في أيّ أحوال ستعود البطولة المحترفة؟

- 563

الكل متخوف من استئناف البطولة ومتمسك بها في آن واحد، تلك هي المفارقة التي تطبع الفاعلين في الرابطتين المحترفتين لكرة القدم، وهم المسيرون والمدربون واللاعبون والأنصار، المتشوقين للعودة إلى الملاعب ومعايشة ضوضائها بكل جوارحهم، بل وحتى سلك التحكيم، الذي يدرك هو الآخر مدى المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقه لتسيير المباريات بدون تحيز؛ حفاظا على سيرورتها. وتبدو المسؤولية في المحافظة على الروح الرياضية متقاسمة بين كل هذه الأطراف المعنية بهذه المنافسة، لإيصالها إلى بر الأمان في وضع صحي يثير كل المخاوف.
بالطبع ليس من العدل ولا من باب الروح الرياضية أن يتم توقيف منافسة على بعد أشواط قليلة من انتهاء أطوارها، وتذهب مهب الريح كل المجهودات التي بذلتها الأندية المحترفة لتحقيق الأهداف التي سطرتها لحساب الموسم الجاري. لكن الأقدار لها دائما أسبابها، وحبذ لو تعقل الجميع وقالوا إن سلامة الوضع الصحي للوطن أولى من أن نستمر في منافسة رياضية، تضعنا جميعا في خطر محدق بسبب تفشي فيروس كورونا عبر العالم كله، والذي لا نريد أن نشكل فيه الاستثناء في مثل هذه الحالة.
فبطولتنا المحترفة ليست الوحيدة عبر العالم التي تمر بهذا الوضع؛ كثير من نظيراتها توقفت في نصف مشوار المنافسة وسلطات بلدها لازالت متخوفة من الوضع الصحي، وتتردد في اتخاذ قرار يقضي بعودة التنافس إلى الميادين الرياضية، بل إن بعض البلدان كانت جريئة في موقفها من خلال إلغاء كل منافسات الموسم الجاري، على غرار بلجيكا، التي منحت ألقاب كل المنافسات قبل نهايتها، للأندية الموجودة في المراكز الأولى؛ فلم يحدث أي احتجاج يدين هذا القرار، بل هناك من رياضييها من قالوا إن المنافسة الرياضية ليس لها أي وزن ولا معنى لاستمرارها أمام ضرورة المحافظة على سلامة الوطن وسكانه!
وفي ما يخص بطولتنا المحترفة لايزال التردد بين الاستئناف والـتأجيل سيد الموقف رغم القرار الأخير للمكتب الفيدرالي للفاف، الذي لوّح بإمكانية عودة المنافسة، بينما وزارة الشباب والرياضة بصفتها السلطة العمومية المكلفة بالرياضة، تقول على لسان مسؤولها الأول، إنها الأولى بفرض القرار النهائي في هذه المسألة الشائكة، وهو ما يعني أن مستقبل البطولة المحترفة لكرة القدم للموسم الجاري، لم يتم الحسم فيه بصفة نهائية؛ لاعتبارات مرتبطة أساسا بالوقاية المطلوبة من الإصابة بوباء فيروس كورونا.
والسؤال الجدير بالطرح: "كيف يمكن اللاعبين تفادي الاحتكاك فيما بينهم في مباريات يبقى أساس التفوق فيها مبنيا على القوة البدنية لكل منافس؟"، مباريات يستحيل فيها تطبيق مسافة التباعد الاجتماعي ولا حتى استعمال الوسائل الواقية من التعرض لهذا الوباء! إنها المعادلة الرياضية التي يصعب التعامل معها؛ لأن الخوف سينتاب اللاعبين، وتنقص مجازفاتهم في التنافس على الكرة؛ ما يساهم في إفراغ المباريات من روحها الرياضي والتنافسي معا. وليس هذه العوامل الوحيدة التي يتحجج بها المدافعون عن فكرة إلغاء ما تبقّى من عمر البطولة المحترفة، بل هناك عوامل أخرى تصب في اتجاه تطبيق هذا الطرح، وله علاقة مباشرة بصحة اللاعبين أنفسهم؛ كيف لهم أن يدخلوا مباشرة في منافسة محترفة وهم ناقصو التحضير من الناحية البدنية؟ ما قد يسبب لهم أوضاعا صحية خطيرة كالتعرض للإصابات؛ فاستعداداتهم الفردية لا تبدو كافية لخوض غمار ما تبقّى من عمر المنافسة، ولا يمكن لها بأي حال من الأحوال أن تستخلف أو تأخذ مكان التحضيرات الجماعية المتوقفة منذ أكثر من شهرين.
المختصون في الشأن الرياضي لكرة القدم والعارفون بالقدرات الجسمانية للاعب الرياضي متأكدون من أن التدريبات والتحضيرات الفردية بمختلف أشكالها، ليست كتلك التي تجريها الفرق جماعيا وتطغى عليها الأجواء الحميمية، التي عادة ما يكون لها تأثير معنوي إيجابي على اللاعبين، الذين وجدوا أنفسهم للأسف الشديد، في ظل ما يلوح به فيروس كورونا من مخاطر على صحتهم، مضطرين لإجراء تحضيراتهم في المنزل، وربما القليل منهم من استعد في مساحات واسعة وبوسائل رياضية ليست في متناول زملائهم الآخرين.
وقد اشتكى الكثير منهم من هذا الوضع، وصرحوا بأنه لم يعد بمقدورهم تطبيق برنامج التحضير الرياضي الفردي المسطر من قبل مدربيهم، تلك هي مفارقات التحضير في زمن فيروس كورونا؛ فما هو الوضع البدني الذي سيكون عليه اللاعبون عندما يعودون إلى جو المنافسة الرسمية؟ يتساءل المراقبون.
لكن وراء كل ما أشرنا إليه بخصوص العودة إلى استئناف البطولة والاستعداد البدني الذي وصل إليه اللاعبون ومدى قدرتهم البدنية على التجاوب من جديد مع المنافسة الرسمية، ينبغي التساؤل في هذا المقام، عن إقبال الجمهور على الملاعب، التي ستحتضن ما تبقّى من جولات البطولة المحترفة لهذا الموسم والتي تختصر في ثماني جولات فقط؛ هل سيكون الأنصار بمختلف ميولاتهم متواجدين بأعداد كبيرة على مدرجات الملاعب، أم سيترددون في التوجه إليها خوفا من العدوى لا سيما أنهم يدركون أنه سيكون من الصعب عليهم احترام تعليمات الاحتراز من التعرض لهذا الفيروس بسبب الاختلاط الذي سيقع في المدرجات، ناهيك عن أن شروط التحاقهم بالمدرجات تفرض عليهم وضع الكمامات على أفواههم اللهم إلا إذا قررت السلطات العمومية المكلفة، إجراء المباريات بدون جمهور، ويبدو هذا القرار صائبا.