ساهمت في تسليح الثورة وتأسيس البحرية بعد الثورة

"الضفادع البشرية" شباب أرعبوا سفن الاستعمار الفرنسي

"الضفادع البشرية" شباب أرعبوا سفن الاستعمار الفرنسي
  • 1964
زولا سومر زولا سومر

خلف تكوين فرقة الضفادع البشرية المكلفة بمهمة الغطس في أعماق البحر لزرع الألغام وتدمير السفن الفرنسية إبان الثورة التحريرية صدمة نفسية، خلقت حالة من الرعب والهلع في أوساط السلطات الفرنسية وقوتها البحرية التي لم تكن تنتظر مثل هذه الضربات وظلت تعتقد أن سفنها حاملة الطائرات المجهزة بعتاد حربي قوي ستدمر الثورة ولا أحد يستطيع إيقافها. وأكد المجاهد عبد الرحمان صخري، عضو ما كان يسمى إبان الثورة "فرقة الضفادع البشرية"، أي رجال الغطس المكلفين بمهام حربية، أن هذه الفرقة التي كانت تتكون من 25 غطاسا منهم خمسة مكونين، اتخذت من القواعد البحرية للناظور وميلية بالمغرب وسواحل الغزوات بتلمسان مركزا لها للقيام بعمليات ضد السفن الفرنسية الحربية التي كانت ترسو بالمنطقة الغربية للبلاد.

وأضاف المجاهد خلال الندوة التي نظمها منتدى جريدة "المجاهد" أمس حول "فرقة الضفادع البشرية أثناء الثورة ودورها في تأسيس البحرية الوطنية" أن هذه الفرقة التي كانت تشتغل في سرية تامة، كان أبطالها شباب في مقتبل العمر قبلوا بهذه المهمة الصعبة التي كانت تشكل خطرا كبيرا على حياتهم لأنها تتمثل في زرع الألغام في أعماق البحر عندما يكون البحر هائجا وأمواجه عالية حتى لا يتفطن لهم أحد.

وضمت فرقة الضفادع البشرية في المرحلة الأولى سنة 1956 ثمانية أعضاء، شكلوا النواة الأولى لها وهم عثمان دمرجي، عبد الله دباغ، أحمد شيبان، يحيى رحال، مسعود بزة، شربال بن عمر، رشيد بن دريس وعبد القادر جوتي. وقد تم إنشاء هذه الفرقة، كما أكده عضوها المجاهد عبد الله دباغ خلال هذه الندوة بفكرة من الزعيم الثوري أحمد بن بلة الذي كان آنذاك متواجدا في القاهرة، وقرر القيام بعملية مبتكرة ضد السفن الفرنسية الراسية بميناء تولون وبرست بفرنسا وميناء المرسى الكبير بوهران. وأشار المتحدث إلى أن بن بلة استغل العلاقة الطيبة التي كانت تربطه بالرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وطلب منه استضافة شباب جزائريين للاستفادة من تدريب في القوات البحرية المصرية التي تدربت على يد البحرية البريطانية والإيطالية آنذاك.

وهو ما وافقت عليه الجهات المصرية، حيث تم بالفعل تجنيد تسعة متطوعين جزائريين منهم من كانوا يدرسون في القاهرة ومنهم من سفروا إليها بجوازات سفر مزورة من فرنسا وألمانيا.  واجتمع الشباب التسعة في القاهرة وليست لديهم أي فكرة عن سبب اجتماعهم، غير أنهم كانوا يدركون أن لقاءهم ببن بلة واللواء المصري فتحي الديب والدكتور هدام، كان من أجل خدمة وطنهم الذي كان يعيش ويلات الاستعمار.

وذكر المجاهد بأن بن بلة طرح على الشباب فكرته وخيرهم بين الدخول في مغامرتها أو العودة معززين مكرمين إلى ديارهم في حال الرفض، غير أن كل الشباب وقبل أن ينهي بن بلة كلامه "بصموا بالعشرة" كما يقال، على قبول الشرف، ووقّعوا ورقة أول رجال ضفادع في تاريخ الجزائر وتعهدوا بالعمل لإنجاح المهمة حتى ولو كلفهم الأمر التضحية بحياتهم.ودخل الشباب مباشرة بعد ذلك في تدريبات صارمة للقيام بعملية منظمة في عمق البحر لتدمير بواخر فرنسية من خلال سباحة ثلاث فرق، كل فرقة مكونة من زوجين، مهمتهم تلغيم أسفل بواخر العدو الفرنسي بقنابل موقوتة والعودة عن طريق السباحة إلى الشاطئ.

ومن جهته، تطرق المجاهد عثمان دمرجي، عضو هذه الفرقة إلى مساهمة فرقة الضفادع البشرية في تزويد الثورة بالأسلحة التي تمكنوا من إدخالها عبر الحدود واسترجاعها حتى في حال غرق قوارب الصيد البسيطة التي كانوا يهرّبونها على متنها، دون أن تتفطن لهم البحرية الفرنسية بالرغم من قوتها وعمليات المراقبة المكثفة التي كانت تقوم بها بالحدود البحرية الجزائرية. كما توقف المجاهد أحمد شيبان عند دور الفرقة في تكوين بقية الفرق التي ساهمت بدورها في تشكيل القوات البحرية الوطنية بعد الاستقلال خاصة فيما يتعلق بالاستطلاع الخاص والاستعلام والقيام بالعمليات المباشرة، بالإضافة إلى محاربة القرصنة البحرية وغيرها من المهام المختلطة. 

وكان لفرقة الضفادع البشرية الجزائرية أثناء العدوان الثلاثي على مصر دورا بطوليا أدهش الجميع عندما قامت القوات البحرية المصرية بتوزيع ألغام بحرية على طول الساحل الشرقي، قبل أن تدرك أنها قامت بخطإ استراتيجي كبير يتمثل في خطورة تلك الألغام على المصريين أنفسهم. فاجتمع قائد أركان الجيش المصري في قاعة كبيرة مع طلبة البحرية المصرية، وكان من بينهم الجزائريون التسعة المجندين من طرف بن بلة. وطرح قائد الأركان قضية الألغام على الحضور وفتح باب التطوع لمن يريد المشاركة في انتشال الألغام من البحر باعتبار أنها عملية خطيرة وغير محسوبة العواقب. و بعد لحظات من إنهاء كلمته لمح قائد الأركان تسعة أيادي مرفوعة في القاعة الكبيرة التي تضم مئات الضفادع البشرية المصرية، وطلب من الرجال التسعة التقدم، ليكتشف لاحقا أنهم جزائريين وليسوا مصريين تطوعوا وغامروا بحياتهم وتمكنوا ببراعة وثقة نادرة من انتشال كل الألغام المنتشرة في أعماق الساحل المصري.