أمام إصرار الاتحاد الأوروبي على عدم المخاطرة بانزلاقاته

ماكرون في عين إعصار غضب "الخريف الفرنسي"

ماكرون  في عين إعصار غضب "الخريف الفرنسي"
الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون
  • 147
مليكة. خ مليكة. خ

لم تمر احتجاجات 10 سبتمبر التي عمت أرجاء التراب الفرنسي وتزامنت مع بدء الوزير الأول سيباستيان لوكورنو، مهامه دون أن تثير مخاوف لدى دوائر القرار في باريس وأوروبا، في ظل الأزمة السياسية والاجتماعية التي تعصف بفرنسا بسبب الفشل في ايجاد بدائل تعيد التوازن  للبلاد، حيث لم ينجح الوافد الجديد لـ"الماتينيون" في امتصاص غضب المتظاهرين خلال أول خطاب له، تعهد فيه بالقيام بتغيير جذري، ليس فقط في الشكل والمنهج بل في المضمون أيضا.

      في الوقت الذي كان فيه الرئيس ايمانويل ماكرون يتطلع إلى تأثير قرار تعيينه لوزير أول جديد على رأس الحكومة خلفا لفرانسوا بايرو، على الوضع ويعمل على التقليص من حدة الاحتجاجات، أبانت الصور التي روجتها مواقع التواصل الاجتماعي، عن تفاقم حجم الغضب الشعبي العارم الذي كان يستهدفه شخصيا، من خلال اقتحام جموع المتظاهرين لمؤسسات رسمية وتمزيقهم لصور الرئيس في مشاهد تذكرنا بما يسمى بثورات الربيع العربي..

فرسالة المحتجين لم تكن رحيمة بماكرون، في ظل تصاعد دعوات لعزله، بسبب فشله في تسيير الشأن العام الفرنسي وتعيينه لسابع رئيس للوزراء في عهده والخامس منذ بداية ولايته الثانية في 2022، رغم تعهد الوزير الأول الجديد، بأن تكون هيئته التنفيذية أكثر إبداعا وجدية في تعاطيها مع المعارضة، دون أن يفصح كثيرا عن تفاصيل التوجهات الجديدة تاركا بذلك الغموض على ملامح المرحلة المقبلة.

ويبدو أن "الخريف الفرنسي" بدأ يثير مخاوف دول الاتحاد الأوروبي باعتبار فرنسا أحد المحركات الرئيسية للتكتل القاري الذي لن يخاطر بالتأكيد بمصالحه أمام انزلاقات الرئيس ماكرون الذي يتحمل مسؤولية تفجير الأزمة السياسية في فرنسا، من خلال الدعوة إلى انتخابات مبكرة لم تكن ضرورية أسفرت عن انقسام الجمعية الوطنية إلى ثلاثة جبهات تتمثل في اليسار، الوسط، واليمين المتطرّف، مع إصراره على تعيين شخصية سياسية تتولي رئاسة الحكومة من أجل تنفيذ سياسة التقشف. 

ويكفي أن نستدل في هذا الصدد، بخطاب الوداع للوزير الأول المستقيل فرانسوا بايرو، أمام الجمعية الوطنية قبيل التصويت على حجب الثقة عن حكومته، عندما قال "لديكم القدرة على إسقاط الحكومة، لكن ليس لديكم القدرة على إسقاط الحقيقة"، مشيرا إلى أن فرنسا أصبحت بعد 51 عاما من الاقتراض المتواصل مدمنة على أموال الآخرين، في حين قوبل خطابه باستياء كبير من قبل النواب الذين يرفضون مواجهة الحقيقة بشأن الوضع الاقتصادي للبلاد. 

يأتي ذلك في الوقت الذي خفضت فيه وكالة التصنيف الائتماني الأمريكية "فيتش" التصنيف الائتماني لفرنسا، على خلفية الإضراب السياسي المستمر في البلاد، وانعدام اليقين حول ميزانيتها، ما يعوق خفض العجز في المالية العامة المتدهورة، مضيفة أن سقوط الحكومة في التصويت على الثقة يبين التفكك والاستقطاب المتزايد في السياسة الداخلية.والواقع أن ما ينتظر الحكومة الفرنسية الجديدة لن يكون مختلفا عن سابقتها، كما أن العقدة التي يتعين على لوكورنو فكها لا تقتصر على الاحتجاجات في الشارع، بل تكمن في محاولة بناء توافق داخل الجمعية الوطنية المنقسمة إلى ثلاث كتل متنازعة، وهي معسكر ماكرون الوسطي، اليمين القومي المتشدد بقيادة مارين لوبان، واليسار المتشدد بزعامة جان لوك ميلونشون.  

علما أن هذه الكتل لا تملك أغلبية مطلقة. ففشل ميشال بارنييه وفرانسوا بايرو في كسب ثقة البرلمان، يحتم على لوكورنو التحلي بالدهاء السياسي الكافي والقدرة على الحوار مع كل أطياف المشهد السياسي.

في المقابل يبدو أن الوافد الجديد  لماتينيون يدرك في قرارة نفسه أن البرلمان لم يعد له القدرة على القيام بدوره التقليدي في إنشاء حكومات بأغلبيات تضمن الاستقرار السياسي، ما يهدد الجمهورية الخامسة التي أسسها الجنرال ديغول سنة 1958، في لحظة حاسمة تميزت بتصاعد العمليات الفدائية في الجزائر.

ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه، حيث تزامن انفجار الوضع السياسي في فرنسا هذه المرة مع افتعال اليمين المتطرّف لأزمة مع الجزائر بسبب سياستها المرتكزة على السيادة والندية، فصلا عن فقدان باريس لمواقع نفوذها في القارة الافريقية، ما جعل هذا التيار يكثف من حملاته العدائية ضد الجزائر عبر استهداف مصالح الجالية الوطنية هناك.