الدكتور عادل زدام رئيس مكتب "أونو –سيدا" بالجزائر لـ " المساء":

الجزائر رائدة في مكافحة الإيدز و"الميتادون" سيخفف من عدد المدمنين

الجزائر رائدة في مكافحة الإيدز و"الميتادون" سيخفف من عدد المدمنين
  • القراءات: 2598
حاورته: أحلام محيي الدين حاورته: أحلام محيي الدين

أكد الدكتور عادل زدام رئيس مكتب "أونو- سيدا" بالجزائر في مقابلة مع "المساء"، "إنه بعد 35 سنة من ظهور الإيذر ومكافحته وصلنا إلى مفترق طرق القضاء عليه مع الحفاظ على الاستقرار الذي تعرفه الجزائر حاليا، والمتمثلة في 800 حالة سنويا"، مشيرا إلى العمل على تخفيض النسبة خلال السنوات القادمة، وفق المخطط الاستراتجي للجزائر 2016 -2020، الذي يهدف إلى الوصول إلى أقل من 500 إصابة جديدة بحلول 2030، من خلال الوصول إلى كلّ حاملي الفيروس ومنحهم العلاج.

أشار الدكتور زدام إلى أنّ الجزائر من أحسن الدول في التغطية العلاجية، إذ توفّر الأدوية لمرضاها وتغطي احتياجاتهم، حيث أشارت الإحصائيات إلى أنه خلال السنة الجارية وحتى 30 جوان 2017، تناول 10200 شخص الدواء. كما ستتواصل الحملات التحسيسية المكثفة بتكافل جهود كل القطاعات الوزارية والمجتمع المدني خلال السنة القادمة، مبشرا المرضى بميلاد علاج جديد للإيذر، يتمثل في حقنة كل ثلاثة أشهر فعالة جدا تقضي على مفعول الفيروس، ويمكن للمريض بعد أن يُحقن بها أن يتزوج وينجب بدون تعقيدات. 

39 مليون شخص قتله الإيدز منذ ظهوره

أكد الدكتور زدام صاحب مسيرة 25 سنة في محاربة الإيدز، أن اليوم العالمي للسيدا هذه السنة، يأتي في أجواء مميزة تسودها التطورات التي حدثت خلال سنوات من المكافحة، فكل الاستراتيجيات على المستوى العالمي، سمحت لهذا التطور أن يحصل، خاصة خلال السنوات الأخيرة، وهذه المؤشرات إيجابية، ويضرب الدكتور مثلا قائلا: "في جوان 2017 تم تسجيل 21 مليون شخص تناولوا العلاج مقارنة بـ 2010 التي كان بها 7 ملايين فقط، وهذا التطوّر ملحوظ بغرض حصول الأشخاص على العلاج، خاصة إذا عرفنا أنّ عدد الأشخاص المصابين بالإيدز على المستوى العالمي قُدّر في نهاية 2016  بـ 37 مليون شخص، علما أن عدد المصابين منذ ظهور المرض قُدر بحوالي 79 مليون تمّ انتقال الفيروس إليهم، ومات منهم 39  مليون شخص، مما يعني أن هذا المرض حصد الكثير من الأرواح، أي أكثر مما فعلته الحروب العالمية مجتمعة.

وفيما يخصّ عدد الإصابات الجديدة على المستوى العالمي في نهاية 2016، تم تسجيل 1.8 مليون إصابة جديدة، وهو انخفاض خفيف بحوالي 11 في المائة مقارنه بـ "2015.

الهدف.. أقل من 500 إصابة جديدة

فيما يخصّ الوضع الصحي في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، قال الدكتور إنّ عدد الإصابات وصل إلى 230 ألف إصابة، فمقارنة بـ 37 مليون هي نسبة ضئيلة، لكن الإشكال يتمثل في أن عدد الإصابات لم ينخفض بشمال إفريقيا والشرق الأوسط. وعرف في الجزائر منذ خمس سنوات، استقرارا في الإصابات الجديدة؛ أي بحوالي 800 إصابة جديدة، فمن 1 جانفي إلى 30 سبتمبر 2017 تم تسجيل 723 إصابة جديدة من طرف المخبر الوطني المرجعي لمعهد  باستور، الذي يمتلك صلاحيات تأكيد الإصابات.

