في خطاب تجاوزته المعطيات الميدانية والسياسية

الملك محمد السادس يدعو الجزائر إلى مفاوضات جادة؟!

الملك محمد السادس يدعو الجزائر إلى مفاوضات جادة؟!
  • القراءات: 1732
م.مرشدي م.مرشدي

تقدم الملك المغربي محمد السادس بعرض تجاه الجزائر لإنشاء آلية سياسية بدعوى الدخول في مفاوضات مباشرة وصريحة لتجاوز الخلافات بين البلدين الجارين. من الوهلة الأولى يبدو العرض المغربي مغر يستوجب الاهتمام اللازم، بل ويتعين تلقفه في السماء ـ كما يقال  ـ  دون تأخير وإنهاء القطيعة الدبلوماسية بين البلدين، خاصة وأن الملك المغربي راح يستدل في عرضه بحديث للرسول «صلعهم» حول الجار وأهمية التصالح معه واحترامه.

لكن من يعرف معطيات الواقع المغربي وخلفيات هذا الخطاب يزداد اقتناعا أن الملك المغربي إنما أراد تمييع قضية بهذه الأهمية بعد أن أرفقها بـ»خبث سياسي» لا يمكن أن يمر إلا على غافل عندما حاول الظهور بمظهر المبادر إلى إصلاح ذات البين وفي المقابل، تقديم الجزائر على أنها الطرف المعرقل لكل عملية تقارب بين البلدين.

ثم إن اختيار الملك المغربي للذكرى الثالثة والأربعين لاحتلال استيطاني لإقليم الصحراء الغربية لتقديم مثل هذا العرض الذي يخص الجزائر إنما ينم عن رغبة مغربية لإقحامها في نزاع الصحراء الغربية، وهي التي كانت ولا زالت في نظر الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي جارا لطرفي النزاع ومسهلا للمفاوضات بينهما والتي من المنتظر استئنافها في الخامس من الشهر القادم.

وعندما يبرر الملك محمد السادس دعوته بأن العلاقات بين البلدين الجارين غير مقبولة وأفرزت وضعا غير طبيعي، فإنه يتعمد تجنب قول الحقيقة، كل الحقيقة حول هذه العلاقات الشاذة  التي كانت بلاده سببا في وصولها إلى مثل هذه الوضعية.

فبالعودة إلى مسببات هذه القطيعة في 24 أوت سنة 1994 بعد حادثة التفجير التي تعرض لها فندق  آسني ـ مراكش، يتأكد أن الملك المغربي يقفز على حقائق تاريخية مازالت في الذاكرة عندما افتقد إلى الشجاعة الكافية للاعتراف بأن والده المرحوم، الملك الحسن الثاني كان سببا في المآل الذي عرفته العلاقات بين البلدين، عندما اتهم المخابرات الجزائرية بالضلوع في عملية التفجير، وقام على إثرها بأكبر عملية مطاردة لكل جزائري مقيم في المملكة تاركين ممتلكاتهم وكل خيراتهم وفروا عائدين إلى الجزائر.

وعندما كان الملك الراحل يريد ضرب الجزائر في المقتل وهي تمر بمحنة سنوات الدم بفرضه التأشيرة على الرعايا الجزائريين لم يكن يدرك حينها أن الإجراء سينقلب ضده عندما تعاملت السلطات الجزائرية بالمثل، وزادت على ذلك بغلق حدودها بقناعة أن الاتهامات تلفيقية ولا أساس لها من الصحة، وهو ما تم التأكد منه بعد سنوات واعترفت الرباط بذلك ولكنها لم تعتذر على اتهامات باطلة.

وعندما يتحدث الملك محمد السادس عن المفاوضات فهو يدرك جيدا أن الجزائر لم تقل يوما أنها ضد المفاوضات مع جار لا يمكن اختياره ولا يمكن تغيير الجغرافيا والإتيان بآخر غيره.

