الذكرى 64 للتفجيرات الفرنسية بالجنوب الجزائري
57 تجربة نووية.. جرائم ضد الإنسانية لا تقبل التقادم
- القراءات: 315
❊ التفجيرات النووية من بين خمسة ملفات ترهن تطوير العلاقات الثنائية
❊ الرئيس تبون طالب فرنسا بتنظيف المواقع النووية ومعالجة الضحايا
❊ الجزائريون ينتظرون اعترافا كاملا من فرنسا بكل جرائمها الاستعمارية
❊ السلطات الفرنسية تتلاعب ومطالب دولية برفع السرية عن أرشيف التفجيرات
تبقى التفجيرات النووية التي أجرتها السلطات الاستعمارية الفرنسية بالجنوب الجزائري والتي يحيي الشعب الجزائري اليوم ذكراها 64، توسم بصفتها جرائم ضد الإنسانية غير قابلة للتقادم، تستدعي قيام المسؤولية القانونية، ناهيك عن المسؤولية السياسية المبنية على مبدأ استمرارية الدولة.
لا يزال هذا الملف الشائك، رغم مرور أكثر من 6 عقود، محاطا بعقدة الماضي الاستعماري التي تحوّل دون إقرار معالجة مسؤولة وصريحة لملف الذاكرة الذي يرهن مستقبل العلاقات الثنائية الجزائرية-الفرنسية ويؤجل أي مسعى لتوسيع التعاون الثنائي انطلاقا من قاعدة صلبة أساسها الثقة. كما أن محاولة معالجة آثار جريمة الإبادة التي ارتكبتها فرنسا الاستعمارية بتاريخ 13 فيفري 1960، تلفها تعقيدات مستجدة، ظاهرها يتعلق بمعوقات قانونية تقصي الضحايا الجزائريين من حقهم في التعويض وباطنها إرادة سياسية متذبذبة تفتقد إلى شجاعة الاعتراف وصدق النوايا وصراحة الطرح.
بالرغم من طرح قضية التفجيرات النووية على طاولة الحوار خلال الدورة التاسعة للمشاورات السياسة الجزائرية-الفرنسية في جانفي 2023 بالجزائر العاصمة، إلا أن هذه المسألة تبقى، حسب تصريحات إعلامية، سابقة لوزير الخارجية، أحمد عطاف من بين 5 ملفات ترهن مساعي تطوير العلاقات الثنائية. فإلى جانب المطالبة بـ«تسوية المسائل المتعلقة بالذاكرة وتنقل الأشخاص والتعاون الاقتصادي وإعادة متعلقات رمزية للأمير عبد القادر"، فإن الجزائر تطالب بـ«الاعتراف بالأضرار الناجمة عن التفجيرات النووية وتعويض الضحايا"، مثلما ذكر عطاف.
وكان رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، قد أكد في تصريح سابق للصحافة، أن الجزائريين "ينتظرون اعترافا كاملا بكل الجرائم التي اقترفتها فرنسا الاستعمارية"، وشدّد بخصوص التفجيرات النووية، على ضرورة قيام فرنسا "بتنظيف المواقع النووية ومعالجة ضحايا التجارب النووية".
خلال المشاورات السياسية بين البلدين، التزم الجانب الفرنسي بـ"تسريع مسار إعادة الأرشيف ومعالجة مسألة مواقع التجارب النووية التي ينبغي إعادة تأهيلها، وبالتالي الإسهام في التعامل مع المستقبل في جو من الهدوء والاحترام المتبادل". وتمت مناقشة هذه المسألة من بين عدة محاور أخرى تضمنها "إعلان الجزائر" الذي وقّع عليه رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، مع نظيره الفرنسي، في أوت 2022، ونصّ على إنشاء لجنة مشتركة من المؤرّخين الجزائريين والفرنسيين، تكون مسؤولة عن معالجة جميع القضايا العالقة، بما فيها المتعلقة بالتفجيرات النووية.
