"جريمة منظّمة" لإسقاط وزيرة التربية

بن غبريط: إن ينصرك الله فلا غالب لك

بن غبريط: إن ينصرك الله فلا غالب لك
  • 804
العربي ونوغي العربي ونوغي

تتعرض وزيرة التربية، السيدة بن غبريط، منذ ثلاثة أيام، إلى قصف متواصل من طرف برلمانيين ونقابيين ووسائل إعلام مكتوبة ومرئية ومسموعة. وحتى من طرف عابري السبيل و"السرير" على حد تعبير الروائية المبدعة أحلام مستغانمي. جميعهم يحمّلونها مسؤولية ما تسرب من أسئلة امتحانات البكالوريا. يحملونها دون سواها مسؤولية ما وقع ؟!. بالمختصر المفيد: جريمة منظمة اكتملت فصولها وتفاصيلها ليس ضد الوزيرة فحسب، ولكن ضد المترشحين وأوليائهم وضد الأسرة التربوية بمختلف أساتذتها وإطاراتها وأسلاكها. وضد المصالح الأمنية والمشرفين على سير وتحصين امتحان البكالوريا. بل نقول بصيغة التعميم ضد الجزائر برمتها. الفاعلون والمدبرون والذين حركوا خيوط وفتائل الجريمة والمنفذون سواء بالفايسبوك أو غيره من وسائل التواصل الاجتماعي وسواء كانوا على وعي بما كانوا يفعلون أو من باب "اللهو" فإن الجريمة ثابتة. والأدلة ستأتي بها تحقيقات الدرك الوطني الذي وسعها إلى كل الولايات. وهو يملك من الكفاءات والإمكانيات والوسائل والتجهيزات ما يمكنه بالتأكيد من الوصول إلى الفاعلين والمدبرين الحقيقيين.

قبلها كان وزير الاتصال قد تعرض لنفس الهجمات وحملات القذف. أكاد أقول من نفس الأطراف ومن نفس المواقع. نتفهم الفزع بسبب تسرب أسئلة في امتحان نهائي يستقطب كل الاهتمامات والانشغالات. بل المحير أن لا نفزع ولا نتساءل عما حدث. لأن الأمر مصيري للتلاميذ المترشحين أولا. وثانيا لعائلاتهم ومؤسساتهم وكذلك لسمعة البكالوريا نفسها . لكن بالشكل الذي نلاحظه نقول أن في الأمر "إن". نقول ذلك لأن المنطق بل القانون نفسه يفرض علينا أن ننتظر ما ستسفر عنه التحقيقات المفتوحة حتى تتحدد المسؤولية بوضوح وبدقة . فلماذا يستعجلون ويسارعون ويحلون محل المصالح المختصة المكلفة بالتحقيقات ؟! . بل أصدروا أحكامهم حتى قبل أن تكشف العدالة عن تحقيقاتها. لذلك نقول إن الذين تحركوا على الساخن بما يشبه "حمالات الحطب" لم يحركهم تسريب الأسئلة بل هي الفرصة التي نزلت عليهم من "كف عفريت" . نقول هي "واقعة حق" أريد أو استغلت من أجل "الانقضاض على فريسة" بن غبريط. الذين يحملون أعواد الكبريت ويريدون إشعال الموسم التربوي ومحاصيله بايجابياته وسلبياته هم في الحقيقة لا يعنيهم ما تسرب من أسئلة البكالوريا. ولا يكترثون بموازين ما تحقق من استقرار – ولأول مرة –  طوال عام دراسي دون توقف أو إضرابات . فلأول مرة لم نتحدث عن " العتبة " أو تحديد الدروس . أقول إن "حمالات الحطب" الذين في عقولهم حسابات أخرى. وفي قلوبهم دسائس أخرى. وفي تصريحاتهم  قسوة على باحثة أكاديمية وأستاذة جامعية ووزيرة منذ تعيينها تسعى جاهدة وتعمل دون هوادة لإخراج "المنكوبة التربوية" من براثن الذين حولوها إلى سجل تجاري للمزايدات السياسوية. هي تحاول وبحزم وعزم إصلاح ما أفسده السابقون .