فقد تعمدت الرباط وضع العراقيل على طريق طي صفحة تلك الحادثة وفتح أخرى لعلاقات أكثر جدية، خاصة وأن الجزائر لم تطالب إلا بأمور موضوعية لتحقيق هذا المبتغى عندما اشترطت على الرباط وضع حد لسياسة الإغراق بأطنان المخدرات التي اعتمدتها عن قصد لإنهاك الجهد الأمني الجزائري آنذاك في محاربة التنظيمات الإرهابية، وأضافت لها عمليات تهريب الوقود الجزائري والمواد الغذائية الأساسية المدعمة باتجاه المحلات وأسواق وجدة والمدن الحدودية الأخرى، دون الحديث عن مليون سائح جزائري ممن كانوا يغدقون على الاقتصاد المغربي أكثر من مليار دولار سنويا.

وهي مطالب وأخرى لم تلق إلى حد الآن إجابات من الرباط، وكان من الطبيعي ألا يتم تسجيل أي خطوة على طريق تطبيع العلاقات بين البلدين منذ أن كان عهد رئيس الدبلوماسية المغربي الراحل، إدريس البصري وخليفته محمد بن عيسى، حيث فضلت السلطات المغربية الإحجام في الرد على مطالب الجزائر المشروعة كونها حرصت على المنفعة المتبادلة وخيار رابح ـ رابح وليس رابح ـ خاسر التي لا يتقبلها أي منطق.

وهو ما يحتم على الملك محمد السادس أن يبحث عن الثقة المتبادلة التي تحدث عنها في خطابه في دواليب قصره، وأن يتحلى بالشجاعة لاتخاذ خطوات على طريق إقامة علاقات صلبة مبينة على الثقة المتبادلة وحسن الجوار.

وإذا أخذنا بالسياق الزمني الذي خطب فيه العاهل المغربي الذي جاء غداة إصدار لائحة مجلس الأمن الدولي 2440، وعشية أول جلسة مفاوضات مباشرة بين بلاده وجبهة البوليزاريو في الخامس من الشهر القادم، فإن الملك محمد السادس تقدم بعرض التفاوض مع الجزائر ليظهر بمظهر المستعد فعلا، لتسوية النزاع في الصحراء الغربية، مع أن خطابه كان يتعين أن يوجهه للرئيس الصحراوي ما دام قبل التفاوض مع جبهة البوليزاريو لإنهاء نزاع عمّر لقرابة نصف قرن.

وهو ما يجعل العرض المغربي مجرد تحويل للأنظار عن انشغالات الشعب المغربي بالنظر إلى حجم المتاعب الاقتصادية التي تمر بها المملكة المغربية، والتي عجزت سلطاتها على تلبية حاجيات مواطنيها الذين يشنون إضرابات متلاحقة في مختلف القطاعات عكست درجة التململ الذي تعرفه شرائح واسعة في المجتمع الغربي وبما أصبح ينذر بثورة خبز جديدة.

وهو ما حتم على الملك المغربي التقدم بمثل هذا العرض للتنفيس عن اقتصاد بلاده على الأقل في الجهة الشرقية التي أصبح سكانها يعانون الأمرين بسبب جفاف ما كانت تدره الحدود الجزائرية عليهم من خيرات قبل أن يتسبب المخزن في قطعها منذ ربع قرن دون أن يقرأ لها حساباتها.

ولذلك، فإن العرض المغربي يبقى مجرد محاولة يائسة إذا سلمنا بأن الملك أراد أن يميع الموقف ويجهض جولة المفاوضات القادمة مع جبهة البوليزاريو التي كان على الملك المغربي أن يعبر لها عن هذه الرغبة، على اعتبار أنه سيجلس أمام وفدها المفاوض بمدينة جنيف بداية الشهر القادم، إذا كان فعلا يؤمن باتحاد مغاربي فعّال وتنافسي في ظل ظهور التكتلات الإقليمية التي فرضت نفسها كقوة فاعلة في العلاقات القارية والدولية خلال العقدين الأخيرين.