كما اتفق الطرفان على تشجيع "قراءة موضوعية وصادقة لجزء من تاريخهما المشترك"، غير أن الواقع يكذّب صدق النوايا في معالجة هذه القضية، حيث لم يتمكن إلى اليوم، إلا جزائري واحد مقيم بالجزائر، من الاستفادة من التعويض، باعتباره ضحية لهذه التفجيرات، حسب المكلف بالدراسات في مرصد التسلح بفرنسا، الخبير توني فورتين.
وقبل نحو 3 أشهر، رفضت المحكمة الإدارية في ستراسبورغ شرق فرنسا، طلبات التعويض المقدمة من عائلات أشخاص لقوا حتفهم نتيجة هذه التفجيرات النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية وفي بولينيزيا بين 1960 و1998، وذلك بحجة "التقادم". وقالت محامية العائلات سيسيل لابروني أن "المحكمة لم تبرئ الدولة الفرنسية، لكنها اعتبرت ببساطة أن الإجراء بدأ بعد فوات الأوان"، مضيفة أن "وزارة الجيوش لن تتمكن دائما من الاختباء خلف مسائل قبول الدعوى لإعفاء نفسها من مسؤوليتها".
ويسمح القانون الفرنسي المعروف باسم "قانون مورين" منذ جانفي 2010، بالاعتراف بالضحايا المباشرين لهذه التفجيرات وتعويضهم، لكنه لا ينص على أي تدابير لأقاربهم فيما يتعلق بالضرر المعنوي أو العائلي أو المادي، كما أنه يحوي عدة ثغرات لصالح الطرف الفرنسي.
مطالب دولية برفع السرية عن أرشيف التفجيرات النووية
في إطار تسريع الإجراءات الهادفة إلى تدارك المخاطر التي تمثلها مخلفات التفجيرات النووية، تم بالجزائر إنشاء الوكالة الوطنية لإعادة تأهيل المواقع القديمة للتفجيرات النووية في 2021،حيث يبقى النشاط الإشعاعي البيئي في المناطق التي شهدت الجريمة مرتفعا، بسبب استمرار مخلفات الإشعاعات.
يجدر التذكير، بأنه بتاريخ 13 فيفري 1960، قامت فرنسا بتفجير أول قنبلة ذرية، في إطار العملية التي تحمل اسم "جربواز بلو" (اليربوع الأزرق)، في سماء رقان، ما تسبب في كارثة طبيعية وبشرية، حيث يعادل هذا التفجير الذي تتراوح قوته بين 60 و70 ألف طن من المتفجرات 5 أضعاف قنبلة هيروشيما باليابان، حسب الخبراء في هذا المجال.
ويؤكد المؤرخون أن فرنسا الاستعمارية، نفذت ما بين 1960 و1966 ما يناهز 57 تجربة نووية شملت 4 تفجيرات جوية في منطقة رقان و13 تفجيرا تحت الأرض في عين إيكر، بالإضافة إلى 35 تفجيرا في الحمودية و5 تفجيرات على البلوتونيوم في منطقة بعين إيكر الواقعة على بعد 30 كيلومترا من الجبل، حيث أجريت التفجيرات تحت الأرض. ويعاني سكان هذه المناطق من مخلفات التفجيرات، حيث يتم سنويا تسجيل حالات إصابة بالسرطان وتشوّهات عند حديثي الولادة وإعاقة وعقم واضطرابات نفسية مزمنة، مع أضرار كبيرة تهدد البيئة.
وقد طالبت مجموعة من المنظمات الدولية غير الحكومية، في رسالة بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة التفجيرات النووية شهر أوت الماضي، السلطات الفرنسية بـ"رفع السرية عن أرشيف التجارب النووية للاطلاع عليها من طرف المنظمات الدولية التي تشرف على المراقبة، وعدم التحجج بأسرار الدفاع والأمن القومي، مع كشف مواقع دفن النفايات وتنظيفها وتسهيل رفع دعاوى التعويض للضحايا الجزائريين والتوقيع على معاهدة حظر الأسلحة النووية أو التصديق عليها".