا. وبين هذا وذاك تلعب الأسرة والمدرسة والمجتمع دورا تكامليا في توفير ظروف ملائمة نفسيا واجتماعيا لكل تلميذ، كي يبدأ سنة جديدة بثقة، ويواصل مسيرته في طريق العلم والمعرفة. المدرسة ليست مجرد جدران وأقسام، بل هي فضاء لبناء الإنسان.