حفظها الله من كيدهم ونجّاها من جهلهم 

منذ تعيينها أمسكت السيدة بن غبريط (حفظها الله من كيدهم ونجاها من جهلهم) أقول أمسكت بزمام المستعجل من الإصلاحات. وأدركت وهي الخبيرة البيداغوجية المحنكة. والباحثة الأكاديمية المتمرسة بذكاء ثاقب مكامن الخلل. الموضوعي منه والمفتعل . لقد ضبطت إستراتيجية إصلاحات تستند إلى إشراك الجميع من أهل المهنة: نقابات وخبراء وأولياء وكل ذوي الاختصاص المعنيين بالمنظومة التربوية بهدف إعادة الاعتبار إلى الفعل التربوي أولا. وثانيا إلى إخراج المدرسة وإبعادها عن شرنقة السياسة بل عن المتاجرة ومنطق السجل التجاري . بطبيعة الحال هذا لن يرضي أولئك الذين ألفوا استغلال المنظومة المدرسية بمختلف أطوارها في "معاركهم" الانتخابية وتموقعهم في الساحة السياسية. هم ينظرون إلى المدرسة بمفهومها الواسع ككتلة انتخابية وأصوات توضع في الصناديق لترجيح الكفة لصالح هذا المرشح أو لذلك التنظيم أو لتلك الجمعية أو لذلك الحزب . تفطنت السيدة بن غبريط مبكرا لهذه الحسابات. وأغلقت باب "الطمع" في وجه هذه "الحرباوات الانتخابية". وقررت فصل المدرسة عن السياسة. أي جردتهم من سجلاتهم التجارية. موازاة لمرافعتها أن تعود المدرسة إلى أهلها وذلك بإبعاد "الدخلاء" عن التعليم والتربية من خلال إقرار الشهادات الجامعية والعودة إلى مدارس تكوين  الأساتذة. وإقرار المسابقات في التوظيف... اختيارات شجاعة لن ترضي بالتأكيد الذين حولوا المدرسة إلى ما يشبه المداجن الكبيرة والمزارع التي أبعدت المعلم عن وظيفته الأساسية كأسمى وظيفة في المجتمع وجعلته في آخر عربة من القطار رغم أنه الأنف وغيره الذنب. نعم كثيرون أولئك الذين لا يحملون من الشهادات إلا شهادة الميلاد اندسوا في التعليم بوسائل وطرق مشبوهة أفضت إلى نكبة المنظومة التربوية برمتها. وهذا التشخيص جاء أيضا على لسان القاضي الأول في البلاد رئيس الجمهورية. 

مخطئ من يعتقد أن الذين يتباكون على البكالوريا إنما يفعلون ذلك تعاطفا مع التلاميذ المترشحين ؟!. أو حتى حسرة على ما وصفوه بـ«الفضيحة". تسريب أسئلة البكالوريا وغير البكالوريا ليس جديدا في الجزائر وفي غير الجزائر. في 1967 تم تسريب سؤال في امتحان ما يعرف اليوم بالمتوسط . وتسريب الأسئلة في امتحانات البكالوريا ليس جديدا في الجزائر. لقد حدث في سنوات 1992 و2001 و2003 و2008 و2013 و2014 و2015. فلماذا لم يتحرك "حراس المعبد" في تلك السنوات ؟. بل في 1992 كان لهم موقفا مدافعا عن الوزير بن محمد !؟. سبحان مغير الأحوال ومبدل المواقف ؟!. كما أن " فضائح البكالوريا (التسريبات) سجلت في كل بقاع الدنيا. في فرنسا وإيطاليا والصين وفي المغرب وفي مصر وفي كوريا وفي إسبانيا وفي أثيوبيا قبل أسبوع . في كل هذه البلدان لم يبلغ عدد الممتحنين مليون مترشح كما هو الحال في الجزائر. ومع ذلك حصل ما حصل. في الجارة تونس عدد المترشحين الذين بدأوا أمس الأول امتحانات. البكالوريا لم يتجاوز 127 ألف مترشح أو ما يناهز ذلك بقليل  وحتى لا يتهمني أصحاب القراءات السطحية أو المغرضة أو هؤلاء الذين "تم تسريبهم هم أيضا إلى برلمان تحوم حول بعض نوابه كل الشبهات... " أو تم توظيفهم في جرائد لا تؤمن صحافييها الذين تملي عليهم ما يكتبون وما ينشرون. ولا تدفع حقوق الطبع والضرائب. حتى لا أتهم بأنني أبسط الأمر أو أقلل من شأن ما حدث من طرف من سلف ذكرهم وغيرهم ... أقول إن الأمر في ذهني وفي ما أريد قوله ليس على هذا الاتجاه. لكن أريد أن أوضح بأن ما حدث يمكن أن يحدث في أي مكان وفي أي زمان. لاسيما ونحن اليوم نتواصل بأحدث تكنولوجيات الاتصال. فلماذا يتم كل هذا التركيز والقصف على بن غبريط ؟ وعلى بن غبريط  فقط ؟!. هذا هو السؤال الجوهري الذي يجب طرحه ومحاولة فهمه.

