المتحف الوطني للمجاهد
فضاء مفتوح على تاريخ المقاومة والثورة الجزائرية

- 539

يعتبر المتحف الوطني للمجاهد بالجزائر العاصمة، كتابا مفتوحا على تاريخ المقاومة والثورة الجزائرية من أجل الحرية والكرامة، يقدم للزوار لمحة شاملة ومفصلة على المحطات التاريخية الكبرى للكفاح المسلّح أبرزها هجومات الشمال القسنطيني ومؤتمر الصومام. بمناسبة إحياء اليوم الوطني للمجاهد المصادف للذكرى الـ67 لهجومات الشمال القسنطيني (20 أوت 1955) والذكرى الـ66 لانعقاد مؤتمر الصومام (20 أوت 1956) خصص "المتحف الوطني للمجاهد" طيلة شهر أوت الجاري، معرضا يضم 24 صورة فوتوغرافية قديمة تستعيد أهم ما ميز هذين التاريخين، وذلك على طول جدارية تستقبل الزوار بمجرد دخولهم بهو المتحف.
وقد راعت إدارة المتحف في عرضها للصور "تسلسلا زمنيا مدروسا يعود بالزائر ولو بشكل مختصر على وقائع سنتي 1955 و1956، ومختلف الأحداث الفدائية التي قام بها المجاهدون" يقول المستشار الثقافي بالمتحف صلاح الدين رانم. وأكد رانم، أن هذه الصور هي "جزء من المادة الأرشيفية التي تحصل عليها المتحف من خلال عمليات الجمع والبحث والمساهمات بما فيها مساهمات المجاهدين التي ساعدت على إثراء الرصيد المتحفي بهدف الحفاظ على الذاكرة الوطنية المشتركة".
وتعتبر هذه الجدارية المقابلة للمدخل الرئيسي للمتحف واجهة ملفتة للانتباه ، حيث توقف الزوار بمختلف أعمارهم واهتماماتهم أمامها يحاولون التعرّف على الشخصيات أو استرجاع تلك المواقف الصعبة التي تكبدها المجاهدون في مرحلة حاسمة من تاريخ الجزائر. وصادفت الزيارة لهذا المعلم التاريخي والثقافي بث شريط وثائقي خاص باليوم الوطني للجيش الوطني الشعبي الذي أحيته الجزائر في 4 أوت الجاري، وذلك عبر شاشات كبيرة في أرجاء المتحف، حيث يستعرض الشريط أهم المحطات التاريخية لتأسيس الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني، كما سيتم بعدها عرض وثائقي آخر مخصص للذكرى المزدوجة لتاريخ 20 أوت 1955-1956.
أكثر من 140 ألف زائر من داخل وخارج الوطن
عجّت أروقة المتحف بقوافل الزائرين القادمين من مختلف ولايات الوطن ومن الخارج، حيث اندمج الجميع مع فضاءات العرض الكبرى عكست مرحلة المقاومة الشعبية (1830-1919)، والسياسة الاستيطانية للاستعمار ثم الحركة الوطنية (1919-1954) وأخيرا جناح الثورة التحريرية (1954-1962)، وكلها مدعمة بلوحات تعريفية ومقتنيات متحفية وصور ولوحات زيتية ومجسمات وزعت وفق سينوغرافيا مدروسة. وقد استقبلت هذه المؤسسة منذ بداية السنة وإلى غاية 31 جويلية المنصرم، "144 ألف زائر سواء من الوفود الرسمية أو تلاميذ المؤسسات التربوية والجمعيات ناهيك عن جمهور الندوات التاريخية وغيرهم من الزوار الذين يتوافدون على مدار السنة على المتحف الذي يشغل القسم السفلي من معلم مقام الشهيد"، يؤكد رئيس قسم البحوث التاريخية بالمتحف أسامة حوحو.
وقال حوحو، إن الفضاء المخصص لهجومات الشمال القسنطيني 1955، يكتسي "أهمية بالغة" في سرد المسار الثوري (مباشرة بعد الفاتح نوفمبر 1954) ذلك أن هذه الهجومات البطولية "ساهمت في انتشار الثورة في جميع القرى والمدن ونواحي الجزائر ناهيك عن إدراج القضية الجزائرية في جدول أعمال الدورة العاشرة للجمعية العامة للهيئة الأممية (سبتمبر 1955)". وتترجم المادة الأرشيفية المعروضة في هذا الجزء من المتحف إصرار الجزائريين على المشاركة كشعب واحد في الثورة من جهة، ورد الفعل الاستعماري الانتقامي والشنيع الذي ظهر من خلال قصف للقرى والمداشر ومجزرة ملعب سكيكدة في 23 أوت 1955، من جهة أخرى وهي الجرائم التي خلّفت حسب السيد حوحو 12 ألف شهيد.
وبخصوص مؤتمر الصومام يقدم متحف "المجاهد" لمحة عن ظروف انعقاد هذا المؤتمر التاريخي الذي حضره قادة الثورة بقرية إفري بأعالي ولاية بجاية وما انبثق عن اجتماعهم من تنظيم وتنسيق العمل الثوري. وكلما توغل الزائر في المتحف تنوعت الأسلحة المعروضة من خفيفة إلى شبه ثقيلة ومن أجهزة لاتصال اللاسلكي، وهي تعكس حسب السيد حوحو "التحكم التقني والعسكري الذي اكتسبه الثوار على مدار سنوات الكفاح المسلح وقدرتهم على الظفر بأسلحة رغم الحصار الذي مارسته فرنسا الاستعمارية بمختلف أساليبها الإجرامية". تنتهي جولة الزائر إلى "المتحف الوطني للمجاهد" عند قبة الترحم التي تعد تحفة معمارية بديعة ذات طابع إسلامي، تزين جدرانها آيات قرآنية منقوشة ومذهبة تتوسطها صخرة مضاءة ترمز إلى جبال الجزائر وقممها الصامدة وضعت على أرضية رملية تذكر بالصحراء الجزائرية الكبرى ومساهمتها في استرجاع السيادة الوطنية.