جعل الشرق الأوسط منطقة منزوعة السلاح النووي

واشنطن تقبر مبادرة عربية إرضاء لإسرائيل

واشنطن تقبر مبادرة عربية إرضاء لإسرائيل
  • 719
م. مرشدي م. مرشدي
عندما ترهن الولايات المتحدة مصالح المجموعة الدولية قاطبة لصالح حماية إسرائيل فإن ذلك يجعل الأمم المتحدة، أمام حالة عجز متكرر في إنجاح اجتماعات الدول الموقّعة على معاهدة منع الانتشار النووي منذ عقود. وفشل المشاركون في ندوة انتهت أمس، بمقر الأمم المتحدة بنيويورك ـ والمؤكد أنها لن تكون الأخيرة ـ خصصت لمتابعة مدى تطبيق معاهدة منع الانتشار النووي وجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة منزوعة السلاح النووي، بعد أن رفضت الولايات المتحدة مبادرة عربية في هذا الاتجاه.

ويأتي الرفض الأمريكي على علاقة متعدية مع الكيان الإسرائيلي الذي يملك أكبر ترسانة نووية غير معلن عنها رغم علم كل العالم بوجودها ولكنه يرفض أن يدرج ضمن قائمة الدول النووية في خرق لكل المعاهدات الدولية في هذا المجال. وأجهض التحرك العربي بعد أن عارضت الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا في ختام أسبوع من النقاش المكثف لما عرف بـ«المبادرة العربية" التي تهدف إلى فضح المسكوت عنه بخصوص الترسانة النووية الإسرائيلية والذي تصر الدول الغربية على تطبيق قاعدة جائرة  معروفة "حلال على إسرائيل حرام على العرب".

ويكفي فقط العودة إلى تجربة إيران مع برنامجها النووي وما لاقته من متاعب وعقوبات وتهديدات للقول إن الولايات المتحدة لا تجد أي حرج في الجهر بنفاقها السياسي عندما يتعلق الأمر بإسرائيل وحماية مصالحها. ويفسر "الفيتو" الأمريكي المكرس لبقاء هذه المبادرة في مرحلة الموت الإكلينيكي منذ سنة 1995، وعجز الأمين العام الأممي في تجسيد فكرة المنطقة المنزوعة السلاح في الشرق الأوسط بحلول سنة 2016، مدى الحيف الذي تتعامل به العواصم الغربية كلما تعلق الأمر بقضية تخص الشأن العربي.

وتواصل الإدارات الأمريكية تنكرها لمضمون المعاهدة الدولية لمنع الانتشار النووي عندما يتعلق الأمر بالكيان المحتل، ولكنها لا تجد حرجا في ممارسة شتى أنواع الضغوط على دول العالم الأخرى لإرغامها على التوقيع على هذه المعاهدة وتترصد حتى نوايا بعض الدول التي أبانت عن رغبة من أجل اكتساب هذه التكنولوجيا لأغراض سلمية وفي إطار قيود المعاهدات الدولية. وتواصل الولايات المتحدة على موقفها في وقت حضر فيه ممثل عن دولة الكيان الاحتلال بصفة ملاحظ لأول مرة منذ أكثر من عشرين عاما في اعتراف ضمني بامتلاكها أكبر ترسانة نووية في منطقة الشرق الأوسط، ولكنها تحرمها على الدول العربية.

ويتذكر العالم كيف قبرت القدرات الجنينية للعراق عندما قصفت طائرات إسرائيلية مفاعل "تموز" العراقي بداية ثمانينيات القرن الماضي، وراودتها الفكرة لتكرارها ضد ايران وأرغمت ليبيا في عهد نظامها السابق على تدمير ترسانتها الكيماوية وتسليم شحناتها إلى الولايات المتحدة وفعلت سوريا ذلك قبل عامين عندما وجدت نفسها مرغمة على إفراغ مخازن أسلحتها الكيماوية ضمن اتفاق دولي بدعوى تجنيب نظامها سقوطا حتميا.  ولم تجد روز غوتمولر، مساعدة كاتب الدولة الأمريكية المكلفة بنزع السلاح والأمن الدولي، أن تصف المبادرة العربية بالمجحفة ذهبت إلى حد توبيخ الدول العربية لأنها تجرأت على الإصرار في الدعوة إلى تمرير هذا المقترح الذي تصفه الدول الغربية بـ«غير العقلاني" رغم مرور عشر سنوات من طرحه؟

وهي المدة نفسها التي جعلت إيران تقبل بالتوقيع على اتفاقها مع الولايات المتحدة وترهن عقودا من الأبحاث والأموال الطائلة التي خصصتها لمشروع علقت عليه أجيال الإيرانيين آمالها في رؤية بلدها تواقة لاحتلال مكان بين القوى الكبرى، قبل أن يتبخر كل شيء في منتصف المسير. وعندما نعلم أن الإعلان النهائي لندوة سنة 2010، حول منع الانتشار النووي برمج اجتماعا لسنة 2012 بالعاصمة الفنلندية هيلسنكي، لبحث مسألة جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة منزوعة السلاح ولكن ذلك بقي مجرد حلم لن يتحقق مادامت إسرائيل لا ترغب فيمن يقلقها أو يخلط عليها حساباتها.