الأحجيات، الألغاز والألعاب الشعبية

إرث الجدات الذي يقاوم الزوال

إرث الجدات الذي يقاوم الزوال
  • القراءات: 751
سميرة عوام سميرة عوام

تحن الكثير من الأمهات لدى جلوسهن أمام المدفأة وحولهن الأطفال، إلى الأحجيات وألغاز الجدات التي غابت عن الجلسات العائلية الدافئة في ليالي الشتاء البارد، مع دخول الشبكات الاجتماعية بمختلف أنواعها لكل البيوت الجزائرية، حيث أدخلت هذه التكنولوجيا على البيوت الجزائرية، خصوصا العنابية منها، برودة في العلاقات مع الأهل بما فيهم الجدات اللواتي لم يعد بمقدورهن مقاومة المد التكونلوجي الغازي، إذ أصبح دوهن يقتصر على التفرج، حينها يتعلق الأمر بالأحفاد الذين انزوى كل واحد منهم بهاتفه النقال، بحثا عن الترفيه  في غياب الحكايات والأحجيات التي تعود إلى ذلك الزمن الجميل.

في حديثنا لبعض العائلات خلال التقلبات الجوية الأخيرة وانخفاض درجة الحرارة، والتي تحتاج لمدفأة ولمة العائلة، على اعتبار أن مثل هذه الأوقات تعد الفرصة المثالية للأولياء لتبادل الحديث مع أولادهم، حيث قالت السيدة مريم في هذا الصدد، وهي أم لطفلين، إنها تفضل في مثل هذه الظروف، الجلوس مع طفليها، خصوصا عند حلول الظلام، لمراجعة الدروس وتخصص لهما يوما في الأسبوع، لتقدم لهما بعض الأحجيات التي أخذتها عن جدتها، رحمها الله، منها أحجية ”لونجة بنت الغول”، ”حب الرمان”، وغيرها من الحكايات الطريفة التي تغلب عليها الحكمة. لتضيف مريم أن طفليها يستمتعان رفقة والدهما بمثل هذه القعدة، فيما أضافت صديقتها فتيحة، أم لأربع بنات، واحدة منهن تزوجت حديثا، أن ”الفايسبوك” و«الوتساب” وغيرها من هذه الشبكات الاجتماعية، أبعدت الأسرة وفككتها روحيا، حيث تقضي وقتها مع زوجها، فيما تفضل البنات الجلوس في غرفهن طوال الوقت ولا يلتقي الجمع إلا عند وجبة العشاء. وبنبرة حزينة، تذكرت فتيحة جلسات زمان مع جدتها التي كانت تبقى طوال الليل حينما يلتقي الجميع في الدار الكبيرة، تحكي لهم أحجيات متنوعة وأخرى عن الأشباح، لتختتمها بالبوقالات، فيما تقول ذات المتحدثة، أن كل هذه القعدات الجميلة أعطت لشخصها قوة وتفطنت لأمور كثيرة، مؤكدة أن جدتها كانت تقدم ما لديها من الأحجيات التي تحمل بين كلماتها الصبر وتحمل الإنسان لظروف الحياة، والأمان، وأخرى تلخصها في النية والحيلة اللتان لا تلتقيان.

من جهتها، ترى مختصة في علم الاجتماع بعنابة، أن الأحجيات و الألغاز وحتى الألعاب الشعبية، تعتبر نقاطا مهمة في نمو الطفل وحتى المراهق، وتؤكد أن زمن الجدات يعتبر جرعة أكسجين قوية لكل جيل عايش تلك الفترات الخصبة، التي تكوّن شخصية الطفل، حيث يتربى على الصدق والسلم بعيدا عن العنف بمختلف أنواعه، خاصة النفسي.

حسب المختصة، فإن أطفال وشباب ذلك الزمان يختلفون كثيرا عن شباب اليوم، الذي يكثر في وسطه العنف اللفظي والجسدي، بسبب الفراغ الروحي وانعدام المرافقة النفسية والروحية، فجلسة واحدة في الأسبوع مع الطفل أو المراهق، بتقديم أحجية أو لعبة شعبية له، ستصفي ذاته وتنميها، لكن مع نقص الوعي في المجتمع الحالي وكثرة انشغالات الأولياء وتطور شبكات التواصل الاجتماعي، انصهرت الذات معها وغابت الحكمة والتوجيه، وحتى التربية الحسنة في المنزل باتت غير موجودة في بعض البيوت الجزائرية، مؤكدة أن انتهاج مسار الجدات يعتبر نقطة مهمة، وهي الجلوس مع الأولاد وتخصيص كل الوقت لهم، ومرافقتهم لحمايتهم من الجريمة والعنف والاعتداءات وتدريبهم على صناعة مستقبل يسيره أشخاص مستقيمون.