عندما يستباح الدم الفلسطيني على المباشر

"صبرا وشاتيلا" تتكرر بالإبادة في غزّة

"صبرا وشاتيلا" تتكرر بالإبادة في غزّة
  • 115
ص. محمديوة ص. محمديوة

تواجه مدينة غزّة وسكانها العزّل في الفترة الأخيرة، حرب إبادة صهيونية مسعورة لا تستهدف المقاومة وحركة "حماس" كما تروّج لذلك كذبا وتضليلا حكومة الاحتلال، وإنما تهدف للقضاء على التواجد الفلسطيني ككل وطمس معالمه وهويته في إطار مخططات تهويدية فاضحة لا تستثني أي شبر من الأرض الفلسطينية المحتلّة.

قوات الاحتلال الصهيونية كثفت قصفها الجوي الممنهج على كل معالم غزة بالتزامن مع توسيع عمليتها العسكرية البرية الهمجية في وسط المدينة، في مشهد دموي يتحمل عبئه العزّل من أبناء الشعب الفلسطيني الذين وجدوا أنفسهم محاصرين بنيران آلة الدمار والتجويع الصهيونية، فلا هم استطاعوا النزوح باتجاه أمكان آمنة تقيهم قنابل الطائرات المقاتلة ومتفجرات المدافع المدوية، ولا هم قادرين على البقاء في منازلهم التي تحولت إلى بنك أهداف لصواريخ الطيران الحربي الصهيوني.

  وتدّعي قوات الاحتلال بهتانا وزورا أنها تستهدف المقاومة، لتبرير هجومها البربري الذي تشنّه على غزّة منذ 11 أوت الماضي، وتكرسه حاليا بعمليتها البرية التي شرعت في تنفيذها منذ أول أمس، في تصعيد خطير يحمل في طياته مزيدا من المآسي والمعاناة لشعب ذنبه الوحيد أنه يتمسك بأرضه ويدافع عن عرضه. ولكن القليل من الصور والفيديوهات التي لا تزال تصل من غزّة من هواتف بعض المواطنين وتنشر في مواقع التواصل الاجتماعي وتعتمد عليها عدة وسائل إعلام بعدما قضى الاحتلال على كل صوت إعلامي يفضح مذبحته، يؤكد أن هذا المحتل يستهدف الإنسان الفلسطيني ويفضح نيته الخبثة في التهجير وانتزاع الأرض من أصحابها بقوة الحديد والنّار. 

في هذا السياق، سجل شركاء مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" الذين يراقبون حركة السكان بين الأحد والإثنين الماضيين، نزوح قرابة 48 ألف شخص من شمال غزّة إلى جنوبها، ومنذ منتصف أوت، تم رصد أكثر من 190 ألف نازح.وأشار المكتب إلى استمرار القصف المدفعي والغارات الجوية الصهيونية على مدينة غزّة وغيرها من المناطق، مع إعلان جيش الاحتلال مجددا مدينة غزّة "منطقة قتال خطيرة" ومطالبته السكان بالانتقال إلى جنوب وادي غزّة.ولارتكاب مذبحتها في غزّة بكل أريحية تعمّدت سلطات الاحتلال أمس، قطع خدمات الانترنت والاتصالات الأرضية في محافظتي غزّة والشمال عبر استهداف مباشر لخطوط الاتصالات وللعاملين في الشركة لمنعهم من إصلاح الأضرار. 

المفارقة اليوم الذي أعلن فيه هذا الكيان الجائر بدء احتلاله لمدينة غزّة يوافق الذكرى الـ43 لمجازر صبرا وشاتيلا التي استهدف خلالها أكثر من 3500 لاجئ فلسطيني ولبناني عام 1982، ليتكرر نفس المشهد المروّع اليوم في غزة، لكن بأكثر وحشية وأمام مرأى ومسمع العالم أجمع الذي لا يزال في موقع المتفرج، وإن تحرك فلا تتعدى ردة فعله بيانات إدانة واستنكار ومطالب بوقف الإبادة، لا تجد آذانا صاغية لدى احتلال جائر يتصرف فوق القانون ويدوس على كل القوانين والمواثيق الدولية من دون رقيب ولا حسيب.   والواضح للعيان أن مخططات فرض "السيادة" التي تطبقها اسرائيل على الضفة الغربية المحتلّة مرتبطة تماما بمحاولة تفريغ غزّة من سكانها، فالقضية واحدة والهدف واحدة وهو طرد الفلسطينيين من أرضهم ومنازلهم. 