وأرجع رئيس مكتب "أونو سيدا" هذا التراجع إلى جهود الدولة في مكافحة الإيدز؛ يقول: "بفضل الجهود المبذولة من طرف الدولة وكلّ الفاعلين على المستوى السياسي وخاصة وزارة الصحة، تمكنا من تجاوز مرحلة الخطورة. ونهدف ضمن المخطط الاستراتيجي 2016 -2020، إلى الوصول إلى أقل من 500 إصابة جديدة، وهو نفس الهدف المسطر على المستوى العالمي ضمن برنامج الأمم المتحدة".

الجزائر اعتمدت استراتجية الفحص والعلاج

أكد الدكتور زدام بلغة المتأسف أن الكثير من الأشخاص لا يهتمون بالفحص والتحاليل بعد التعرض لحادث أو إصابة أو فعل يجعلهم عرضة للإيدز، قال: "الناس لا يحتاطون بالذهاب إلى المختص للتشخيص بسبب نقص الوعي، وخشية الرفض والتهميش المجتمعي"، مضيفا أن حامل الفيروس لديه حاليا الحل والدواء فور تشخيص إصابته، فالجزائر اعتمدت استراتيجية جديدة وهي الفحص والعلاج مباشرة، فعندما تتأكد إصابة الفرد يمكنه تناول الدواء، وهو ما يسمح له بالعيش حياة عادية وبمعدل العمر العادي. كما يساعده الدواء على أن لا يصبح ناقلا للفيروس؛ لأنه يخفّض الفيروسات وينقص خطرها. وأشار الدكتور إلى أنّ منظمة الصحة العالمية اعتمدت هذه السنة شعار "صحتي حقي"، وهو ما يجب أن يحترمه مستخدمو الصحة، فحاملو الفيروس، كما أكّد المختص، لديهم الحق في الوصول إلى الرعاية والتكفل الصحي، وهو حق دستوري في الجزائر، وهناك إطار قانوني يكفله، فمريض الإيدز بحاجة لعلاجات أخرى، ومن حق الجمعيات الفاعلة في المجال متابعة المستخدم قانونيا إذا رفض علاج الشخص، إلا أنه غالبا ما يختفي المستخدم وراء تعطل الجهاز أو انعدامه لعدم التدخل، مضيفا أن أخذ كل الاحتياطات الوقائية من قبل المستخدم على غرار تعقيم الأدوات، يُعد من أبجديات العمل الصحي.

"اليد في اليد" شاركت في تغيير وجه السيدا

شكر ممثل "أونو- سيدا" الأسرة الإعلامية على مجهوداتها الكبيرة في التعريف بالداء، إذ أصبحت بفضلها المعلومات منتشرة  في المجتمع، وأصبح الحديث عنه بصفة عادية ككلّ الأمراض بعدما كان يكتسيه لسنوات نوع من الحشمة، ومكّن أيضا من المساعدة في التركيز على بعض الفئات من المجتمع للقضاء على انتقال الفيروس من الأم الحامل إلى الجنين، وتقبلها المجتمع كله، وهي ناجحة عندنا، فالأرقام الأخيرة تدل على أنّه خلال ست أشهر الأولى من 2017 سجّلت حوالي 11 إصابة جديدة فقط، وهذا يُعدّ نجاحا، وحبذا لو نصل إلى 0 إصابة جديدة. وأضاف الدكتور أنه يستوجب على الحوامل القيام بتحاليل فيروس فقدان المناعة المكتسبة، وهو ما يغفل عن طلبه الأطباء.وبفضل المتابعة الطبية الصحيحة سواء بإجراء التحاليل قبل الزواج أو بإجراء التحاليل خلال الحمل ومتابعته، فعندما تأخذ الحامل الدواء يمكن أن نتفادى الداء ونسبة النجاح تكون 100 بالمائة، حيث يعالج الطفل عند الولادة مباشرة، مشيرا إلى "الشعار الذي تبنّيناه منذ 3 سنوات من أجل جيل بدون سيدا، لنكسر سلسلة الانتقال".

وأضاف محدثتنا قائلا "من الناحية الإعلامية، نحن متفائلون بالعمل الإعلامي، خاصة المبادرة الكبيرة التي تقوم بها القناة الثالثة منذ 3 سنوات، وهي اليد في اليد، التي بدأت من باب التضامن مع الأشخاص المرضى الذين كانوا يعانون من الرفض والتمييز والتهميش، ثم أخذت طابعا توعويا إعلاميا من خلال مجموعة من الشباب والفنانين الذين يبعثون رسائل هادفة للشباب، فلكل فئة لغتها الخاصة التي يخاطب بها، وهي حملة مدعومة من كل وسائل الإعلام، وتعدّ ناجحة جدا، وعملت على كسر كلّ الحواجز وشاركت" اليد في اليد" في تغير وجه السيدا في الجزائر".

