الثمن المخفي لرفاهية صناعية مزيفة
اختلالات هرمونية وعقم بسبب منتجات كيماوية

- 230

أصبح، في زمن السرعة والمظاهر، الجمال يُقاس بلمعان البشرة ونعومتها، وأصبحت نكهة الطعام ومظهره أهم من قيمته الغذائية، غير أن ما يختبئ خلف رفوف مستحضرات التجميل، وعلب الطعام الجاهز، أكثر تعقيدا من مجرد اختيارات يومية، أو أذواق تختلف من شخص لآخر، إنها جزيئات صغيرة، غير مرئية، لكنها تسكن تفاصيل حياتنا، وتترك آثارا عميقة على أجسادنا، خاصة على توازننا الهرموني، وقدرة الفرد على الإنجاب، بل وأعمق من ذلك، قد تسبب مشاكل صحية خطيرة لا يحمد عقباها.
من الجزيئات الصناعية الدقيقة، إلى المواد الحافظة والملونات الغذائية، مرورا بمواد التجميل.. يعيش الإنسان اليوم، وسط طوفان من المركبات غير الطبيعية، التي تظهر الدراسات الحديثة ارتباطها المتزايد بمشاكل في التوازن الهرموني، واقع تحول إلى مصدر قلق متزايد في الأوساط العلمية والطبية، بسبب ارتباطها بمختلف تلك المشاكل، لاسيما العقم وضعف الخصوبة.
حول هذا الموضوع، تحدث "المساء" مع خبير تغذية ومختص في السموم الغذائية، نسيم قادري، الذي سلط الضوء على الجزيئات الصناعية المستخدمة في مواد التجميل، والملونات والحافظات الغذائية، واستعرض من خلال كلامه، كيف باتت تلك السموم تهدد الصحة العامة.
"كوكتيل" المواد الكيمائية يهدم الصحة
قال نسيم قادري، إن ما نستهلكه يوميا دون وعي، ليس مجرد طعام أو كريم للعناية بالبشرة، هو "كوكتيل"، على حد تعبيره، من المواد الكيميائية الصناعية التي تؤثر بشكل مباشر على نظام الغدد الصماء في الجسم، ويضيف بنبرة حادة: "نحن نتحدث عن مركبات كـ"البارابين، الفثالات، البيسفينول A"، والملونات الصناعية، التي تدخل أجسامنا عبر الجلد أو الجهاز الهضمي، وتبدأ بلعب دور الهرمونات دون إذن من الجسم"، أي بمعنى آخر، يقول "تحاول تلك الجزيئات حل محل الهرمونات، ولعب دورها دون إذن منها، تزيح بذلك عمل الهرمونات وتطمس تماما عملها".
هذه المواد، التي تُستخدم لتثبيت اللون، الحفاظ على مدة الصلاحية، أو منح الكريمات رائحة جذابة، يقول المتحدث، تُصنف ضمن ما يُعرف بـ"مُعطلات الغدد الصماء"، ومشكل تلك المواد أنها تتداخل مع النظام الهرموني، وتسبب مشاكل متفاوتة الحدة، أكثرها شيوعا خلال السنوات القليلة الأخيرة، ضعف الخصوبة والعقم.
الخلل الهرموني.. البداية الصامتة للاضطرابات الكبرى
يتابع المختص قائلا: "الهرمونات هي تركيبات تتحكم في كل شيء تقريبا داخل الجسم: من النمو، إلى التمثيل الغذائي، إلى الخصوبة، وأي خلل فيها يمكن أن يحدث سلسلة من الإضطرابات، منها تأخر البلوغ، اضطرابات الدورة الشهرية، السمنة، التوتر المزمن، بل وحتى الإصابة بأمراض مزمنة، كالسكري والسرطان، إلى جانب ضعف الخصوبة، تغلّب هرمون الأنوثة عند الذكور والعكس عند الإناث، والعقم وغيرها من مشاكل أخرى".
قال خبير التغذية، بأنه وفق دراسات حديثة، التعرض المستمر للجزيئات الصناعية قد يقلل من مستوى الخصوبة لدى النساء والرجال، على حد سواء، وقال: "رأينا في السنوات الأخيرة، تزايدا في حالات العقم غير المبرر، أو ضعف عدد الحيوانات المنوية وجودتها عند الذكور، وهذا له علاقة مباشرة بالتلوث الداخلي للجسم، والناتج عن الاستهلاك المفرط لهذه المواد"، موضحا أن "الخلل لا يقتصر على استهلاك تلك المواد من الأطعمة المعلبة، بل يمتد إلى كل منتج نستخدمه يوميا، مثل الشامبوهات، مزيلات العرق، أحمر الشفاه، كريمات الوقاية من الشمس ومعجون الأسنان، كلها تحتوي على مركبات صناعية، تدخل بسهولة إلى مجرى الدم عبر الجلد، وتراكمها هو ما يجعلها خطيرة"، مضيفا بقوله: "كلما زادت كمية هذه المواد في الجسم، زاد احتمال وقوع اختلالات بيولوجية".
وفي الأخير، أشار المتحدث إلى أهمية اختيار المواد الخالية من بعض المكونات الشهيرة، بتسببها في تلك الاختلالات، مثل "البارابين، السيليكون، البيسفيلون" وغيرها، وتفضيل ما هو طبيعي، كما أن هناك اليوم، العديد من التطبيقات التي يمكن تحميلها عبر الهاتف، تقوم بقراءة تلك المكونات وتحليلها وتوضيح مدى سلامتها، من خلال تنقيط المنتج، مشددا على أنه لا يمكن دائما الوثوق في صدق ما هو مكتوب في المكونات، لأن هناك من يحاول دائما التحايل من أجل تسويق فعال، بالتالي لابد من التثقيف الصحيح والتحلي بالوعي الصحي.