بعدما تراجع اعتماد هذه السياسة في البيوت الجزائرية

أزمة "كورونا" تعيد الاعتبار لتقليد "العولة" تحسبا لظروف غير متوقعة..

أزمة "كورونا" تعيد الاعتبار لتقليد "العولة" تحسبا لظروف غير متوقعة..
  • القراءات: 528
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

لا تزال الكثير من العائلات الجزائرية تحافظ على تقليد تخزين المؤونة الغذائية، أو ما يسميه البعض بالعولة، هذه العادة الشائعة بين الأسر الجزائرية القاطنة بالمدن الداخلية، تزداد مع اقتراب موسم الشتاء، الذي يعرف بقلة ثماره، وحتى بسبب حدوث بعض الأزمات أثنائه، تجعل الوصول إلى بعض المواد الأساسية غير ممكن أو من المستحيل، وبالرغم من قدم هذه العادة الشائعة في مختلف دول العالم، إلا أنه تلتزم بعض ربات البيوت في كل مرة بتجديد مخزونها من مواد مصبرة أو مجمدة، أو باقتناء كميات كافية من الحبوب والعجائن وتخزينها لأيام "الشدة".

لقد أُعيد الاعتبار لهذا التقليد القديم، خلال الأزمة الصحية (كورونا) التي ضربت العالم، وحتمت على العائلات إعادة التفكير في ضرورة اقتناء مواد غذائية كافية وتخزينها لفترات لاحقة، احتسابا لحوادث وكوارث غير متوقعة، يمكن أن تحدث في أية لحظة دون أية سابقة، ومن الضروري أن يتوفر في البيت، على الأقل مؤونة تكفي للتصدي لتلك الأزمات لفترة معينة. كما أن ندرة المواد الغذائية خلال فصل الشتاء، هي حقيقة يدركها العالم كافة، ووقوع بعض الكوارث الطبيعية كذلك، كالفيضانات أو سد الطرقات بسبب كثافة الثلوج وغيرها، خلقت منذ الأزل تفكيرا منطقيا للعائلات من أجل التصدي لكل ذلك والنجاة من تلك الظروف بأقل الأضرار، دون الاضطرار إلى ترك البيت والخروج للبحث عن الأكل أو محاولة تأمين الغذاء اليومي، إلا أن هذه العادات تلاشت في فترة معينة، لتجد بعض العائلات نفسها تكابد مرارة الجوع من جهة، والبرد من جهة أخرى، غير أن أزمة "كورونا" أعادت الاعتبار لهذا السلوك الذي تعودت عليه الجدات. وما لا يختلف عليه اثنان، هو أن تلك الأزمات التي واجهتها العائلات خلال جائحة "كورونا"، في صعوبة الوصول إلى بعض المؤونات الغذائية، بسبب الحجر الصحي، وغلق الكثير من المحلات في المرحلة الأولى، وكذا الأزمة التي عشناها بسبب الندرة  في الزيت والدقيق وكذا الحليب، ثم المضاربة التي يعتمدها بعض أشباه التجار، دفعت بالعائلات إلى التفكير جديا في إعادة الاعتبار لمفهوم العولة، وإعادة تخزين المواد الغذائية التي يمكن أن تظل فترة صلاحيتها لمدة طويلة، دون أن تفسد أو تتعفن، على غرار الحبوب الجافة، مثل العدس، الفاصوليا، البازلاء المجففة، الحمص وغيرها، وكذا العجائن بأنواعها؛ الدقيق والشوفان.. إلى جانب المواد المثلجة، كبعض الخضار التي تخزنها النساء في موسم الصيف، مثلا، تحسبا لموسم الشتاء، مثل الفلفل، الطماطم والثوم، كما تعتمد أخريات على التصبير وأساليب كثيرة، سواء بالاعتماد على الخل أو الزيت أو زيت الزيتون أو الملح، فضلا على مربى الفواكه، حيث تعتمد السيدات على تقنيات خاصة لحفظها، إذ تُحكم النساء سد القنينات والعلب، لتحافظ على مابداخلها إلى فصل الشتاء، إذ يمكن لتلك المواد المخزنة أن تبقى صالحة لأكثر من سنة أو حتى سنتين، خاصة المصبرة بالملح أو السكر، والتي تبقى المواد داخلها محفظة دون أن يتغير طعمها، وتظل سليمة للاستهلاك. في هذا الصدد، اجمعت العديد من ربات البيوت المسنات، اللواتي حدثتهن "المساء"، على اعتمادهن أسلوب التخزين والعولة، تحسبا لأي مشكل قد يؤول دون إمكانية الوصول إلى الغذاء اليومي، أو حتى ارتفاع أسعار بعض المنتجات في غير موسمها، وهذا من أكبر المشاكل الشائعة في العاصمة، وهو ما أكدته الكثيرات في حديثهن، عن أن العولة تقليد الجدات ولابد من الحفاظ عليه وتعليمه لجيل المستقبل، خاصة بعد الدرس الذي تلقاه العالم بعد أزمة "كورونا"، والذي أثبت أن الكوارث الطبيعية وقائع لابد من أخذها بعين الاعتبار، إذ يمكنها أن لا تحدث أي ضجة قبل وقوعها، لكنها قد تحدث كارثة تزيد المجاعة أزمة على ما هو مشكل من أساسه.

العولة تقليد جميل لكن لابد من تفادي التبذير

في هذا الصدد، أعرب كريم سماحي، خبير اقتصاد، وأستاذ مالية، عن استحسانه لتقليد العولة التي تقوم بها الكثير من العائلات في مواجهة أزمة، وتفادي الأزمات، بمحاولة سد حاجيات العائلة من غذاء خلال فترة معينة، مشيرا إلى ضرورة احترام بعض المعايير دون الوقوع في فخ التبذير دون حاجة، حيث قال: "لقد شهدنا التهاتف على المواد الغذائية خلال الفترة التي قام فيها بعض التجار، الذين لا يتميزوا بأي ضمير مهني، في المضاربة بالسلع وتخزينها، ما خلق ندرة في السوق، دفعت بالكثيرين إلى الإفراط في اقتناء ما يحتاجونه وما لا يحتاجونه من مخزون تلك المواد، انتهى بالبعض منه إلى القمامة بسبب تلفه، وهذا أمر غير مقبول، لهذا لابد من التصرف بحكمة عند اعتماد سياسة العولة، واقتناء المواد التي نحتاجها ولا تتلف بسرعة، مع تجديد العولة في كل مرة، باستهلاك ما هو مخزن قبل إعادة اقتناء منتجات جديدة، مع احترام فترة التخزين وشروطها، لتفادي أي مشكل صحي قد ينجم عن هذا الأمر، لاسيما أن لكل مادة، مهما كانت، فترة صلاحية محددة، بما في ذلك الأرز والمعكرونة ..على حد تعبيره".