الجزائر رائدة في مكافحة السيدا

أشار المختص إلى أنّ للجزائر محطات تاريخية في مكافحة "الايدز" سمحت بالتقدّم، منها خطاب فخامة رئيس الجمهورية، خلال اليوم العالمي لمكافحة السيدا سنة 2003، والذي كان وراء القفزة النوعية في مجال المكافحة، حيث جعلت الجهود تنصب في العلاج وإخراج المرض من خانة الطابوهات، وكانت هناك  محطات أخرى مميزة على غرار الاجتماع الإقليمي للأشخاص  للمتعايشين مع السيدا في 2005، والذين قدموا من مختلف البلدان، ثم مبادرة  اليد باليد التي سجلت نفسها في تاريخ مكافحة السيدا بالجزائر وكذا عمل القطاع الحكومي ممثلا في وزارة الصحة في 98، حيث أدخلت العلاج الثلاثي وأصبح موجودا وبالمجان، فهذه المحطة أعطت الأمل للناس، ويواصل الدكتور بالقول "لابد أن نواصل العمل كلّ في مجاله من أجل المرافعة لجلب الدعم من رجال السياسة والفاعلين في المجتمع لمواصلة العمل، خاصة وأنّنا كمكتب للأمم المتحدة لدينا دعم كبير من السلطات الجزائرية التي نشكرها كثيرا وقمنا بتنظيم عدة اجتماعات إقليمية بالجزائر منها اجتماع رفيع المستوى للنساء الرائدات والايدز سنة 2014، في حين تم عقد اجتماع إقليمي من اجل الإسراع في الكشف عن السيدا سنة 2015، وكلها بدعم من الجزائر التي تعتبر رائدة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط في مكافحة الايدز وهذا ايجابي، فرغم وجود بعض الصعوبات والعوائق، تسعى الجزائر لتحقيق الاستقرار، فبداية الانخفاض أصعب مرحلة والهدف النهائي للتنمية المستديمة لـ2030 على المستوى العالمي، الذي تشارك فيه الجزائر، هو أن لا نترك أيّ شخص على الهامش.

"الميتادون" سيخفض عدد مستعملي الحقن المخدرة

وأكّد الدكتور زدام، أنّ الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الايدز، أعطت الأولوية للفئات المعرضة لأخذ نصيبها من الوقاية ووقاية غيرها في نفس الوقت، مثل المدمنين على المخدرات عن طريق الحقن، فهناك برنامج صحي مسطر لإدخال أدوية التوقف عن المخدرات التي تعالج بها الدول المتقدمة حاليا والمعروفة باسم "الميتادون"، فعند العلاج بها يمكن للمدمن أن لا يستعمل الحقن التي يتبادلها المدمنون، ومنه انتقال المرض عن طريق الدم، فبعض الأرقام تشير إلى أنّ نسبة المدمنين على المخدرات  3.4%  وفق مراكز التشخيص.

ونبّه المختص إلى أهمية التوعية حيال السلوكات الجنسية الخطيرة من خلال توعية الفئات الناشطة وإعلامها ومتابعتها ومصاحبتها إلى مراكز الكشف والعلاج مما يساعد في خفض عدد الإصابات.

الحقنة بدل الأقراص.. جديد الطب

وبشّر الدكتور المرضى بوجود علاج جديد أكثر تطوّرا وفعالية، مذكّرا بأنّ الدواء تطوّر مع السنوات، ففي بداية التسعينيات كان الأشخاص يعالجون بأدوية كانت بها مضاعفات صحية خطيرة، وفي بداية 2000 كان المريض يتناول 17 قرصا في اليوم، ويمرّ بظروف صعبة حيال طرق تناول الدواء، والآن أصبح المريض يأخذ قرصا واحدا في اليوم، وبأقل مضاعفات، وهو جدّ مرتاح من الناحية النفسية لأنه لا يتلقى أسئلة اجتماعية محرجة.

