تأميم المناجم من الاستنزاف الاستعماري إلى السيادة

مشاريع منجمية كبرى تكتب مصير الثروات الباطنية

مشاريع منجمية كبرى تكتب مصير الثروات الباطنية
  • 42
س. م س. م

بين فصول الاستغلال الاستعماري الجائر وقرار التأميم بعد الاستقلال، تمتد قصة الثروات المنجمية في الجزائر كمرآة لصراع طويل من أجل التحرّر والسيادة والتنمية، لتنتقل الجزائر من أرض تستنزف خيراتها إلى دولة تستعيد سيادتها على ثرواتها وتعيد رسم مسارها الاقتصادي بقرارات شجاعة.

لم يكن الاستعمار الفرنسي للجزائر مجرد احتلال عسكري، بل كان في جوهره مشروعا اقتصاديا ارتكز على النهب واستغلال ممنهج لمقدرات البلاد، لا سيما ثرواتها المنجمية، من خلال استخراج الفوسفات، والحديد، والزنك، والرصاص بكميات هائلة.فمن مناجم الحديد في بوخضرة والونزة (تبسة) وبريرة (الشلف) وبني صاف (عين تموشنت)، وصولا إلى مناجم الرصاص والزنك بواد الكبريت (سوق أهراس) وعين الزرقاء (تبسة)، شحنت آلاف الأطنان من المواد الخام سنويا نحو موانئ فرنسية، كما أكده مؤرّخون.

ويشهد منجم الفوسفات المغلق بالكويف (تبسة) على بشاعة الاستنزاف الاستعماري للثروات الباطنية الجزائرية، حيث تمّ استغلاله من 1929 إلى غاية 1963.وتشير دراسات إلى أن إنتاج مختلف المواد الخام المنجمية بلغ سنة 1913 أزيد من 1,3 مليون طن، فيما بلغ عدد المناجم 40 منجما سنة 1954، في مقدمتها مناجم الحديد 13 منجما، الرصاص والزنك والنحاس 6، الملح 5 والفوسفات 2، بالإضافة إلى مناجم الرخام، والباريت، والبيريت، والأنتيمون، والفحم، والكاولين، والبنتونيت وغيرها من الثروات المنجمية.

وقد شكل استغلال الثروات المنجمية الجزائرية، الذي استهل باكتشاف مناجم الونزة وبوخضرة (تبسة)، أحد أعمدة الاستراتيجية الصناعية الفرنسية خلال الحقبة الاستعمارية، وتحوّلت هذه المنطقة، التي كانت محل استغلال في العصر القديم حسب دراسات أثرية، إلى مواقع استخراج مكثف من دون أي مردود تنموي محلي.

وبلغ هذا الاستنزاف ذروته في خمسينيات القرن الماضي، حيث كانت الجزائر تزوّد فرنسا بما يفوق 60% من حاجياتها من الحديد الخام، وقرابة نصف حاجياتها من الفوسفات، في وقت كانت فيه المناطق المنجمية الجزائرية تئن تحت وطأة التهميش، ما جعلها بدورها بؤرا للغضب الشعبي، ولم يكن قرار التأميم مجرد استرجاع للملكية، بل رافقته استراتيجية شاملة لتسيير المناجم وتطويرها، حيث أنشئ المكتب الجزائري للبحث والاستغلال المنجمي (باريم) الذي وضعت تحت وصايته الشركات المنجمية التي تمّ تأميمها، ليتمّ لاحقا، في 11 ماي 1967، إنشاء المؤسّسة الوطنية للأبحاث والاستغلال المنجمي "سوناريم".

وتحتفي الجزائر هذه السنة بذكرى تأميم المناجم وسط تحديات ورهانات جديدة، فبفضل المشاريع الهيكلية والاستراتيجيات الطموحة، تسير البلاد نحو تحقيق قفزة نوعية في استغلال ثرواتها الطبيعية، بما يعزّز مكانتها في الأسواق العالمية. لهذا الغرض، تمّ إعداد مشروع قانون جديد ينظم النشاطات المنجمية، يوجد حاليا على مستوى البرلمان، من شأنه تحسين مناخ الاستثمار المنجمي من خلال تبسيط إجراءات الولوج إلى نشاط البحث والاستغلال وجعل الإجراءات أكثر شفافية مع توفير ظروف أكثر تحفيزا للمستثمرين العموميين والخواص الوطنيين والأجانب.

وأطلقت الحكومة، بتوجيهات من رئيس الجمهورية، عدة مشاريع منجمية كبرى، من بينها منجم الحديد "غارا جبيلات" ببشار الذي دخل حيز الاستغلال منذ جويلية 2022، ومشروع استغلال الزنك والرصاص في وادي أميزور ببجاية باحتياطي يقدر بـ34 مليون طن، إلى جانب مشروع الفوسفات المدمج في تبسة، الذي يهدف إلى جعل الجزائر من المصدّرين الرئيسيين للأسمدة.