 الحرب بدأت قبل .. الباك. فلماذا يفترون ؟!

الحرب على وزيرة التربية لم تبدأ مع تسريب أسئلة البكالوريا في مواد محددة وفي ولايات محددة أيضا. لو كانت كذلك ربما لقلنا إن الذين تحركوا فعلوا ذلك من باب دفاعهم عن "قيمة" البكالوريا وحرصا منهم على الحفاظ على هذا الاستحقاق التربوي الكبير. لكن جميع المتتبعين يذكرون أن هؤلاء الذين "ينوحون" اليوم على البكالوريا بدأوا حملاتهم منذ تعيين السيدة بن غبريط على رأس وزارة التربية. وهي وزارة سيادة ذات أهمية كبرى. بحثوا في مستواها التكويني والجامعي. ونبشوا في مشوارها الأكاديمي والبحثي. فلم يجدوا معرة واحدة. وصدمتهم شهاداتها وكفاءاتها. فأثاروا بمستوى منحط وبقذف يعكس انحطاطهم الأخلاقي والتربوي (بالمفهوم الشعبي طبعا) أنها من أصل يهودي (يا ليتها كانت كذلك. فلن يغير ذلك شيئا من تقديرنا لهذه الباحثة الكبيرة) ؟!. أعابوا عليها أنها غير متحجبة. هم يجهلون المعادن الخالصة. هم يجهلون أن جدها كان من مؤسسي مسجد باريس وأول إمام بهذا المسجد؟! . إن الجهلة يفعلون بأنفسهم ما لا يفعله العدو بعدوه. وقالوا أنها تعمل لصالح منظومة تغريبية وأن إصلاحاتها أمليت عليها من وراء البحر. وأنها تريد إلغاء مادة  التربية الإسلامية ووو ... ثم حاولوا افتعال أزمات طوال الموسم الدراسي لتعطيل الدراسة: إضراب المقتصدين والأسلاك المشتركة. ثم المتقاعدين ومسابقة المستخلفين... إلخ. لكنها فككت كل تلك الألغام والقنابل والفتائل بثبات المتمرسين وبأسلوب الشورى والحوار المفتوح مع كل النقابات . ففوتت على المتربصين بها فرص الإنقضاض. 