وفيما يخصّ التطوّر العلاجي قال "هناك تطوّر في الأشهر القادمة، فطريقة العلاج ستتم عن طريق حقنة لثلاثة أشهر بدون مضاعفات ثانوية، يمكن من خلالها للشخص المصاب العيش بصورة عادية خاصة وأنّ نسبة الفيروس في الدم ستكون ضعيفة وشبة مشلولة، مما يسمح للشخص بالزواج وإنجاب أطفال وإذا كانت شريكة حياته غير حاملة للفيروس، فلن ينقله لها، لكن لابد من المداومة على الدواء والتربية الصحية والعلاجية".

نحتاج لسلوك مدني

فيما يتعلّق المقولة الشائعة أنّ اللاجئين الأفارقة ينقلون السيدا، قال الدكتور زدام "نحن نصنّف اللاجئين في خانة الأشخاص المعرّضين للإصابة بسبب نوعية حياتهم، لأنّ النساء معرضات للاغتصاب والرجال يتعاطون المخدرات ولا يملكون وسائل الوقاية، لكن المهاجرين ليسوا سببا في انتشار السيدا بالجزائر فهذا مفهوم خاطئ وفيه تمييز، فالايدز عندنا محلي وينتقل بين الجزائريين، فعدد الأشخاص الذين يتناولون الأدوية في الجزائر هم 10219 شخصا تتراوح أعمارهم بين 24 و45 سنة، وهي أكثر الفئات العمرية إصابة من الرجال والنساء وحتى فوق 50 سنة، ولابد أن يفهم كلّ أفراد المجتمع أنّه يمكننا تفادي الايدز بالتوعية، فشخصيا أتعامل منذ 25 سنة مع مرضى السيدا ولست حاملا للفيروس وأتعامل مع المرضى بصورة عادية، فلابد أن يكن لدينا نوع من الوعي وسلوك مدني يحترم حقوق الإنسان".

نحتاح لمنهجية عالمية لمعرفة الأرقام

وعن المطلوب لمكافحة المرض، قال الدكتور زدام "نعمل مع الجزائر كدولة بكلّ مكوناتها من أجل الإسراع في الاستجابة للسيدا، بمعنى التركيز على بعض مكوّنات الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الايدز من خلال التركيز على الأرقام وفق منهجية عالمية متفق عليها، لمعرفة الأسباب الرئيسية لانتشاره وسط هذه الفئة مثل المدمنين، وهناك برنامج يتم تنفيذه من قبل وزارة الصحة بدعم من الصندوق العالمي لمكافحة السيدا و«اونو سيدا" برنامج الأمم المتحدة، من أجل الحصول على أحسن الأرقام والحالة الوبائية حيث يجب أن نركز الجهود، فلا يمكن أن نحلّل دم 40 مليون شخص، فتقني الأمر صعب ومنهجيا غير مقبول، ومن الناحية المالية مكلفة كثيرا، لكن لابد أن نقوم بوضع برامج مختصة وأن تقوم منظمات المجتمع المدني بدورها حيال الشباب خاصة، ولابدّ من ناحية أخرى أن يدمج بصفة نهائية التشخيص في أبجديات التكفّل الصحي".

وأشار الدكتور زدام، إلى أنّ هذا البرنامج الذي تنفذه وزارة الصحة ستشارك فيه باقي القطاعات  ومنظمات المجتمع المدني، ستنال دعم من أجل تعزيز قدراتها للتدخل والتوعية والتحسيس، فوزارة الشؤون الدينية تحضر لدليل سيوزّع على الأئمة والمرشدات، إلى جانب مشاركة وزارة الاتصال وكذا وزارة التعليم العالي ووزارة التربية والعمل معا من أجل الوصول إلى الأهداف المتفق عليها"، مؤكّدا أنّ ما ينتظرها هو عمل كبير، ويقول"لابد أن نبني على النجاحات التي حققناها لمواصلة جلب الدعم على المستوى العالي، ففي مجال مكافحة السيدا في إطار الحكم الراشد، الجزائر من الدول القليلة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط التي أنشأت لجنة وطنية لمكافحة السيدا بقرار تنفيذي من الوزير الأوّل، ثمّ  وضعت لجنة متكونة من الحكومة والمجتمع المدني، وقامت بإعداد المخطط الاستراتجي الوطني ونحن الآن في المخطط الرابع الذي يغطي 2016 -2020، وقد استفدنا من التمويل الذي قدمه الصندوق العالمي لدعم مكافحة السيدا وهو 4 في المائة من مجمل غلاف إستراتجية المخطط الوطني، وهو ما يجعلنا نسرع في الاستجابة للوصول إلى النتيجة" .