52 ألف حامل في غزة في مواجهة مخاطر القصف والجوع

"كابوس" تفرضه قوات الاحتلال على مرأى ومسمع العالم

"كابوس" تفرضه قوات الاحتلال على مرأى ومسمع العالم
  • 917
ص. محمديوة ص. محمديوة

أن تلد المرأة على ضوء هاتف نقال وبطريقة بدائية ثم تعود بعد ساعات قليلة إلى خيمة بلاستيكية تنعدم فيها كل مقوّمات الحياة ولا تحميها هي ورضيعها حديث الولادة من البرد ولا من المطر، حتى أنها لا تجد شيئا تأكله يعينها على استعادة عافيتها وصحتها، هو حال الآلاف من نساء غزة الحوامل اللواتي يعشن "كابوسا" فرضته عليهن قوة احتلال فاقدة لكل معنى الإنسانية والآدمية أمام مرأى ومسمع العالم.

تشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية إلى أن ما لا يقل عن 52 ألف امرأة حامل في قطاع غزة معرضة لمخاطر صحية كبيرة نتيجة انهيار المنظومة الصحية في ظل خروج معظم مستشفيات غزة عن الخدمة بعد استهدافها من قبل قوات الاحتلال الصهيوني ومنع تزويدها بما يلزم من المستلزمات الطبية والأدوية والوقود.

ففي بيئة تنتشر فيها رائحة الموت في كل مكان ولا يتوقف فيها صوت أزيز الطائرات الحربية ولا صدى المدافع المستمرة في قصف ما تجد أمامها من بشر وحجر وشجر، يتضاعف خوف الحوامل اللواتي سدت كل السبل أمامهن فلا هن يستطعن ضمان مكان آمن في المستشفى لوضع جنينهن، وحتى وإن تمت ولادتهن بسلام، يبقى أمامهن تحدي إبقاء الرضيع على قيد الحياة.

أما اللواتي هنّ بحاجة إلى عمليات قيصرية فلهن حكاية أخرى عنوانها الرئيسي "الألم والموت" تحت القصف فيفقدن حياتهن أو حياة مولودهن والقلة المحظوظة يكتب لهن النجاة، فما حادثة الرضيع، عبد الله، الذي استشهد قبل أن يرفع آذان الولادة على مسامعه بعد أن أصابت شظية حبله السري أثناء ولادته، أكبر دليل على المخاطر الجدية التي تواجه الحوامل في قطاع غزة المنكوب سواء من حيث القصف الصهيوني العشوائي أو من حيث نقص التغذية والدواء والمأوى الآمن. 

وتؤكد مختلف التقارير الصحية، سواء الصادرة عن جهات فلسطينية أو أممية، أن الخطر لا يهدّد النساء اللواتي اقترب موعد وضعهن فقط، بل أن جميع النساء الحوامل معرّضات للخطر بسبب نقص الغذاء في ظل تواصل العدوان الصهيوني على كل شبر من القطاع.

وفي شهادة له عبر الطبيب الفرنسي، رافاييل بيتي، الذي كان يقوم بمهمة في جنوب قطاع غزة عن صدمته من الوضع القاسي والمأساوي الذي بلغه سكان غزة ومن ضمنهن فئة الحوامل الهشة، حيث قال إن "المستشفى غير قادر على تحديد موعد للمتابعة.. هذا مستحيل لأن هناك أشخاصا كثيرين يقصدونه".

من جانبه، قالت ممثلة صندوق الأمم المتحدة للسكان في الأراضي الفلسطينية، دومينيك ألن، بأن "العديد من الأزمات في المنطقة تعتبر كارثية بالنسبة للنساء الحوامل"، مضيفة أنه بسبب الكثافة السكانية في غزة وغياب أماكن آمنة فإن الوضع "أسوأ من كل كوابيسنا".

وحسب مؤسسة "أكشن إيد" فلسطين، فإن عشرات الآلاف من الحوامل يعانين من الجوع الشديد بسبب الأزمة الغذائية المتصاعدة في غزة كما تعاني الأمهات من سوء التغذية بما يحد من قدرتهن على إرضاع أطفالهن حديثي الولادة من خلال الرضاعة الطبيعية.

والمفارقة أن هذا "الكابوس" الذي تتخبط فيه نساء غزة الحوامل وكل السكان تجري فصوله في وقت ذكر فيه صندوق الأمم المتحدة للسكان بأن 62 حزمة مساعدات من المواد الخاصة بحالات الولادة تنتظر السماح لها بالدخول عبر معبر رفح الحدودي بين قطاع غزة ومصر، والذي يعتبر المتنفس الوحيد لسكان غزة على العالم.

وأضاف الصندوق في تقرير له الشهر الماضي أن انتشار المراحيض والحمامات غير الصحية يؤدي إلى التهابات المسالك البولية الخطرة على نطاق واسع، فيما تواجه 95% من النساء الحوامل أو المرضعات نقصا غذائيا حادا وفقا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف".

وهو ما جعل الوكالة الأممية لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، التي تواجه حملة تحريض شرسة من قبل إسرائيل، تحذر أمس، من أن "مجاعة من صنع الإنسان على وشك الحدوث بغزة". وقالت "الأطفال يموتون بسبب سوء التغذية في ظل نقص الإمدادات المسموح بدخولها للقطاع".

وأعلن المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة، أشرف القدرة، أمس، عن استشهاد طفل يبلغ من العمر 15عاما في مجمّع الشفاء الطبي نتيجة سوء التغذية والجفاف لجفاف واستشهاد مسن يبلغ من العمر 72 عام في مستشفى كمال عدوان شمال غزة نتيجة سوء التغذية والجفاف، لترتفع بذلك حصيلة شهداء سوء التغذية والجفاف إلى 20 شهيدا في قطاع غزة. وعبر المسؤول الصحي عن اعتقاده من أن العشرات يفارقون الحياة بصمت نتيجة المجاعة دون أن يصلوا للمستشفيات.

أكثر من 500 ألف مواطن يتعرضون لأبشع أشكال الإبادة الجماعية شمال غزة

أكدت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية أن أكثر من 500 ألف مواطن فلسطيني يعيشون في شمال قطاع غزة ما زالوا يتعرضون لأبشع أشكال الإبادة الجماعية.

وأوضحت الخارجية الفلسطينية في بيان، أمس، أن المواطنين في شمال القطاع يتعرضون للقتل بالقصف والتدمير والموت بالمجاعة في محاولة من الاحتلال لضرب ما تبقى من النسيج الاجتماعي في صفوف المدنيين ولدفعهم إلى النزوح باتجاه وسط وجنوب القطاع ليواجهوا المصير نفسه. وحذّرت من مخططات الكيان الصهيوني الهادفة إلى فرض أجندته على المجتمع الدولي من خلال تعميق الكارثة الإنسانية ومنع إدخال المساعدات خاصة إلى شمال القطاع.