جذورها ضاربة في عمق التراث

إحياء عادة "عنصلة" تأكيدا على التمسك بالأرض

إحياء عادة "عنصلة" تأكيدا على التمسك بالأرض
  • القراءات: 1778
س.زميحي  س.زميحي

عادت عادة "عنصلة " إلى قرى ولاية تيزي وزو، للتذكير بتمسك أهاليها بالفلاحة والزراعة وعلاقتهم بخدمة الأرض كجزء من حياتهم اليومية؛ حيث ثم إحياؤها مؤخرا، وهي العادة التي لا يمكنهم التخلي عنها رغم الصعوبات التي تعترضهم في خدمة الأرض؛ لأن، ببساطة، يُعتبر التخلي عن الأرض تخليا عن الحياة والأسرة، وهو ما جعل أهلها متشبثين بعادات ذات علاقة بالأرض، تعود في كل مناسبة لتأكيد الانتماء.

ترتبط حياة العائلات القبائلية لاسيما القاطنة بالقرى والمرتفعات الجبلية، بشكل وثيق بخدمة الأرض. ولعل الرزنامة الأمازيغية التي وضعت بناء على مواسم الفلاحة والزراعة، خير دليل على هذه العلاقة التي تجمع السكان بالتراب الذي تربوا وترعرعوا فيه جيلا بعد جيل، حيث كان تصنيف العائلات الفقيرة والغنية لا يتوقف على المال ولا المباني العالية ولكن على مساحات الهكتارات التي تملكها العائلة، وعلى مر السنين لايزال هذا الشغف وحب امتلاك وخدمة الأرض، متوارثا؛ حيث تستقبل العائلات القبائلية الفصول الأربعة بطرق مختلفة، من خلال أشغال تنظيف الأرض، وتخصيبها وحرثها، وزراعتها  بمجرد سقوط أولى زخات المطر.

عملية نزع الأعشاب الضارة لا يتم التخلص منها مباشرة، بل يتم الاحتفاظ ببعضها إلى حين حلول شهر جويلية، ليتم حرقها بالحقول والمزارع بمناسبة إحياء عادة "عنصلة" المصادفة ليوم 7 جويلية، والتي تتزامن مع ما يسمى بـ "سمايم أونبذو"، حسب الرزنامة الأمازيغية، حيث تقصد النساء الحقول لإحياء هذه العادة؛ من خلال جمع بقايا الأعشاب الضارة واليابسة لحرقها، لينتشر الدخان بكل أرجاء الحقل أو المزرعة، وهي العملية التي تساعد الأشجار على الاحتفاظ بثمارها، حسبما تؤكد المتقدمات في السن.

تقول "نا وردية" من عين الحمام، إنه يتم جمع بقايا أشغال التنظيف من الأعشاب الضارة وأغصان الأشجار الميتة، لحرقها، وهو ما يسمى "عنصلة". كما يتم تشكيل عقد من حبات التين "الدكار" وتعليقها على كل شجرة، فبقدر ما تذبل وتموت هذه الحبات بقدر ما تضمن الشجرة الاحتفاظ بثمارها؛ ما يحقق إنتاجا وفيرا.

وأوضحت المتحدثة أن مثل هذه العادات تسمح بتنظيف الحقول من الأعشاب الضارة وضمان استمرار خدمة الأرض، مشيرة إلى أن هذه العادة لم تأت من العدم، وإنما ترمز إلى جزء من حياة الملكة البربرية "ديهية" المعروفة باسم الكاهنة، حيث تركت الملكة وصية، مفادها: في حال ألقي القبض عليها يتم حرق كل منتوج الحبوب وكل المحاصيل كي لا يستولي عليها الغزاة.

وذكر "دا محند" من قرية  اغريب، أن الدخان المتسرب من عملية الحرق مفيد لعلاج الأمراض التي تصيب النبات والأشجار المثمرة خاصة أشجار التين، في حين أن بقايا الحرق من الرماد يتم استعماله كأسمدة؛ لما في ذلك من نفع للتربة؛ إذ يساعد الأشجار على مقاومة غزو بعض الحشرات.

وقد انتشرت عملية الحرق لإحياء عادة عنصلة، حيث كانت هذه السنة رمزية بسبب جائحة كورونا من جهة، ومن جهة أخرى نظرا لإصرار مصالح محافظة الغابات على تفادي إضرام النيران، لاسيما في هذه الفترة التي بلغت درجة الحرارة عتبة 40 درجة، وخوفا من إحراق العشب الأخضر، حيث إن عوامل المناخ التي تضاف إليها عوامل بشرية تهدد الغابات بالنيران، خاصة بالنسبة للحقول والمزارع الواقعة بجوارها.