خطة ترامب المثيرة للجدل
وقف الحرب في غزة أم تصفية للقضية الفلسطينية؟

- 223

أثارت خطة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لوقف الحرب في غزة جدلا واسعا حول دعم الولايات المتحدة للاحتلال الصهيوني في حرب الإبادة الجماعية التي يواصل اقترافها، منذ نحو سنتين، في قطاع غزة وسياسة الكيل بمكيالين في التعامل مع القضية الفلسطينية.
تنصّ خطة ترامب، التي نشر البيت الأبيض مساء أول أمس تفاصيلها، على إطلاق حوار بين الكيان الصهيوني والفلسطينيين للتوصل إلى أفق سياسي يضمن ما وصفته "تعايشا سلميا ومزدهرا"، مع تأكيد أن إسرائيل لن تحتل غزة أو تضمها ولن يجبر أي طرف على مغادرتها.
تشمل تعليق جميع العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، بما في ذلك القصف الجوي والمدفعي، لمدة 72 ساعة من لحظة إعلان إسرائيل قبولها العلني للاتفاق، حيث يتم خلالها إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين الأحياء وتسليم رفات القتلى. كما تقضي بانسحاب جيش الاحتلال وفق جداول زمنية مرتبطة بعملية نزع السلاح يتم الاتفاق عليها مع قوات الاحتلال والضامنين والولايات المتحدة.
وحسب الخطة، ستفرج إسرائيل، التي لم يسبق لها أن وفت بالتزاماتها إزاء الفلسطينيين، استكمال إطلاق 250 أسير فلسطيني محكوم بالمؤبد، إضافة إلى 1700 من أسرى قطاع غزة المعتقلين بعد السابع أكتوبر 2023. كما تعهدت الخطة المزعومة بإدخال المساعدات بشكل كامل وفوري إلى القطاع عند قبول الاتفاق، مع تنفيذ البنود الأخرى، بما في ذلك توسيع نطاق المساعدات، في المناطق التي يصفها الاتفاق بـ"الخالية من الإرهاب" إذا تأخرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أو رفضت المقترح.
وتنص على توفير ما سمته "ممرا آمنا" لأعضاء "حماس" الراغبين في مغادرة القطاع، بينما أكد ترامب أن الدول العربية والإسلامية ستكون مسؤولة عن التعامل مع الحركة بما يسلط الضوء على دعم الولايات المتحدة الكامل للاحتلال في أي تصعيد محتمل.
وتدعو الخطة إلى نزع سلاح المقاومة بشكل فوري وتدمير بنيتها العسكرية، مع تهديد الحركة بعقوبات في حال رفض الاتفاق، في حين لا تفرض على الكيان المحتل قيود مماثلة على تحرّكاته العسكرية، بما يعكس سياسة الكيل بمكيالين في التعامل مع الطرفين.كما تقترح تأسيس "هيئة دولية اشرافية جديدة" على قطاع غزة باسم "مجلس السلام"، يشرف عليه ترامب شخصيا بمشاركة طوني بلير، رئيس الحكومة البريطاني الأسبق والمتهم بارتكاب جرائم حرب، ليكون مسؤولا عن تشكيل حكومة في غزة بمشاركة فلسطينيين وغيرهم، مع استبعاد "حماس" من أي دور فيها.
ومنح الرئيس الأمريكي، حركة "حماس" من ثلاثة إلى أربعة أيام لتقديم ردها على الخطة التي تضمنت استجابة كاملة لكل مطالب الاحتلال، فيما تجاهلت كل مصالح الشعب الفلسطيني. والمؤكد أن هدفها الأساسي هو إجبار الفلسطيني على الاستسلام ورفع الراية البيضاء لصالح الاحتلال الذي عجز عن فعله بآلة الدمار والتقتيل والقصف والتجويع، فيريد ترامب تحقيقه بسلام بحسب مفهومه وعلى مقاسه ومقاس حليفه المدلل بنيامين نتنياهو.
بين الترحيب والحذر والرفض الصريح
بين الترحيب والحذر والرفض الصريح توالت ردود الفعل الدولية بخصوص خطة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لوقف الحرب الصهيونية في قطاع غزة والتي كشف البيت الأبيض مساء أول أمس، تفاصيلها المثيرة للجدل. فبينما رحّب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالمبادرة الأمريكية، ودعا إسرائيل إلى التعامل معها بجدية، مؤكدا استعداد بلاده للمساهمة في تنفيذها، عبّر رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، عن دعمه الكامل للخطة. وفي روما، وصفت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني المقترح بأنه "نقطة تحوّل" قد تفتح الباب أمام وقف دائم للقتال.
من جانبها، أعلنت النرويج وباكستان مواقف داعمة، حيث اعتبرت أوسلو أن نجاح الخطة يتوقف على استجابة الاحتلال الإسرائيلي، فيما شدّد رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف على أن "السلام العادل شرط أساسي لاستقرار المنطقة".
وعلى المستوى العربي، أكدت كل من السعودية والأردن ومصر وقطر والإمارات استعدادها للتعاون مع الولايات المتحدة والأطراف الدولية لضمان تنفيذ الخطة، بينما رأت السلطة الفلسطينية في المبادرة "فرصة لوقف حرب الإبادة على غزة".
في المقابل، جاءت مواقف المؤسّسات والقوى الفلسطينية أكثر تحفظا، حيث أعلنت حركة "الجهاد الإسلامي" رفض المقترح بشكل قاطع، ووصف أمينها العام زياد النخالة الخطة بأنها اتفاق أمريكي – إسرائيلي لا يعبر إلا عن مصالح الاحتلال، محذرا من أنها قد تشعل المنطقة بدل أن توقف الحرب.
ولأن قطاع غزة هو المعني الأول بهذه الخطة، فقد أكد مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي، إسماعيل الثوابتة رفضها. وقال في تعقيبه عليها إن "ما يُسمى بخطة ترامب لوقف الحرب في غزة لا تمثل حلا حقيقيا موضوعيا منصفا، بل هي محاولة لفرض وصاية جديدة تُشرعن الاحتلال وتُجرد شعبنا الفلسطيني من حقوقه الوطنية والسياسية والإنسانية".
وشدّد الثوابتة مجددا على أن الطريق الوحيد لوقف الحرب هو إنهاء العدوان الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي ورفع الحصار الظالم ووقف الإبادة الممنهجة وإعطاء الشعب الفلسطيني حقه في العيش وضمان حقوقه الثابتة في الحرية والاستقلال وتقرير المصير، بالتزامن مع الاعتراف العالمي بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته الفلسطينية.
وأكد في الأخير بان أي مقترحات تتجاهل هذه الحقوق وتتعامل مع غزة ككيان أمني منزوع السيادة تحت إدارة دولية هي "مرفوضة جملة وتفصيلا في العقل الجمعي الوطني الفلسطيني.. هكذا هو فهمنا لطبيعة العلاقة...". كما أعلنت الصين رفضها خطة ترامب وأكدت بالمقابل دعمها لحل الدولتين. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، غو جياكون، خلال مؤتمر صحفي في بكين، إن بلاده تدعو إلى الالتزام بقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، مع تحقيق وقف إطلاق نار دائم والإفراج عن كافة الأسرى وضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل عاجل إلى القطاع.