بين وعود الشفاء وخطر العدوى
إقبال كبير على ممارسة الحجامة بالعاصمة

- 2099

عاد العديد من المواطنين في السنوات القليلة الأخيرة، إلى عادة التداوي طبيعيا، ترجمتها مظاهر عديدة، منها الإقبال على محلات بيع الأعشاب والمواد الطبيعية، وكذا انتشار ثقافة «الحجامة» التي أخذت أبعادا جيدة تارة ومخيفة أخرى.
ظاهرة أو ثقافة ساعد على انتشارها العدد الهائل لنقاط ممارسة الحجامة التي ظهرت في السنوات الأخيرة عبر العديد من بلديات العاصمة، بعدما كانت في وقت مضى منتشرة بشكل خاص في المدن الداخلية فقط، إلا أن العديدين حينها وجدوا فيها مصدر رزق ونشاط مثمر، جعلها تنمو في بعض الشوارع كالفطريات، منها المرخّص ومنها الفوضوي غير المؤطر، يهدد صحة المواطنين، وتضاعف في انتشار الأمراض المعدية التي غالبا ما تنتقل عن طريق الدم، كداء الآيدز والكبد الفيروسي وغيرهما من العلل الخطيرة، لكن هل المواطن واع بتلك المخاطر وما مدى إقباله عليه للتداوي.
تساؤلات دفعت «المساء» إلى التنقل عبر بعض مراكز التداوي بالحجامة أو ما يعرف بالطب البديل، وكانت وجهتنا الأولى محل تداوي ببلدية حمادي (شرق العاصمة)، وقد صعب علينا العثور عليه، وكأن أصحابه تعمدوا إخفاءه بين كل تلك البنايات، وعند بلوغنا المحل كان المدخل لا يوحي بأنّه خاص بالتداوي، وإنما بدا لنا جد عادي وكأنه مدخل بيت، لا لافتة ولا أي شيء يشير إلى أنه مركز للتداوي بالحجامة..
عند دخولنا المركز، بلغنا مباشرة قاعة الانتظار المقسمة إلى قسمين، أحدهما خاص بالنساء وآخر بالرجال، كانت قاعة النسوة تعجّ بالحركة، وتعالت الأصوات لشدة الاكتظاظ، رغم أنّ وقت زيارتنا كان في الفترة المسائية.
اقتربنا من إحدى «الممرضات» التي كانت تأخذ أسامي الحاضرات حتى تعطي لكل واحدة قصاصة ورق مكتوب عليها رقمها في الطابور، ودورها لدخول قاعة العلاج، عند سؤالنا عن مدى إقبال المواطنين على المحل، امتنعت عن الجواب، واكتفت بالقول «علاج عربي ومارسه الأنبياء منذ القدم، ويتبع في ممارسته السنة النبوية وبعض القواعد العلمية في العلاج».
حينها اقتربت منا أم زينب، مشيرة إلى أنّ العلاج جيد للعديد من العلل والأمراض، وكأنه العلاج «السحري» لكلّ مرض مستعص، كانت ألفاظها توهم المريض بأنّ الحل بين يديها بفضل بعض الجلسات، وعن صعوبة بلوغ المحل، وجهل العديد من الجيران لوجوده بالمنطقة، قالت بأن ذلك مؤقت في حين إيجاد محل أكبر، ولم تعطنا المتحدثة تفاصيل أكثر عن حقيقة الاعتماد أو الترخيص الذي لابد أن تحوز عليه لممارسة النشاط.
من جهة أخرى، انتقلنا إلى محل ثان، كان أكثر وضوحا على أنه محل للحجامة ببلدية الدار البيضاء، كان بمدخله لافتة كبيرة توضح بأنه خاص بممارسة الحجامة وتبيّن مختلف فوائدها، وعند دخولنا أثار اهتمامنا التنظيم الذي كان داخله، وحدثتنا حينها مريم إحدى الممرضات، قائلة بأنّ المحل يعمل بطريقة «قانونية» منذ ثلاثة سنوات، إذ يستوفي كلّ الشروط الصحية الضرورية، خاضع للرقابة في كلّ مرة، خصوصا ما يتعلّق بالأجهزة الخاصة بالعملية، والتي هي أحادية الاستعمال، مضيفة أن في الكثير من الأحيان تطلب من الزبون اقتناء آلته الخاصة، أو شراءها مباشرة من المحل، إذ لا يمكن إعادة استعمال الأجهزة التي تم استعمالها على أشخاص آخرين.
وأضافت المتحدثة أنه بعد قرار وزارة الصحة، بالشروع في عملية غلق محلات ممارسة الرقية والحجامة بطريقة غير قانونية، عبر كافة التراب الوطني، بتعليمة من الوزير، ظل هذا المحل من المحلات القليلة التي تنشط وفق التعليمة الجديدة التي تتضمن شروطا صارمة خاصة بفتح هذا النوع.
قالت المتحدثة بأنّ للحجامة فوائد عديدة لا تعد ولا تحصى، إلا أن الأهم في ذلك، معرفة طريقة ممارستها وكذا الوقت الجيد للقيام بها، فالحجامة تساعد على تنظيم عمل الجهاز العصبي وتنظم إفراز الغدد، كما أنها تهدئ الأعصاب، وتنشط الدورة الدموية وتنشط مراكز الحركة في الجسم، بالتخلص من «الدم الفاسد» الذي لابد أن يتغير حتى يتجدد في الجسم.
لافتات لاستقطاب الزبائن..
شد انتباهنا مؤخرا، تلك اللافتات التي صارت تعلق هنا وهناك، من أجل لفت انتباه الزبون واستقطابه لإجراء الحجامة، خاصة في محطات المسافرين، وكذا داخل الحافلات، عارضين بذلك مختلف الفوائد لتلك العملية، مما يجعل الفرد لا يفكر ـ للأسف ـ سوى في علاج ذلك المرض الذي يعاني منه، حتى وإن كان سطحيا كتساقط الشعر أو مشكل حب الشباب أو غير ذلك، مما يجعل البعض يحملون أرقام هواتف تلك المحلات التي كتبت على اللافتات للتقرب منها دون البحث عن ما إذا كانت تلك المحلات مرخصة أو تنشط بطريقة عشوائية، الأمر الذي قد يؤثر على صحته ويهدد سلامته.
وهنا تبين لنا من استطلاعنا أن العديد لهم تلك الثقافة حتى وإن كانوا على يقين أنه بالرغم من أن الحجامة أقرها ديننا الحنيف، إلا أن الكثير من ممارسيها لا يراعون الشروط الصحية في استعمالها، مما يجعلهم يقبلون عليها، متخذين كل الحيطة والحذر، وذلك بأخذ أدواتهم الخاصة، وكذا سؤال مختصين عن أوقات وطرق إجرائها..
في حين كان البعض الآخر يتميزون بسذاجة، لاسيما النساء اللائي يجعلهن يقبلن على تلك المحلات دون معرفة أسس السلامة الصحية التي لابد أن تتميز بها، وهو ما دفع العديد من المختصين والأطباء يدعون إلى أخذ الحذر من ذلك النشاط العشوائي لبعض الأشخاص الذين جعلوا من الحجامة تجارة أكثر من علاج يقبل عليه الفرد للبحث عن الشفاء.