الملف يعود بقوة مع احتضان الجزائر لآلية دول الجوار الثلاثية
تكامل جزائري- أممي للحفاظ على سيادة ليبيا
- 128
عاد الملف الليبي بقوة إلى الواجهة منذ احتضان الجزائر لآلية دول الجوار الثلاثية التي تضم إلى جانب بلادنا، تونس ومصر، من خلال تفعيل الآلية الدبلوماسية المشتركة في ظل انسداد الأفق السياسي في هذا البلد الجار، موازاة مع الظروف الإقليمية الحساسة التي تتقاطع فيها الأزمات في ليبيا والسودان ومالي، ما يجعل هذا التنسيق أكثر من ضرورة لتفادي إفرازات الفوضى التي تعيشها هذه الدول.
يعد اللقاء الذي جمع وزير الدولة وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية، أحمد عطاف أول أمس بالممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة ورئيسة البعثة الأممية للدعم في ليبيا هانا تيته، أولى ثمرات الآلية الثلاثية التي أكدت على أهمية التنسيق لحلحلة الأزمة التي لا تنحصر تداعياتها على الداخل المحلي، بل قد تمتد أيضا إلى الدول الثلاث.
فسرعان ما كان للقاء الثلاثية صدى إيجابي على مستوى الأمم المتحدة التي تتمسك الجزائر على أن تكون الإطار الأمثل لتسوية الأزمة في ظل تقاسمها نفس المبادئ المرتكزة على الحفاظ على سيادة ووحدة واستقلال ليبيا، فضلا عن تحديد المسار الذي من شأنه أن يخرج هذا البلد إلى بر الأمان، بعيدا عن التدخلات الأجنبية.
من هذا المنطلق، حرصت المبعوثة الأممية على اطلاع الوزير عطاف على الخطوات المعتمدة في خارطة الطريق الأممية المقدمة إلى مجلس الأمن يوم 21 أوت الماضي، وما تشمله من أهداف تتعلق بإعداد الإطار القانوني للانتخابات وتوحيد المؤسسات التنفيذية، وتنظيم حوار وطني شامل تحضيرا للانتخابات الرئاسية والبرلمانية. كما كانت المناسبة فرصة لاطلاع المبعوثة الأممية على مخرجات الاجتماع الوزاري التشاوري للآلية الثلاثية لدول جوار ليبيا، المنعقد بالجزائر خلال شهر نوفمبر الجاري، ما يضفي التنسيق والتكامل في الجهود بين دول الجوار والهيئة الأممية، مع تأكيد الإطار الشرعي والقانوني لهذا الملف الذي كان ضحية التشويش وتعدد الأجندات الأجنبية.
فانقطاع اجتماعات الآلية الثلاثية لمدة خمس سنوات، زاد من المخاطر الإقليمية، الأمر الذي جعل الآلة الدبلوماسية لدول الجوار تتحرك من أجل تطويق الانزلاقات التي عرفها الملف المرتبط بحسابات دولية متعددة، حيث تعكف الجزائر ومصر وتونس منذ اجتماع القاهرة المنعقد شهر ماي الماضي على حل الكثير من التعقيدات، خاصة ما تعلق بالتدخل الأجنبي وطرد المرتزقة ورفع التجميد عن أموال الليبيين الموجودة لدى دول غربية.
فهذه التعقيدات التي انعكست بشكل جلي على الوضع الأمني في ليبيا، ساهمت في عدم التوصل إلى صيغة سياسية توافقية بين الأطراف المتصارعة، ما جعل الجزائر ودول الجوار الأخرى تركز على أهمية خارطة الطريق الأممية المقترحة.
ويندرج لقاء وزير الدولة وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية مع المبعوثة الأممية في إطار تفعيل هذه الرؤية التي لطالما شكلت ركيزة أساسية في أبجديات التعامل الدبلوماسي للجزائر مع هذا الملف الحساس، علما أن الكثير من الأطراف الليبية قد دعت الجزائر في الكثير من المناسبات إلى لعب دور الوسيط من أجل تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة بحكم انها تقف على مسافة واحدة مع كل طرف.
ولم تتردد الجزائر منذ اندلاع الأزمة في هذا البلد في الدعوة إلى الحوار وشجب التدخل الأجنبي، قناعة منها بضرورة أن يكون الحلّ ليبيا محضا، كما أنها كثفت من مشاوراتها مع مسؤولي الدول الثلاث بعقد اجتماعات دورية في أحد الدول الثلاث منذ 2017.
وبلا شك فإن هذه التحركات تندرج في سياق السياسة الاستباقية التي تنتهجها الجزائر لمجابهة الوضع الإقليمي الصعب، حيث شهدنا كيف أن اندلاع الأزمة في ليبيا سنة 2011 قد أجج الوضع في مالي ومنطقة الساحل التي مازالت تعيش على صفيح ساخن، بسبب بروز توجهات لاعتماد العنف على حساب الحوار دون الأخذ بعين الاعتبار المعطيات الجيو استراتيجية الجديدة.