ترند "صوريه واشكي" بين مؤيـد ورافض
اجتماعيون: التربية والتنشئة السليمة من شأنها القضاء على التحرش

- 403

أدى ترند "صوريه واشكي"، هذه الأيام إلى إشعال مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يمثل هذا "الترند" طريقة جديدة ابتكرتها بعض الفتيات من رواد المواقع، لتصوير كل من يضايقها في الشوارع أو في النقل العمومي، لكشف المتحرشين والانتفاضة ضد تلك الازعاجات المتكررة، محاولة منهن لردع تلك السلوكيات، إلا أن حقيقة هذه الترندات خلفت موجة من الانتقادات وتضاربا في الآراء، خاصة من قبل الرجال الذين وصفوا الظاهرة بالأمر "الكلاسيكي" وسط المجتمع ولا يمكن أبدا مكافحته بهذه السلوكيات، وإنما من خلال التربية والتنشئة الصحيحة للفرد في المجتمع.
الحديث عن التحرش اللفظي بشكل عام، أي المعاكسات، التي تتعرض لها النساء في الشوارع بصفة يومية، داخل المحلات، في المحطات، او النقل العمومي، أو في الحدائق والفضاءات العمومية، أمام مرأى الجميع أمر أصبح اكثر من عادي بالنسبة للكثيرين، إذ لا يكترث البعض لممارسيه، وتختلف تلك المعاكسات من شخص لآخر، يرجع البعض اختلافها لدرجة شجاعة أو وقاحة البعض، إذ تختلف الكلمات بين مقبولة وأخرى حادة الألفاظ، تصل في بعض الاحيان إلى الشتم والسب إذا لم تستجيب الفتاة لرغبة الشاب المعاكس.
يعد التحرش اللفظي نوع من انواع التحرش الجنسي، ترفضه بعض الفتيات رفضا مطلقا، غير أن أخريات لا يؤثر فيهن أبدا، الا أن هناك فئة اخرى لا ترى مجالا لذلك في المجتمع حتى وإن كانت نظرة معاكسة او ابتسامة او غيرها من السلوكات التي تصفها بقلة احترام، حرية شخصية يدوسها البعض من الشباب المتهور، حولوا تلك السلوكيات الى تصرف يومي في الشارع، إذ لا يهمهم رأي الفتاة بل يحاولون جاهدين معاكسة كل من تمر عبر طريقهم في محاولة اصطياد اكبر قدر من الضحايا، كنوع من الفخر لمن لا شغل له.
من الإعجاب إلى الملاحقة..
تعتبر وسائل النقل الجماعية كالحافلات، الميترو والترامواي أو الشوارع من بين الأماكن التي تنتشر فيها ظاهرة التحرش اللفظي بالمرأة، بشكل ملفت للانتباه، في ظاهرة تكون مخزية احيانا، ومقلقة، بات البعض منها يأخذ ابعادا خطيرة، خصوصا وأن بعض المعاكسات تتحول في بعض الاحيان الى نوع من "الملاحقات"، تصيب الفتاة بحالة من الخوف، الهلع والقلق.
من تحرش لفظي إلى مضايقات
في هذا الصدد كان لـ"المساء" لقاء مع بعض الشباب والشابات في المجتمع، لمعرفة مدى انتشار هذه الظاهرة، بداية حدثتنا بعض الجامعيات، على غرار رانية وصديقاتها، داخل مركز تجاري، فأكدن انهن تتعرضن بصفة يومية لتلك التحرشات اللفظية، التي تختلف بين كلمات ملقاة، الى ملاحقات بالسيارات او مشيا على الاقدام، وصولا احيانا الى مضايقات حقيقية، حيث وصل البعض إلى متابعات يومية من قبل بعض "المعجبين"، الذين لا يملون ولا يكلون في محاولاتهم الى غاية الرضوخ و"الانتصار" بحديث مع الفتاة او اخذ رقمها الهاتفي او صفحتها على مواقع التواصل.
من جهتها قالت يارا، عاملة، أن التحرشات اللفظية درجات، تكون ابسطها مجاملات ومعاكسات وصولا الى مضايقات وتحرشا، بعضها غير ملفت، على حد تعبيرها، ولا يقلقها أبدا، بل اصبحت على يقين، انها جزء من ثقافة بعض الرجال، موضحة انها موجودة تقريبا في كل المجتمعات، إلا انها بمستويات مختلفة حسب صرامة القوانين المانعة لتلك السلوكيات مع الشخص الغريب.
وأضافت المتحدثة، انها غالبا ما تتعرض للمعاكسات حتى وإن كان لباسها "مستور"، أي عكس ما يروج له البعض من ان ذلك مرتبط بلباس المرأة، وعدم احتشامها، فذلك خاطئ ولا اساس له من الصحة، إذ أن "بعض اشباه الرجال"، على حد تعبيرها، لا تسلم منهم امرأة، مهما كانت، ولا يهمهم حتى ان كانت مرتبطة أومتزوجة، او حتى رفقة اطفالها، وهذا أغرب ما في الأمر، خاصة وأن ذلك يتحول في هذه المرحلة الى تعدّ على حرمة الغير وهذا امر غير مقبول تماما.