وما يجري اليوم من إبادة جماعية في غزّة وتهجير قسري يشمل كل شبر في القطاع المنكوب وحصار وتجويع وضم للأراضي المحتلّة، ليس استثناء بل امتداد لسياسات 1984 و1963، لكن بوجه أكثر عنفا ووقاحة باعتبار أن قادة الاحتلال لا يجدون حرجا في الإقرار بصوت عال أنهم يقترفون جرائم في حق الفلسطينيين بل ويحرّضون عليها ويتحدون كل المجموعة الدولية بمواصلة إبادتهم في وضح النهار.وبالتالي فإن الإبادة الجماعية التي يقترفها الاحتلال في مدينة غزّة حاليا سواء بمواصلة قتل الفلسطينيين بالسلاح أو التجويع والتي وثّقتها كل التقارير الدولية والحقوقية، تشكل اختبارا صارخا لشرعية النظام الدولي، الذي انهار أمام براءة أطفال غزّة الذين يقتلون ويجوعون وتبتر أطرافهم وتتناثر أشلاءهم وييتمون ولا أحد من اولئك الذين طالما صدّعوا رؤوسنا بحماية حقوق الإنسان والمساواة والعدالة الاجتماعية وغيرها من الخطابات الرنّانة سمع له صوت.    


رفض دولي متصاعد للهجوم الصهيوني على غزّة

العالم يندّد ولا يتحرك لوقف المذبحة

تقاطعت مواقف المجموعة الدولية بعواصمها وحكوماتها ومنظماتها ومؤسساتها، على ضرورة أن توقف اسرائيل حرب الإبادة الجماعية التي تقترفها منذ عامين في قطاع غزّة، والتي تعيش مدينة غزّة حاليا على وقع واحد من أكثر فصولها دموية ووحشية.

فمن الأمين العام الأممي إلى بابا الفاتيكان مرورا بدول فاعلة مثل كندا والصين وصولا إلى منظمات قارية ودولية وحقوقية وإنسانية وإغاثية، الكل يجمع على ضرورة وضع حد للجنون الصهيوني في غزّة، لكن من دون أن يشكل هذا الإجماع حتى الآن أي ضغط حقيقي على حكومة الاحتلال التي يقودها اليميني المتطرّف بنيامين نتنياهو، لوقف" المذبحة" التي لم تعد أي جهة في هذا العالم قادرة على إنكارها.

وعاد الأمين العام الأممي أنطونيو غوتيريس، مجددا يدق ناقوس الخطر بأن ما يحدث في غزّة حاليا يعد تدميرا ممنهجا وقتلا جماعيا للمدنيين، في ظل عوائق خطيرة أمام توزيع المساعدات ووضعا مروّعا يتمثل في المجاعة والعجز عن الوصول إلى أي نوع من الدعم الصحي واستمرار النزوح.

   وتعليقا على الوضع في قطاع غزّة قال غوتيريس، في مؤتمره الصحفي السنوي بمناسبة "الأسبوع رفيع المستوى" للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك "نشهد تدميرا هائلا للأحياء.. والآن نشاهد تدميرا ممنهجا لمدينة غزّة وقتلا جماعيا للمدنيين بطريقة لا أتذكرها في أي صراع منذ أن توليت منصب الأمين العام.. نشهد عوائق خطيرة أمام توزيع المساعدات والتي توقفت تماما في مرحلة معينة، مع ما يترتب عن ذلك من معاناة للشعب الفلسطيني، ووضع مروّع يتمثل في المجاعة وعدم القدرة على الوصول إلى أي نوع من الدعم الصحي، واستمرار النزوح والخطر الوشيك بفقدان حياتهم في أي لحظة" .

  ودعا الأمين العام للأمم المتحدة، إلى أن يكون "الأسبوع رفيع المستوى" أسبوعا للحلول من أجل السلام في غزّة والسودان وغيرها، ومن أجل المسار نحو سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، قائم على حل الدولتين ومن أجل المناخ ومن أجل الابتكار المسؤول ومن أجل النّساء والفتيات، ومن أجل تمويل التنمية ومن أجل أمم متحدة أقوى.

 وفي اليوم التالي لشن إسرائيل هجوما عسكريا مروّعا على سكان غزّة قال البابا ليون الـ14 في تصريح أدلى به في ختام مقابلته العامة الأسبوعية في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان "أعرب عن تضامني العميق مع الشعب الفلسطيني في غزّة، الذي لا يزال يعيش في خوف ويعيش في ظروف غير مقبولة ويضطر مرة أخرى إلى مغادرة أراضيه".

ونفس موقف التضامن أعربت عنه وزارة الخارجية الكندية، التي عبّرت عن صدمتها من الهجوم البري الجديد الذي تشنه قوات الاحتلال الصهيوني على مدينة غزّة، واصفة إياه بـ"المروّع" و"يفاقم الأزمة الإنسانية". وأوضحت في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي أن هذا الهجوم يفاقم الأزمة الإنسانية وأنه يجب على الكيان الصهيوني الالتزام بالقانون الدولي.

كما عبّرت الصين عن رفضها التام للتصعيد الاسرائيلي وعملياته العسكرية في غزّة، وطالبت هذا الكيان بالسماع لدعوات الوقف الفوري لاعتداءاته في الأراضي الفلسطينية، مندّدة بكل أشكال العنف والعدوان التي تستهدف المدنيين. من جانبها وجهت أكثر من 20 وكالة إغاثة دولية أمس، رسالة عاجلة إلى الأمم المتحدة دعت فيها إلى التدخل الفوري لوقف حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الكيان الصهيوني في قطاع غزّة.

