لا قوة ولا قرارا فوق حق الشعوب في تقرير المصير
الصحراء الغربية قضية تصفية استعمار لا غبار عليها
- 284
ص. محمديوة
مخطئ أو جاهل من ينتظر من مجلس الامن الدولي أن يحل قضية الصحراء الغربية، عبر قرار يفرض الحكم الذاتي كخيار أو كأمر واقع يقفز على حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره الذي لا يسقط بالتقادم وتكفله الشرعية الدولية.
فمجلس الأمن الدولي، الذي هو هيئة أممية تعمل ضمن حدود قانونية واضحة لا يمكن تجاوزها تنحصر صلاحياته حتى وإن كانت واسعة، في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين ولا يملك سلطة المساس بحق الشعوب في تقرير المصير، باعتباره حق يدخل في صميم اختصاص الجمعية العامة الأممية ولجنتها الرابعة المعنية بتصفية الاستعمار.
ومن الناحية القانونية الصرفة لا يملك هذا المجلس صلاحية فرض أي حل سياسي على شعب لا يزال يئن تحت نير الاحتلال، وبالتالي صلاحيته في ملف الصحراء الغربية تنحصر في دعم المسار السياسي لتسوية القضية سلميا ومراقبة وقف إطلاق النّار عبر بعثة تنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية “المينورسو” دون أن تتجاوز ذلك إلى فرض حلول أو خيارات بعينها لأن صاحب الحق في ذلك هو الشعب الصحراوي نفسه لا أي دولة أخرى ولا قرارات تحسم في نيويورك. وتضل الصحراء الغربية المصنّفة منذ عام 1963، كإقليم غير متمتع بالحكم الذاتي، خاضعة لهذا الإطار القانوني الدولي وفقا للائحة الأممية 1514 التي تؤكد أن إخضاع أي شعب للسيادة الأجنبية هو إنكار لحقوق الإنسان، وتناقض صريح مع ميثاق الأمم المتحدة.
وتأتي مسودة الورقة الأمريكية حول المينورسو، تلقت "المساء" نسخة منها، لتتضمن في فقرتها الرابعة فرضا صريحا لمقترح “الحكم” الذاتي” على اقليم الصحراء الغربية، في تناقض صارخ ليس فقط مع صلاحيات مجلس الأمن والجمعية العامة، ولكنها محاولة مفضوحة للقفز على حق شعب بأكمله في تقرير مصيره.
ورغم أن الوثيقة التي لا تزال محل تعديل ومناقشة، تقر بحق تقرير المصير وتدعو إلى حل عادل ومقبول يقبله الطرفان، إلا أن وصفها في فقرتها الرابعة مقترح "الحكم الذاتي" بأنه "الحل الأكثر جدوى ويرحب بقيادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في حل النزاع في الصحراء الغربية، ويدعو الأطراف إلى الانخراط في مناقشات دون تأخير باستخدام مقترح الحكم الذاتي المغربي كإطار وحيد للتفاوض، ويثني على التزام أعضاء المجلس بتسهيل التقدم” يطرح أكثر من علامة استفهام.
أولا متى كان فرض السيادة على شعب محتل تقرره دولة أو يقرر في نيويورك، وثانيا هل أخذت الإدارة الأمريكية، باعتبارها حاملة القلم، وهي تعد نص هذه المسودة في الحسبان موقف وردة فعل الشعب الصحراوي من قرار يفرضه عليه فرضا، وثالثا وحتى وإن تم التسليم باعتماد المسودة الأمريكية وفرض الحكم الذاتي، فهل فعلا يمكن تطبيقه على أرض الواقع على شعب ناضل وكافح على مدار خمسين سنة ودفع الثمن غاليا ويطالب فقط بحقه المشروع غير قابل للتصرف في تقرير مصيره.
من الناحية الميدانية يبدو الأمر غير قابل تماما للتطبيق، بل بالعكس سيقود المنطقة إلى مزيد من التوتر ولن يكون مثل هذا القرار مساهما في إحلال السلم لا اقليميا ولا دوليا وإنما سببا في تفجير الوضع، واتخاذ قرار يعتبر الصحراء جزء من المغرب أو فرض الحكم الذاتي كخيار نهائي، يعني تجاوز صلاحيات مجلس الأمن وصلاحيات الجمعية العامة الأممية ولجنتها الرابعة المعنية بتصفية الاستعمار، في سيناريو يبقى غير ممكن قانونيا وغير قابل للتنفيذ سياسيا. وثانيا فمن داخل مجلس الأمن المنقسم سياسيا حول ملف القضية الصحراوية، يرى خبراء القانون الدولي، أنه لا يمكن لأي قرار من هذا الحجم أن يمر دون “فيتو” إحدى الدول الدائمة العضوية خاصة روسيا أو الصين اللتان تعتبران المساس بحق تقرير المصير سابقة خطيرة تهدد استقرار النظام الدولي بأكمله.
ويبقى الأهم من كل هذا هو أن الشعب الصحراوي الذي يملك تنظيما سياسيا معترفا به دوليا، ويمسك فعليا بجزء من الأرض سيرفض القرار باعتباره انتهاكا لحقه التاريخي، وبالتالي فالعملية برمتها ستخلق أزمة شرعية اقليمية ودولية لمجلس الأمن في حد ذاته، إضافة إلى ذلك فإن أي محاولة لفرض حل بالقوة ستفتح الباب أمام مواجهة ميدانية جديدة تعيد المنطقة إلى أجواء الحرب بما يهدد السلم الاقليمي، ويقوّض الدور الذي يفترض أن يؤديه مجلس الأمن في حفظ الأمن والسلم الدوليين.