بعد قراره السماح لتركيا بشن حرب داخل العمق السوري

هل أخطأ الرئيس ترامب في تقدير الموقف؟

هل أخطأ الرئيس ترامب في تقدير الموقف؟
  • القراءات: 625
م.م م.م

عكس التضارب الذي طبع تصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بخصوص تلبية طلب نظيره التركي بشن عمليات عسكرية ضد الأكراد السوريين داخل العمق السوري درجة تذبذب وتخبط رئيس الإدارة  الأمريكية في التعامل مع مصالح بلاده الحيوية في منطقة بأهمية المنطقة العربية.

وتأكد أمس، من خلال مواقفه ومواقفه المضادة أن الرئيس الأمريكي لم يقدر خطورة قراره بالسماح للرئيس التركي بشن حرب ضد الأكراد السوريين إلا بعد فوات الأوان وبعد سيل الانتقادات التي طالته حتى من طرف نواب الحزب الجمهوري الذين طالبوه بإعادة النظر في قراره المفاجئ الذي يضر بصورة ومصالح الولايات المتحدة.

ووجد الرئيس ترامب نفسه في موقع المدافع عن النفس عندما راح أمس، يبرر قراره، نافيا تخليه عن الأكراد السوريين وقال نحن بصدد الانسحاب من سوريا ولكننا لن نتخلى عن الأكراد بدعوى ”أنهم أناس طيبون ومقاتلين رائعين”.

وشعر هؤلاء بطعنة في الظهر بعد موافقة الولايات المتحدة سحب قواتها من مناطق تواجدهم والسماح للقوات التركية بشن أوسع عمليات عسكرية ضدهم.. ومما زادهم حسرة قوله إن قتالهم إلى جانب قوات بلاده في ملاحقة عناصر تنظيم الدولة الإسلامية ”داعش” كان بمقابل مالي ضخم وعتاد حربي كبير.

ولم يفهم الأمريكيون أنفسهم دوافع قرار رئيسهم الذي أعطى الضوء الأخضر لاجتياح الأراضي السورية مساء الأحد، قبل أن يصدر ساعات بعد ذلك بيانا صادما حذر من خلاله الرئيس رجب أردوغان بتحطيم اقتصاد بلاده وتدميره عن آخره في حال تجاوزت العمليات العسكرية التركية الحدود المسموح بها.

وتفطن ترامب متأخرا لتبعات قراره، محاولا التكفير عن ذنب اقترفه وبعد ثار نواب جمهوريون ضده وطالبوه بالتراجع في نفس الوقت الذي تحركت فيه مختلف عواصم العالم محذرة من تبعات هذه العملية بالنظر إلى نتائجها العكسية على السكان المدنيين.

ورفض فؤاد أوكتاي نائب الرئيس التركي تحذيرات الرئيس الأمريكي في نفس الوقت الذي أكدت فيه وزارة الدفاع التركية أن تحضيراتها لشن عملياتها العسكرية داخل العمق السوري أوشكت على نهايتها في رد على الرئيس ترامب بأن تحذيره تجاوزه الزمن وأن تركيا غير مستعدة للتراجع عن تنفيذ خطتها العسكرية.

ويمكن القول إن إنذار الرئيس الأمريكي لنظيره التركي بعدم تجاوز حدود الحرب المقبولة غير منطقي وغير واقعي إذا سلمنا أن الحرب إذا اندلعت فلا قوانين تحكمها وتضبط حدود الضربات العسكرية من هذا الطرف أو ذاك مما يجعل من الاستحالة بمكان تقييم ما إذا تجاوزت القوات التركية حدود عملها العسكري.

وإذا سلمنا بمضمون تصريحات الرئيس الأمريكي أن الأكراد تلقوا أموالا وعتادا حربيا مقابل وقوفهم إلى جانب القوات الأمريكية في سوريا، فإن ذلك يعني أن مهمة القوات التركية لن تكون سهلة في أرض معركة يعرفها المقاتلون الأكراد خير معرفة وخاصة بعد تلقيهم الأموال والأسلحة الأمريكية بما يؤكد أن القوات التركية ستدخل مستنقعا عسكريا لن يجنبها خسائر بشرية ومادية قد تدفع بأنقرة إلى تكثيف عملياتها العسكرية ضدهم مع كل ما يترتب عن ذلك من تجاوزات.

فما الذي جعل الرئيس الأمريكي يوافق على عملية عسكرية من مجرد مكالمة هاتفية أجراها مع نظيره التركي، وهو الذي رفض منذ عدة أشهر السماح له بتنفيذ عملياته العسكرية رغم إلحاح الرئيس أردوغان عليه؟

وهو سؤال يفرض نفسه على اعتبار أن التبريرات التي قدمها الرئيس ترامب بضرورة انسحاب بلاده من حروب لا فائدة منها لم تقنع أحدا إذا سلمنا أن ما يجري في سوريا صراع داخلي ولكنه حمل في طياته مع مرور السنين بذور صراع بخلفية وحسابات إستراتيجية لقوى إقليمية ودولية بالنظر إلى الأهمية التي يكتسيها هذا البلد في حسابات ميزان القوى الدولي ومنه إلى كل المنطقة العربية.والقول إن الولايات المتحدة تسعى إلى التخلص من هذه الحروب، قول يغاير نظرية الأمن القومي الأمريكي بدليل أن الإدارات السابقة كانت إلى وقت قريب تفتعل الذرائع لإشعال فتيل الحروب في مختلف مناطق العالم حماية لهذا الأمن ودفاعا عن مصالحها الإستراتيجية وقطع الطريق أمام منافسة القوى الأخرى وخاصة منذ اعتمادها نظرية القطب الواحد لقيادة العالم.