في غياب علاج ناجع لفيروس كورونا

نصف سكان العالم رهن الحجر الصحي

نصف سكان العالم رهن الحجر الصحي
  • القراءات: 665
م. مرشدي م. مرشدي

بدخول المجموعة الدولية شهرها الرابع في حربها الخفية وغير المضمونة ضد فيروس "كورونا"، بدا العالم يحصي أولى أرقام المليون الثاني من المصابين بهذا الوباء القاتل الذي حصد أرواح قرابة 57 الف ضحية في حصيلة مفتوحة على كارثة إنسانية.

وكما كان متوقعا فقد كانت الوضعية الوبائية في الولايات المتحدة نهاية هذا الأسبوع أكثر استقطابا ومحل اهتمام بالغ مقارنة بوضعيات دول أخرى متضررة، وذلك بسبب السرعة القصوى التي انتشر بها الوباء في بين الأمريكيين وأرغم 85 بالمئة من بينهم على فرض حجر صحي على أنفسهم رغم رفض إدارة رئيسهم دونالد ترامب الأخذ بهذا الخيار.

وأكد آخر تقرير صحي أمريكي إصابة أكثر من 260 ألف أمريكي بالفيروس متجاوزا بذلك الإصابات التي سجلتها دول مثل الصين وإيطاليا واسبانيا وزادها خطورة تضاعف اعداد الوفيات من ثلاثة الاف يوم الاربعاء الى اكثر من ستة آلاف ضحية أمس الجمعة.

وبقدر ما ابتهج الرئيس الأمريكي بمصادقة نواب غرفتي الكونغرس بداية الأسبوع الماضي على ميزانية استثنائية وتاريخية بأكثر من 2000 مليار دولار لمواجهة خطر الداء وتداعياته الاقتصادية، فان خيبته كانت أكبر عندما سجلت بلاده أمس أكثر من 1600 حالة وفاة بسبب الوباء ضمن حصيلة لم يسبق لدولة أخرى أن سجلتها إلى حد الآن.

وأخطلت هذه الارقام الكارثية وسرعتها كل توقعات الرئيس ترامب الذي راهن على عامل المال وإعطائه الأولوية لإعادة بعث الاقتصاد في تجاوز هذه الجائحة على حساب صحة مواطنيه، وهو ما شكل ضربة قوية لصورته وحتى لحظوظه في الفوز بعهدة رئاسية ثانية في انتخابات رئاسية أصبح إجراؤها مرهونا هو الآخر.

وكان انتقاده لدعاة فرض الحجر الصحي ولو جزئيا في بعض الولايات وتأكيده في كل مرة أن ما يحدث في الصين لا يعدو أن يكون مجرد "زكام حاد" لا يلبث أن يزول بحلول أشهر الحر وأن اللجوء الى الحجر سيكون كارثيا على الاقتصاد الأمريكي مما جعل عامة الأمريكيين لا يتوانون في اتهامه باستهانته بحياتهم لصالح مصالح اقتصادية ضيقة لا تعني شيئا أمام حياة مواطن أمريكي واحد.

وتمسك ترامب بموقفه في وقت كانت تقارير المخابرات الأمريكية تؤكد على خطر الوباء بموت المئات وإصابة الآلاف يوميا ولكنه لم يكترث للأمر رغم أن السلطات الصينية أكدت في بداية تفشي الوباء، عجزها في موجهة تداعياته دون اللجوء إلى الحجر الذي فرضته على محافظة هوبي بؤرة الوباء الأولى في الصين وكل العالم. وهو الآن يجني تبعات قراراته بعد أن أحصت سوق الشغل الأمريكية فقدان 6,6 مليون عامل مناصب شغلهم بسبب الداء وتسريح 10 ملايين عامل أضيفوا إلى تعداد العاطلين عن العمل ضمن أكبر ضربة تتعرض لها صورة الرئيس  ترامب الذي جعل من القضاء على البطالة إحدى إوراقه الانتخابية الرابحة في سنة 2016 وحاول رفعها مرة أخرى في انتخابات شهر نوفمبر القادم التي قد تعصف بها رياح فيروس كورونا.

وفي انتظار توصل المنظومة الصحية لمختلف دول العالم إلى لقاح يسعد البشرية، أدت وتيرة انتشار الوباء وتوسع رقعته إلى وضع حوالي 4 مليار نسمة (نصف سكان المعمورة) تحت الحجر الصحي ضمن خيار عكس حقيقة عجز الدول في مواجهة خطر الداء الذي جعلها تتعامل مع الوباء العابر للحدود والقارات، بسلبية غير مفهومة تأخرت بسببها الأمم المتحدة لأكثر من ثلاثة أشهر منذ ظهور أولى حالات الإصابة، عن اتخاذ موقف دولي حول هذا الوضع الطارئ حتى نهاية الأسبوع حيث صادقت الجمعية العامة على لائحة دعت من خلالها 183 دولة إلى "تعاون دولي متعدد الأطراف" لمواجهة خطر فيروس "كوفيد ـ 19" بعد صراع حاد بين مشروعي لائحتين تم عرضهما على أشغال الجمعية التي تم عقدها عن بعد باستخدام تقنية " فيديو ـ كونفيرانس" ضمن أول اجتماع أممي منذ ثلاثة أشهر.

وجاء المشهد مؤكدا لفشل أعضاء مجلس الأمن الدولي في التوصل إلى أرضية توافقية حول مشروع لائحة أممية تقدمت بها البعثة الاستونية قبل أسبوعين حول الوباء وسبل الحد من خطره بسبب الإصرار الأمريكي على وصف الفيروس بـ "الصيني" ورفض الصين المطلق للموقف الأمريكي الذي قالت أن فيه تلميحات عنصرية ضمن قبضة حديدية مازال الناس يدفعون أرواحهم ثمنا لها.

ولم يكن الموقف الدولي استثنائيا اذا اخذنا بالحالة الوبائية في أوروبية والوضعية الكارثية التي عاشتها إيطاليا والتي فضحت التضامن الأوروبي وهشاشة سياسته الوحدوية في موقف حتم أمس على رئيسة اللجنة الأوروبية الدبلوماسية الالمانية اورسيلا فان لاين الاعتراف بأن بروكسل لم تتعاط إيجابا مع نداءات رئيس الحكومة الإيطالي جيوسيي كونتي لمساعدة بلاده ماليا وطبيا لمواجهة تداعيات داء حصد إلى غاية أمس أرواح أكثر من 14 ألف ايطالي.

وضمت رئيسة اللجنة الأوروبية صوتها إلى أصوات عدة شخصيات أوروبية سبق لها أن اكدت سوء تسيير الدول الأوروبية لتداعيات فيروس "كوفيد ـ 19 " وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى التوقيع على شهادة وفاة الاتحاد الأوروبي بعد أن راحت دول هذا المنتظم تتعامل مع خطر الوباء بمنطق "نفسي نفسي".