يراه واجبا والتزاما
رحلة البحث عن الذاكرة الوطنية

- 48870

اجتهد السيد عبد القادر بن دعماش في السعي إلى حفظ الذاكرة الثقافية الجزائرية، إيمانا منه بأنّ ذلك واجب يجب الالتزام به أمام الأجيال الصاعدة، ودين في رقبته نحو من مروا عبر الذاكرة وتركوا أعمالا تستحق الذكر، أو بالنسبة لهؤلاء الذين سقطت أسماؤهم سهوا أو عمدا من سجل الذاكرة. تحدث السيد بن دعماش عن مساره الإعلامي منذ أن كان مراسلا في "الجمهورية" في نهاية الستينات، وصحفيا في يومية "المجاهد" العريقة التي لاقى فيها الترحيب والرعاية وفي إذاعة وهران، حين كان يقدّم برنامجا معروفا هو "أنغام أندلسية"، وصولا إلى سنة 1989، حين كان يقدّم برنامجا فنيا معروفا على أمواج "القناة الثالثة"، كذلك الحال بالنسبة لمؤسّسة التلفزيون حين مسك قسم البرمجة، كلّها بمثابة سجل لأعمال فنية وذكريات مهمة، لكن أغلب ذلك لم يوثّق، حيث يؤكّد الضيف "أردت أن أطلب أغنية لا توجد إلاّ في برنامجي بالقناة الثالثة، فاتّصلت بمخرج الحصة فريد طوالبي وبلوك (نور الدين شولي ابن الراحل شولي)، وأكدا أنّ الحصة ليست في الأرشيف، فأحسست بالخطر الذي يتهدّد الذاكرة، علما أنّني حرصت منذ بداياتي أن أحتفظ بأرشيفي الخاص منذ الستينات وحتى اليوم"
.من جهة أخرى، سعى المتحدث إلى النبش في الذاكرة لإنقاذ بعض الأسماء التي ظلمت، ومن ذلك الفنان الشهيد عبابسية البادي من سوق أهراس الذي بلغت شهرته أجواء باريس التي كان يقيم بها (أسلوبه الموسيقي يشبه أسلوب إقربوشن) وله 100 عمل، ليؤكّد المتحدث "بحثت عنه في كلّ أرجاء الوطن لأجد بعضا من تراثه، غير أنني وجدت أمه لا تزال تبكي، لكن بمساعدة كمال حمادي تمّ التعرف على هذا الفنان الكبير الذي تخلى عن النجومية التي منحته إياها باريس، ليلتحق بالثورة داخل الجزائر وكلّف بعملية فدائية، لكن اكتشف أمره، ليعذّب بفيلا سوزيني ويستشهد إثر ذلك في 10 أكتوبر 1958، ودفن في العالية باسم مجهول، ليتم بعدها إعادة الاعتبار له وتمّ توقيف الاستفادة من أعماله الناجحة، وتنسب على الفور لاسمه، كما تمّ تكريم روحه الطاهرة بقصر الثقافة وبحضور والدته في 26 جوان 1996 واسترجعت أعماله كلها من باريس". رحلة البحث عن الذاكرة مستمرة، وغالبا ما يستعمل بن دعماش وسائله الخاصة وعلاقاته المتشعبة للظفر بها وفي جعبته الكثير من هذا التراث الوطني المهم، بعضه مسجّل صوتا وصورة.
المال مفسدة للثقافة
على غير عادة المتحدّثين عن الشؤون الثقافية، يرى بن دعماش أنّ المال والبذخ هو مفسّدة للثقافة، ويقول بالعبارة الصريحة؛ "يمكن نعمل ثقافة بلا دراهم يبغوا ولا يكرهوا"، ويعلّل هذا الموقف كون الثقافة ازدهرت وأينعت في أزمان شحّت فيها "الفلوس"، حينها صفيت الساحة وانسحب الطفيليون والبزناسية و«لم يبق في الواد غير حجارو"، أي الفنانون والمبدعون الحقيقيون الذين لم يكن همهم الربح، بل الإبداع والرقي والوصول إلى الناس لا إلى الميزانيات الضخمة.يؤكّد المتحدّث أنّ الثقافة لم تسلم من هجمة أصحاب الملايين والمافيا الذين يعتبرون أنّ الإبداع ليس بالأولوية أمام الربح السريع، وحتى بالنسبة لبعض المؤسّسات الثقافية العريقة، فالتاريخ يثبت بأنّها عاشت العزّ والمجد، يوم كانت ميزانياتها متواضعة ودخلت السبات عندما دعمت.وباختصار، ليس الإبداع بالضرورة أن يكون نتيجة المال وإلاّ لما اشتهر الروّاد والمثقفون الجزائريون وهم يعانون العوز.