اما مريم، فقالت إن تلك المضايقات تبدأ غالبا في إلقاء مجاملة، والتي الفاظها من كلاسيكيات المجتمع، تتكرر بنفس العبارات، كـ"الله يبارك"، "الزين"، "الشابة"، "خموس عليك"، وغيرها من الكلمات المشابهة التي هي مفاتيح محاولة دخول المحادثة، تتحول تدريجيا الى طلب الاسم، ومن ثم اخذ رقم الهاتف او صفحة مواقع التواصل، وغالبا ما تشعر الفتاة بالضيق عندما يلح الشاب او يباشر ملاحقتها اينما تحركت.
شباب يشتكي من مضايقة الفتيات
أما الشباب فهم أيضا من بين المعارضين للظاهرة، بل ويجد بعضهم أنفسهم ضحايا معاكسات من قبل فتيات، وهذا ما ابرزه بعض الشباب الذين حدثتهم "المساء"، حيث قال سامي، جامعي، ان المعاكسات هي نوع من الفنون بالنسبة لبعض الشباب، على حد تعبيره، حيث أن تلك السلوكيات جزء من الثقافة يحملها البعض منذ صغر سنه، خاصة وانها ظاهرة موجودة في المجتمع منذ زمن بعيد، وإن كانت بصورة اكثر احتشاما قديما، الا انها تحولت مع الوقت وتدريجيا الى سلوك يراه الكثير من هؤلاء الشباب الى سلوك طبيعي، ولا حرج فيه حتى وإن تم ملاحقة الفتاة أمام مرأى الجميع من حوله من اصدقاء أو جيران، صغار او كبار السن، فهدفه الوحيد احيانا هو بلوغ الفتاة التي لمحها والحديث معها او اخذ رقمها او غير ذلك.
اما الشاب موسى فقال أن تلك السلوكيات لا تتوافق واخلاقه، ويجد دائما ان مضايقة فتاة في الشارع هو قلة احترام لها ولنفسه على السواء، وأن أكبر حرج ان ترد عليه الفتاة بكلمات تحط من قيمته، وهذا ما يدفعه من الاساس الى عدم ممارسة تلك السلوكيات ابدا، وتفضيل الصدف للتعارف مع الطرف الاخر.
لكن الشاب وليد كان يحمل مفهوما آخر للمعاكسات، حيث قال انه اليوم تلك السلوكيات يمارسها الجنسان على السواء، فكثيرا ما كان في موقع ما تمارس عليه تلك المجاملات، مؤكدا معاكسة الفتيات له في الشوارع في مرات عديدة، وأن بعض الفتيات اليوم هن من يحاولن التقرب من الرجل وليس العكس، وهي ظاهرة جديدة تبرز بشكل مقلق في المجتمع، إذ تكشف عن انحلال اخلاقي من الطرفين، وهذا ما يهدد قيم المجتمع، ويخلق تذبذبا في التوازن الاخلاقي للفرد.
المختصة الاجتماعية: تذبذب في سلم القيم
في هذا الصدد تحدثت "المساء" مع الخبيرة الاجتماعية عبير سعداوي، التي قالت: "ان بروز هذه الظاهرة في المجتمع تنوه بوجود تذبذب في سلم القيم، خاصة وأن هناك رفضا للظاهرة، وإن كانت الفتاة أو حتى الشاب ضحية، لابد من البحث في سبل كبح هذه الظاهرة."
أوضحت انه لا وجود لقوانين تمنع "المجاملات" في الشوارع، لكن سرعان ما تتحول الى قوانين صارمة، اذا ما تحولت تلك "المجاملات البريئة" الى مضايقات وتحرش، خاصة اذا اشتكى الطرف الضحية، وأوضحت أنه حتى وإن لم تبدي الكثير من الفتيات اهتماما خاصا بذلك الامر، رغم تعرضهن له يوميا، الا أن أخريات يتحول الامر بالنسبة إليهن الى هاجس، اذ يفسرن الظاهرة بتعدّ على الحرية الخاصة والمشي في الشارع باستقلالية دون اي مضايقة، وانه يجب الالتزام باحترام الغير في الشارع.
أوضحت المختصة ان "الترندات"، التي تتداولها الفتيات عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال هذه الايام، ليست بالضرورة أمرا جيدا، لان فيها نوع من التعدي على حريات الطرف الاخر، وهنا تدخل الفتاة في مواجهة من نوع آخر، وهي التشهير، وهذا ما ادى خلال الايام الفارطة الى وقوع بعض الحوادث برفع قضايا تشهير، ولا يجدر توثيق تلك السلوكيات الا اذا كانت الفتاة حقيقة تشعر بوجود خطر عليها، او تحول احاديث الى محاولات تحرش او ملامسات او غير ذلك، لان تلك الترندات، قد تميع الواقع، وقد تخلق نوعا من الفوضى من خلال تصوير الغير.
نبهت المختصة انه من الضروري ان تقدم الفتاة بلاغا للأمن، عند الشعور انها تتعرض لنوع من التحرش، لاسيما إذا ما كان بشكل متكرر ومخيف، او تعيش نوعا من الضغط بسبب ذلك، كالتحرش داخل مكان العمل او غير ذلك، مشددة ان تلك" الهاشتاغات" ليس ما يعمل على اصلاح المجتمع، وانما التنشئة الصحيحة، والتربية الصالحة هي المسؤولة عن تغيير ذلك الواقع، فلا حرج في حديث الام مع طفلها منذ الصغر لتعليمه الطرق الصحيحة للحديث مع المرأة واحترامها، واحترام اختلافها، وليس التعدي عليها، من خلال تلك السلوكيات المشينة.