واستندت الوكالات في رسالتها إلى نتائج لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة، التي خلصت إلى أن الكيان الصهيوني ارتكب أربعة من أصل خمسة أفعال إبادة جماعية محددة في اتفاقية 1948. وحذّرت الرسالة من أن الوضع في غزّة يعد الأشد فتكا في تاريخ القطاع ما لم تتخذ إجراءات عاجلة، كما حذّرت وكالات الإغاثة من أن استمرار الحصار والهجمات، سيؤدي إلى استنزاف الحياة بالكامل في قطاع غزّة، داعية الحكومات إلى التحرك لوقف العنف وإنهاء الاحتلال. ونفس التحذير أطلقته رابطة العالم الإسلامي، التي دقّت ناقوس الخطر من "التداعيات الكارثية" للعدوان العسكري العنيف والواسع الذي تشنه قوات الاحتلال الصهيوني لاجتياح مدينة غزّة، مشيرة إلى أن حكومة الاحتلال تصعّد من وتيرة القتل والتدمير والنزوح القسري.

وجددت الأمانة العامة للرابطة، دعوتها العاجلة والملحة للمجتمع الدولي، خاصة مجلس الأمن إلى "الاضطلاع بمسؤولياته الأخلاقية والقانونية والوقوف وقفة فورية جادة لإنقاذ المدنيين في قطاع غزّة من آلة حرب الاحتلال، الذي تمادى في صلفه وازدرائه لكل القوانين والأعراف الدولية واستهانته بحياة الشعب الفلسطيني وحقوقه".


استمرار جرائم  الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني

رياض منصور يبعث برسائل متطابقة لمسؤولين أمميين

 بعث المندوب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة، رياض منصور، أمس  بثلاث رسائل متطابقة إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن لهذا الشهر، جمهورية كوريا ورئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، بشأن مواصلة الاحتلال الصهيوني قتل وترويع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

 أوضح السفير الفلسطيني  إلى أن حصيلة الضحايا بلغت ما يقرب من 65 الشهيد وأكثر من 165 ألف جريح، إلى جانب إجبار 300 الف مواطن آخرين مرضى ومصابين وجائعين ومنهكين شبابا وكبارا  على الفرار من منازلهم وملاجئهم مرة أخرى دون ملاذ آمن من الهجوم الصهيوني.   وأكد أن التقرير الصادر عن لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلة، والذي خلص إلى أن الاحتلال يرتكب "إبادة جماعية" بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، يبرز ضرورة التحرك السريع والملح لإنهاء هذه الإبادة الجماعية محاسبة المسؤولين عنها."   

وشدّد على ضرورة قيام المجتمع الدولي ممثلا في مجلس الأمن والجمعية العامة وجميع الدول والمنظمات الدولية، بالتحرك الفوري لفرض وقف فوري لإطلاق النار لتفادي المزيد من الأذى وتسريع إيصال المساعدات المنقذة للحياة إلى سكان غزة لوقف المجاعة وضمان بقائهم على قيد الحياة.  وجدّد منصور دعواته الدائمة إلى توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني وفقا للقانون الدولي والالتزام بمنع الإبادة الجماعية المنصوص عليها في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها ووفق مجموعات التدابير المؤقتة الثلاث التي أمرت بها محكمة العدل الدولية في عام 2024 . 

كما شدّدا أيضا على أن حماية المدنيين الفلسطينيين الرازحين تحت الاحتلال الصهيوني في غزة والضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، أمر ملح للغاية خاصة أن الكيان الصهيوني يواصل التطهير العرقي من خلال مواصلة قوات الاحتلال والمستوطنون مداهماتهم اليومية وهجماتهم الإرهابية في الضفة الغربية واختطاف أكثر من 1500 فلسطيني خلال الأسبوع الماضي وحده.   وأشار منصور إلى التأكيدات الصادرة عن 46 مقرّرا خاصا وخبيرا مستقلا تابعين لمجلس حقوق الإنسان بأن "الصمت والتقاعس ليسا خيارا" إزاء ما يجري في غزة، داعين المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف ما وصفوه بـ "الإبادة الجماعية والمجاعة المفروضة" على الفلسطينيين ومشددين على ضرورة إنهاء الاحتلال الصهيوني غير القانوني وضمان قيادة دولية حاسمة لمنع مزيد من الكوارث.

ولفت أيضا إلى ما ذكرته لجنة التحقيق الدولية من أن ما تشهده غزة منذ أكتوبر2023 يندرج ضمن سياق أوسع من عقود الاحتلال والاستيطان والفصل العنصري ولم يأت بمعزل عنها. كما أشار منصور إلى أن اجتماع قادة العالم في الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة وإلى استئناف المؤتمر الدولي حول التسوية السلمية لقضية فلسطين وتطبيق حل الدولتين. وجدّد مناشدة المجتمع الدولي، باسم الشعب الفلسطيني والإنسانية جمعاء، بالتحرّك الفوري لوقف هذه الفظائع والجرائم الصهيونية ووقف الإبادة الجماعية وإنهاء هذا الاحتلال غير الشرعي.