حمالات الحطب: لن تسقطوا بن غبريط 

إذا كنا نفهم تهافت "حمالات الحطب" والذين خسروا مواقعهم في فرض شروطهم على الوزيرة كما كانوا يفعلون مع سابقيها من وزراء التربية بتهديدهم بتحريك النقابات وإشعال الإضرابات فيجبرونهم على تعيين أو نقل المدير الفلاني أونقل التلميذ الفلاني ... إلخ. أقول أن هؤلاء اليوم  اصطدموا بغلق أبواب كانت مفتوحة أمامهم فيما مضى وأمام من هب ودب فأعلنوا عليها الحرب فيما تواصل هي إعلان الحب والحوار مع الجميع. لا يفوتنا هنا أن نشيد ونثمن مستوى الوعي الذي بلغته نقابات التربية. ولم تشهد النقابات التربوية منذ عديد السنوات مستوى من الكفاءة "النقابية" وفن إدارة الحوار مع الشريك الإداري كما هي عليه النقابات السبع بل العشر. كل هذا يدرج ويحسب لصالح نجاح الموسم الدراسي ولصالح تسجيل خطوات إلى الأمام في تحسين المستوى التعليمي والتربوي عموما. أعيد لأجدد القول إذا كنا نفهم هيجان هؤلاء فإنني في المقابل لا أفهم الصمت المطبق للآخرين بمن في ذلك الحكومة نفسها ؟!. لماذا تترك وزيرة التربية تواجه قصفا مشبوها من عدة أطراف جمعتهم "الفريسة" وفرقتهم الحسابات والمواقع والخلفيات والانتماءات إلى العصب والزمر والمدبرون في الداخل وفي الخارج؟!.

الوزيرة بحاجة إلى موقف صريح من زملائها في الحكومة. بل من الحكومة نفسها ومن أحزاب الموالاة الذين لم يدلوا بأي موقف مما تتعرض له أكفأ وزيرة تتولى حقيبة التربية ولو كره الكارهون . 

على السلطة أن تفرز صفوفها

حرية التعبير والرأي لا تعني نهش الأعراض . ولا تعني القذف والافتراء. وأن تكون صاحب قناة فضائية أو نائبا برلمانيا فهناك طرق يجب اتباعها للتعبير عن رأي مختلف . وليس التصرف دون سلطان فوق القانون. ثم لم نسمع أولئك الذين صدعوا رؤوسنا في دفاعهم عن وزيرة سابقة للثقافة ؟!. مؤسف ما تتعرض له السيدة بن غبريط – والجميع يتفرج – سلطة ومعارضة وإعلاما عموميا وخاصا؟! . بل بعضهم " يضحك " بعيدا عن الأضواء (...) ؟!. على الحكومة والسلطة أن تفرز صفوفها . وعلى المندسين أن يختاروا مواقعهم ومواقفهم بوضوح وعلانية. إما أن يكونوا أو لا يكونوا. عليهم أن يختاروا فلا توجد منزلة بين الجنة والنار.  

قبل بن غبريط تعرض وزراء ومسؤولون كثيرون لحملات "السحت والزقوم". ولهجمات السلفيين الجدد. ولحملات قراصنة السياسة والإعلام الذين يدسون رؤوسهم في رمال الحجاز ويتلذذون بنشرات الجزيرة . أويتظللون ببرج إيفل إن حوصرت تيقنتورين... 

لم نعد نفهم ازدواجية تعاملاتهم وتصريحاتهم؟!

ما لا أفهمه أن الذين "يحاصرون" بن غبريط  حاليا. ويطالبون بإقالتها دون انتظار ما ستسفر عنه التحقيقات الأمنية والقضائية ومن دار في فلكهم هم أنفسهم أيضا الذين أعلنوا الحرب على وزير الاتصال في السابق. وأن الذين يطالبون بـ "القضاء" على القطاع العام هؤلاء جميعا ينشطون بأموال الحكومة ويقتاتون من مداخيل المؤسسات العمومية ( لاناب ) ... لا يدفعون الضرائب ولا يصرحون بعمالهم لدى الضمان الاجتماعي .. ويدفعون صكوكا بدون رصيد (.... ) وينجحون في الانتخابات بسلطة "الشكارة" وسلطة العرش والولاء وحتى "الشيتة" ثم يحدثوننا اليوم  على حقوق الإنسان وما يجب فعله وما لا يجب ... ويقدمون لنا الدروس في الوطنية ؟! . يحدث ذلك فيما يشبه الصمت المتواطئ من طرف الذين يمنحونهم الدعم المالي بكل الوسائل والسبق الصحفي خلف الأبواب وبالخطوط الهاتفية المباشرة ثم يحاولون إقناعنا بأننا في خندق واحد ضد المفسدين والمنحرفين إعلاميا وسياسيا وحزبيا؟!. لم نعد نفهم ازدواجية تعاملاتهم وتصريحاتهم!؟.