في خطابه بمناسبة ذكرى اعتلائه العرش المغربي

الملك محمد السادس يستفز سكان منطقة الريف

الملك محمد السادس يستفز سكان منطقة الريف
  • 2199
م. مرشدي م. مرشدي

اختار الملك المغربي محمد السادس ـ بمناسبة الذكرى التاسعة عشرة لاعتلائه عرش المملكة ـ مدينة الحسيمة عاصمة منطقة الريف لإلقاء خطابه السنوي الذي عادة ما يتطرق فيه إلى الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في بلاده.

ولم يفوت العاهل المغربي هذه المناسبة لإثارة الكثير من قضايا الراهن المغربي وخاصة فشل الحكومة في إيجاد آليات تخفيف الضغوط الاجتماعية ومشاكل الحياة اليومية التي يعاني منها عامة المغاربة.

وحمل اختيار مدينة الحسيمة التي ألقى الملك المغربي خطابه فيها الكثير من الدلالات والرسائل السياسية، كونها عاصمة منطقة تعرف منذ أكثر من سنتين حراكا غير مسبوق أكد من خلاله سكان هذه المنطقة رفضهم لسياسات الحكومات المغربية المتعاقبة وفشلها في إيجاد حلول لمشاكل التنمية الغائبة وفرص العمل المفقودة وتسلط أعوان المخزن على حياة الناس في هذه المنطقة الإستراتيجية في أقصى شمال المملكة المغربية.

والأكثر من ذلك، فإن الخطاب جاء أسابيع فقط بعد الأحكام القضائية القاسية التي سلطتها محكمة جنايات الدار البيضاء في حق ناصر الزفزافي و52 من نشطاء حراك الريف الذين اعتقلتهم السلطات المغربية بتهمة المساس بالأمن العام وتهديد الوحدة الترابية للمملكة والتي تراوحت بين عام و20 سنة سجنا نافذا.

وقد ظن عامة الشعب المغربي أن اختيار الملك محمد السادس لمدينة الحسيمة لإلقاء خطاب بأهمية خطاب العرش، جاء ضمن رسالة لتهدئة نفوس سكان كل منطقة الريف وكانوا ينتظرون نتيجة لذلك إصداره عفوا ملكيا لصالح المحكوم عليهم في قضية الحراك على اعتبار أن المناسبة عادة ما يختارها ملوك المغرب من أجل إصدار عفو عن المحكوم عليهم أو تقليص مدد عقوباتهم.

لكن الخيبة كانت كبيرة عند عائلات المعتقلين وخابت معها كل تكهنات مختلف وسائل الإعلام المغربية والجمعيات الحقوقية بمجرد اطلاعهم على بيان العفو الذي أصدره القصر الملكي والذي شمل أسماء 1200 سجين من دون أن يتضمن حسب تقارير مغربية أي اسم من أسماء جماعة الزفزافي.

ويكون هذا التجاهل هو الذي جعل مكتب جمعية هيئات المحامين المغربية، يعبر عن قلقه من «المسار الظالم» الذي عرفه ملف حراك الريف، وما صاحبه من إجراءات ومتابعات «تعسفية»، وما أسفر عنه من أحكام «قاسية وجائرة» في حقهم.

وجدّد المحامون المغاربة في بيان أصدوره مساء أول أمس، دعمهم للمطالب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المشروعة لسكان الريف وباقي مناطق المملكة، مؤكدين تشبثهم بـ «جميع مواقفهم» التي سبق أن عبروا عنها قبل المحاكمة وبعدها.

والأكثر من ذلك، فإن الملك محمد السادس تجاهل عن قصد حراك الريف ولم يتطرق لا من قريب ولا من بعيد إلى الأزمة التي تعرفها هذه المنطقة منذ نهاية سنة 2016 عندما طحن صياد السمك محسن فكري داخل شاحنة لجمع القمامة في مدينة الحسيمة، وشكل ذلك فتيلا لقنبلة اجتماعية انفجرت في كل منطقة الريف التي خرج سكانها في مظاهرات عارمة رافضين سياسة الحكومة وسط زخم زعزع كيان القصر الملكي وأعاد إلى الأذهان صور بدايات ثورات «الربيع العربي» التي هزت أركان الكثير من الأنظمة العربية.

وزادت تلك المخاوف العام الماضي عندما انتقلت تلك المظاهرات الاحتجاجية إلى مناطق مغربية أخرى وشكلت ناقوس خطر في أعلى هرم السلطة المغربية وجعلت الملك محمد السادس يركز عليها في سياق الأزمة الاجتماعية الشاملة التي يعيشها المغرب.

وفضل الملك المغربي التطرق إلى مشكلة منطقة الريف عرضا وإدراجها في سياق المشاكل التي تعانيها كل مناطق البلاد ربما من أجل التقليل من أهمية الحراك والتأكيد على أنه لن يخضع لأي ضغط مهما بلغت درجته. وأيضا من أجل عدم إعطاء أي إشارة لسكان مناطق البلاد الأخرى للدخول في حراك مماثل تماما كما حدث في مدينة جرادة بعمالة وجدة والتي خرج سكانها في مظاهرات احتجاجية بسبب انعدام فرص العمل وموت سكانها في أقبية مناجم الفحم المهجورة.

وركز الملك محمد السادس طيلة خطابه على الشق الاجتماعي للأزمة التي تعاني منها بلاده، موجها رسائل انتقاد مشفرة باتجاه حكومة سعد الدين العثماني التي فشلت في تنفيذ مختلف السياسات التنموية في البلاد. ودعاها إلى تبني مقاربة جديدة لمعالجة «المسألة الاجتماعية»، حاثا إياها على اتخاذ إجراءات استعجاليه لمواجهة تفاقم المطالب الاجتماعية التي قال إنه يشعر بأن شيئا مازال لم يتحقق فيما يخص مواجهة المسائل الاجتماعية.

وأكد حرص الملك على إثارة مأزق حكومته في مواجهة المطالب الاجتماعية المتفاقمة، أنه أصبح ينظر إلى هذه المشاكل على أنها قنبلة موقوتة يخشى انفجارها في أي حين ويصعب حينها التحكم في تداعياتها.

ويكون مثل هذا الاستشراف لواقع المعيشة في المغرب هو الذي جعله يلقي باللائمة على حكومة العثماني وفشل أعضائها في الاضطلاع بمهامهم في تلميح خاص إلى مشروع «الحسيمة منارة المتوسط»، والذي بقي مجرد حبر على ورق وكان فشله من بين الأسباب التي أشعلت فتيل الغضب الشعبي في كل منطقة الريف وتحول إلى نموذج للفشل العام والسخط المستفحل في مملكة لم تستطع التوفيق بين مطالب سكانها وندرة الأموال لتلبيتها.