الاحتفال بـ "يناير" في أدرار

أطباق لإحياء "سعد السعود"

أطباق لإحياء "سعد السعود"
  • 2277
 فائزة لعموري فائزة لعموري

في ولايات الجنوب الغربي، يتميز الاحتفال  بـ "الناير" الذي يطلق عليه تسمية "سعد السعود"، بالتحفيز له شهرا قبل حلوله، حيث يتم زرع أعشاب وحبوب وبقول تستعمل في "ينّاير"، خاصة في تحضير الأطباق التقليدية، وعلى رأسها "الزعتر والحبق وبونافع والسانوج" أو الحبة السوداء. وتقام الاحتفالات عادة في أيام 11 و12 و13 و14 من شهر يناير أو جانفي، وهناك من يحتفل به في أحد هذه الأيام فقط.

يعتبر "الناير" أو رأس السنة الأمازيغية عند أهل أدرار أو أهل توات - وهم فلاحون بطبيعتهم- مناسبة فلاحية بامتياز، وبحلولها، ينطلق موسم فلاحي جديد. ولمعرفة التقاليد المتوارثة في كيفية الاحتفال بهذه المناسبة، اتصلنا بالسيدة الغالية برناوي، رئيسة جمعية "الآفاق" للخياطة والطرز والتراث الشعبي، التي أوضحت أنه من بين التحضيرات التي تسبق "الناير" في أدرار، فتل العيش أو المردود أو كما يطلق عليه البعض "الطعام الغليظ"، كما يتم "تبركيش (وهي عملية الفتل) عيش الصراير" وهو بركوكس يفتل بأكثر من خمس عشرة عشبة. كما يتم تحضير "القديد"، إضافة إلى تحضير "الكوردات"، وهي معدة الخروف التي يتم تتبيلها باللفاح (توابل محلية) ويتم بعد ذلك لمها بأمعاء الخروف، ثم نشرها على حبل غسيل حتى تجف تماما. كما يتم أيضا طهي رأس الخروف بالماء والتوابل المحلية، ثم تفصل العظام عن لحمه ويتم تجفيفه أيضا بنفس الطريقة، كما يتم تحضير الكليلة من حليب الماعز وتجفيفها تحضيرا للاحتفال بـ"الناير".

الاحتفالات تشمل معظم قصور أدرار برأس السنة الأمازيغية الجديدة، وعادة تقام في البيت الكبير أو بيت الجد، أين تجتمع كل العائلة، بحيث تلبس النساء لباسهن التقليدي والمتمثل في عبايات "الكمامة" أو عبايات "الجمة"، مع وضع العصابة على رؤوسهن ويحضرن أطباقا تقليدية، خاصة بهذه المناسبة، ومنها "البركوكس" بالفول المحلي و«التادلاخت" (نوع من أنواع الفاصوليا تتميز بحجمها الصغير، مزركشة بألوان مختلفة، يتم زرعها في أدرار)،  ويضاف أيضا إلى "البركوكس" "الكليلة" والحمص، وهناك من يفضله بـ"الكرداس" و"البوزلوف" المجفف و’الكوردات"، وهناك من يجعله يفور على طريقة تحضير الكسكسي، ثم يحضر له المرق إما بلحم الدجاج ويوضع البيض عليه للزينة (ولحم الدجاج هذا يجب أن يكون لحم ديك يذبح في البيت يوم الاحتفال) أو بمرق العدس أو مرق الفول أو بالبصل و«الخيزو" أي الجزر - وهي منتوجات كلها محلية - شرط أن يكون المرق ذو رائحة زكية منكها بتوابل تنتج في أراضي الولاية خاثرا وثقيلا.

وتطهى أطباق "الناير" خصيصا في قدر تقليدي يسمى ‘قدر لحطب’ لا يستعمل إلا للطهي في مناسبات محددة وتتوارثه الأسر الأدرارية أبا عن جد، ويغسل بعد كل استعمال جيدا من الداخل فقط ولا يغسل أبدا من الخارج حتى يحافظ على آثار الطهي ونكهاته الطيبة، ويجب أن يبقى مقلوبا بعد غسله، ويتم الطبخ على الحطب وفي زاوية خارج البيت، عادة ما تخصص في الحقول على "حديدة" تسمى بـ«المنصب" وهي أيضا متوارثة عن الأجداد. وفي السياق، تشير المتحدثة إلى أن تحضير مختلف أطباق "الناير" الشعبية تكون على وقع التهليل على طريقة الأهاليل، وهن يرددن مقولات للصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ثم يردفن قائلات؛ "اللهم بارك لنا في رزقنا"، وغيرها من دعوات لله عز وجل حتى يبسط رزقه على خلقه.

وفي السهرة، يتم تحضير الشاي على أسس وتقاليد معروفة في المنطقة، حيث يطهى على الجمر. ومن بين شروط تحضير هذا المشروب السحري اللذيذ الذي يتميز بنكهة فريدة في صحرائنا، أن يلتم حوله جميع أفراد العائلة، كما يتم تقديمه مع "المخلط"؛ وهو عبارة عن مجموعة من المكسرات المختلفة والحلويات المشكلة وأنواع من الشكولاطة، إضافة إلى التفاح والبرتقال، ويحظى من وجد نواة التمر في نصيبه من المردود بحصة الأسد من "المخلط". وتجدر الإشارة إلى أنه على مدار أربعة أيام، يتم تحضير أطباق تقليدية خاصة بـ"الناير" لا غير، كما أن الطبق الذي يحضر في اليوم الأول، مثلا، لا يعاد تحضيره في باقي الأيام الثلاثة من "الناير". ويبقى الاحتفال برأس السنة الأمازيغية في أدرار، كما تقول السيدة برناوي، مناسبة لطلب الرزق في العام الجديد والتوفيق في كل مناحي الحياة، كالزواج أو الظفر بمنصب شغل أو غيرها من الأمنيات، وأن يكون عام خير يعم الجميع، وهذا من باب "تفاءلوا خيرا تجدوه" .