ذكرى رحيل آيت أحمد، عبان رمضان وفرحات عباس

رموز للوحدة الوطنية وإرث كل الجزائريين

رموز للوحدة الوطنية وإرث كل الجزائريين
  • 542
و. أ و. أ

كرّس زعماء الثورة التحريرية حسين آيت أحمد وعبان رمضان وفرحات عباس، حياتهم من اجل جزائر موحدة تاركين إرثا لا يقدّر بثمن للشعب الجزائري، قاسمهم المشترك في ذلك روح الاتحاد والتمسك بالوحدة الوطنية، وميلهم الطبيعي للحوار البنّاء في كل الأحوال والظروف.

وتشاء الصدف أن ينتقل الثلاثة إلى جوار ربهم في شهر ديسمبر، تاركين بصمة خالدة في تاريخ الجزائر ميزها التزام وكفاح دائم من أجل جزائر مستقلة ودولة قانون. وسجل آيت أحمد، الرجل متعدد الكفاحات إلى آخر أيام حياته، اسمه بحروف من ذهب في الحياة السياسية الوطنية، حيث انضم شابا إلى الحركة الوطنية متقلدا العديد من المناصب المهمة وترأس وهو في العقد الثاني من عمره، المنظمة الخاصة التي شكلت أرضية خصبة تكونت في أحضانها شخصيات سياسية تحولت إلى قيادات مستقبلية لجبهة التحرير الوطني.

وكتب بن يوسف بن خدة، في شهادته بخصوص آيت أحمد في كتابه "جذور 1 نوفمبر 1954"، "أنه ناضل منذ شبابه في حزب الشعب الجزائري، وكان من بين الذين نشروا في منطقة القبائل فكرة الاستقلال والتنظيم، في صفوف حزب الشعب الجزائري ـ حركة انتصار الحريات الديمقراطية خلال السنوات الصعاب التي مر بها الحزب وخاصة ما بين عامي 1945 و1946، ولم يتردد على التضحية بمساره الدراسي و الالتحاق بالكفاح المسلح في الجبال". وفي تاكيد لذلك قال مولود حمروش، رئيس الحكومة الأسبق، إن القائد التاريخي كان "رجلا بارعا ذا نظرة استراتيجية ومسار وكفاح استثنائي متعدد الأبعاد من اجل غاية واحدة ألا وهي الاستقلال وحرية بلده ومواطنيه".

ويعد حسين آيت أحمد، أحد الوجوه البارزة للنزعة الوطنية الجزائرية، وأحد أعضاء مجموعة التسعة الذين كان لهم فضل تفجير ثورة نوفمبر ومؤسس حزب جبهة القوى الاشتراكية. أما فرحات عباس، الذي كان أحد مؤيدي فكرة الاندماج في بداية نضاله السياسي، فقد التحق فيما بعد بمسيرة الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي، وكان في مطلع أربعينيات القرن الماضي، أحد العناصر الأساسية الداعية إلى الوحدة مع حزب الشعب الجزائري والعلماء. وكتب بن يوسف بن خدة، رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في نفس الكتاب "جذور 1 نوفمبر 1954"، أنه "بعد تجربة المؤتمر الإسلامي مثلت أحباب البيان والحرية ثاني محاولة تجمع سياسي للقوى الحية للبلد". وكتب خالفة معمري، في كتابه "عبان رمضان بطل حرب الجزائر"، أن فرحات عباس، وبعد انضمامه إلى صفوف جبهة التحرير الوطني سنة 1955، وأمام تخوفه من انتقادات بعض الشخصيات كونه التحق بصفوف الثورة متأخرا، خاطبه عبان رمضان، قائلا "جبهة التحرير الوطني ليست ملكا لأحد سوى للشعب الذي يكافح... وإذا لم يلتف الجميع حول الثورة فإنها ستجهض لا محالة".

واختير بعدها لترأس أول حكومة مؤقتة للجمهورية الجزائرية، حيث كتب سعد دحلب، وزير الشؤون الخارجية الأسبق في الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في كتابه "مهمة منجزة"، "نحن لن نغفل المفاوضات التي كنّا سنصل إليها يوما ما، واعتقدنا عن جهل منّا بأن رئيس الحكومة المؤقتة هو الذي كان سيلتقي في نهاية المطاف بالجنرال ديغول، لكن هل كان هناك أفضل من عباس لمحاورة ديغول". وواصل فرحات عباس، غداة الاستقلال نضاله بقلمه وإسهاماته في النقاش من أجل جزائر مزدهرة تضم في كنفها جميع أبنائها، حيث كان يرى في التفكير والحوار الحل لكل الخلافات. بالمقابل نجح عبان رمضان، الذي لقب "بجان مولان الجزائري" والعربي بن مهيدي، في جمع كافة توجهات الحركة الوطنية لجعلها تنضوي تحت لواء جبهة التحرير الوطني لمواجهة فرنسا.

وكتب خالفة معمري، بشأنه أنه "قد تكون من المبالغة ربط كل الأمور بشخص عبان رمضان، لكنه سيكون من المُجحف أيضا عدم الاعتراف بدوره التحفيزي في مختلف المجالات". ووصف بن يوسف بن خدة، في تناوله لشخص عبان رمضان بالرجل "المناضل الذي بذل النفس والنّفيس من أجل استقلال الجزائر، ليبقى بذلك رمزا للوحدة الوطنية إبان حرب التحرير الوطنية". وتجدر الإشارة إلى أن هذه الشخصيات الفذة التي اقترن اسمها بتاريخ الجزائر المجيد قد تركت بصمتها الثابتة وأثرها البالغ، إذ تجسدت فيها كل ما تحمله مصطلحات الوحدة والحوار وروح التوحيد من معان حتى في الأوقات الحرجة من تاريخ الجزائر. وانطلاقا من نفس القناعة ما فتئ رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، يدعو منذ انتخابه إلى إطلاق حوار وطني دون تهميش أو إقصاء وبمشاركة كل فعاليات المجتمع، حوار سيمكن من بناء جبهة داخلية "متينة ومنسجمة" تسمح بتجنيد الطاقات والكفاءات الوطنية وتدارك الوقت الضائع تحسبا لبناء "دولة المؤسسات"، التي تُكرس فيها الديمقراطية وتقي البلاد مغبات الوقوع في "أي انحراف استبدادي". دولة ينعم فيها المواطنون بالأمن والاستقرار والحريات.