العلاقات الأمريكية -ـ الصينية

من المنافسة الندّية إلى التقارب المشروط

من المنافسة الندّية إلى التقارب المشروط
  • القراءات: 628
ص. محمديوة ص. محمديوة

وجدت الصين نفسها، في ظل الأوضاع الدولية الراهنة، وسط حالة استقطاب فرضها عالم يتجه مجدّدا، وبشكل تدريجي، نحو تعدّد أقطابه في ظل تباين مصالح مختلف القوى الفاعلة، وتعدّد الأزمات التي تحتاج إلى جهد دولي مشترك لحسمها، ومنع انفجارها وتحولها إلى صراعات مفتوحة.

فالصين، الحليف الموثوق لروسيا، أصبح ينظر إليه اليوم على أنه القوة الدولية التي بيدها عقدة الحل والربط، لتحقيق توازن النسق الدولي المتأرجحة كفتيه بين روسيا والولايات المتحدة ومعها الدول الغربية، التي تسعى إلى حصرها في الزاوية بسبب حربها في أوكرانيا ولأنها فشلت في تحقيق هذا المبتغى، عشرة أشهر منذ اندلاع هذه الحرب التي استخدمتها ذريعة للإبقاء على نظام عالمي أحادي القطبية.

وتدرك الصين أهمية الدور الذي يتعين عليها القيام به، لإعادة ضبط معادلة السياسة الدولية بالنظر إلى قوتها التي عرفت كيف تستخدمها في ظل التطورات العالمية الحالية، التي جعلتها تبقي علاقات متميزة مع روسيا وحتى كوريا الشمالية، دون أن تقطع خطوط الاتصال مع الولايات المتحدة والتي سمحت لها بعقد قمة بين رئيسها شين جين بنغ والرئيس الأمريكي، على هامش قمة مجموعة العشرين بمدينة بالي الإندونيسية.

وتتحرك الصين في السياق الدولي بكثير من الرزانة الدبلوماسية، جعلتها محل استقطاب حتى من طرف الولايات المتحدة التي لم تجد بدا من التخفيف من حدة التوتر ومد يد السلام  باتجاهها لاحتواء أزمات فائقة  الخطورة على المجموعة الدولية، وبقناعة أن استمالة بكين إلى جانبها سيمكّنها من كسر شوكة روسيا التي تنظر إليها واشنطن على أنها “التهديد الدائم” لمصالحها في العالم. وهو الوتر الذي اعتمدته الصين التي راح رئيسها، شي جين بنغ، يعبّر عن أمله في أن تواصل بلاده والولايات المتحدة تعزيز التفاهم بينهما، لتفادي سوء الفهم والتقدير والعمل سويا لإعادة العلاقات الثنائية إلى مسار صحيح ومستقر.

وعبّر الرئيس الصيني عن هذا الموقف في حديث مقتضب جمعه، أمس، مع نائب الرئيس الأمريكي، كامالا هاريس، على هامش الاجتماع الـ29 لقادة اقتصادات منتدى التعاون الاقتصادي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، الذي غابت عنه روسيا.

وجدّدت هاريس التأكيد بأن الجانب الأمريكي لا يسعى إلى مواجهة أو صراع مع الصين، وأنه يتعين على الجانبين التعاون في القضايا العالمية وإبقاء قنوات الاتصال مفتوحة، التي ستتكرس بزيارة منتظرة لكاتب الدولة الأمريكي، أنطوني بلنكن، مطلع العام القادم الى الصين لتكون أول زيارة لمسؤول أمريكي سامي منذ عام 2018. وأيضا احتمال تنظيم زيارة للرئيس الصيني الى الولايات المتحدة العام القادم، بعد عزلة دولية دامت ثلاث سنوات بسبب قيود جائحة “كورونا”.

ثم إن لقاء الرئيس الصيني بهاريس، يأتي بعد لقاء القمة الذي جمعه، مؤخرا، بنظيره الأمريكي، جو بايدن، على هامش قمة مجموعة الـ20 التي احتضنتها مدينة بالي الإندونيسية، والذي شكّل نقطة تحول هامة على مسار التخفيف من حدة التوتر التي طبعت، في السنوات الأخيرة، العلاقات بين اثنين من أكبر القوى الاقتصادية في العالم.

ويرى محللون، أن الولايات المتحدة تريد خلق بيئة من حول روسيا تكون مواتية لها، تمكّنها من التأثير بطريقة أو بأخرى على سلوك ليس فقط غريمتها روسيا وحتى الصين اللتان تنظر اليهما إدارة بايدن على أنهما نظامين “استبداديين”، يرفضان القيم الديمقراطية ويشكّلان تحدّيا للسلام والاستقرار الدوليين.

كما أن الولايات المتحدة في حاجة إلى الصين لدورها المهم في إخماد نيران الحرب الروسية ـ الأوكرانية، رغم أن بكين، التي أكدت مرارا على موقف حيادي، لم تدن علنية “العملية العسكرية الخاصة”، كما تسميها موسكو في أوكرانيا.

ولا تتوقف حاجة الولايات المتحدة للصين، التي تملك علاقات أيضا مع الخطر الآخر، كوريا الشمالية، لإقناع هذه الأخيرة بالعدول عن تجربة نووية سابعة ترى واشنطن وحلفاؤها أنها وشيكة، بالنظر الى تكثيف بيونغ يانغ، في الأسابيع الأخيرة، لتجاربها الباليستية.

وترى الإدارة الأمريكية، أن الصين مطالبة باستخدام تأثيرها على نظام كيم جونغ أن، باعتبارها الحليف الرئيسي الدبلوماسي والإقليمي لكوريا الشمالية لحمله على عدم المضي في هذا التوجه، الذي تصفه واشنطن بـ"الاستفزازي”، وترى أنّ من شأنه ضرب استقرار المنطقة والعالم.