حافظت على مبادئها الثابتة رغم التكالب على مراكز النفوذ وطغيان المصالح
الجزائر مرجع السلام وحاضنة الشعوب المضطهدة

- 384

تعد الجزائر من الدول القليلة التي مازالت تحافظ على مبادئها المناصرة لقيم السلم رغم التحوّلات الإقليمية والدولية التي تعرفها عديد مناطق العالم، في ظل طغيان التكالب على مراكز النفوذ، الذي خلّف الفوضى والنزاعات طويلة الأمد بتأثيراتها السلبية على الوضع الأمني الإقليمي، ما يجعل التحرّك من أجل تطويق الوضع أمرا حتميا في سياق رؤية استباقية تتبناها السياسة الخارجية للجزائر المتشبّعة بقيم بيان أول نوفمبر.
أضحى تمسّك الجزائر بمبادئها الثابتة كمن يجابه بقوة وثبات الأمواج المتلاطمة في بحر تحدق به المخاطر، التي تتحين ميل الفلك من أجل بسط قانونها الخاص، لكن صلابة السفينة التي تسير بثبات من أجل الوصول إلى وجهتها المقصودة ببوصلة لا تخطئ الهدف، أقوى بكثير من المتاريس التي وضعت من أجل تحويل اتجاهها.
وينطبق ذلك على السياسة الخارجية للجزائر التي حافظت على قيمها المتوارثة عن الثورة التحريرية المظفرة في الدفاع عن قيم السلم وحقّ الشعوب المضطهدة من أجل نيل استقلالها، بل أن مواقفها باتت تحظى بالكثير من الاحترام والتقدير من طرف القاصي قبل الداني، حيث تحظى مرافعاتها على مستوى مجلس الأمن الأممي بمناسبة شغلها مقعد غير دائم مثلا بالكثير من الإعجاب بالنظر لقوة وجرأة طرحها للملفات الراهنة وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
ويمكن أن نلمس هذا التقدير في ترحيب الولايات المتحدة بالتنسيق القائم بين الجزائر وتونس ومصر لتعزيز التهدئة في ليبيا، في إطار لقاء الثلاثية لدول الجوار والذي أسفرت نتائجه عن تطابق وجهات النظر حول العودة إلى الحوار وهي ذات الرؤية التي تتبناها الجزائر في معالجة الملف الليبي .
ورغم تعدّد الأجندات الأجنبية في المنطقة والتي لم تسلم من إرهاصات ما يحدث في دول الساحل، ما زاد في تأجيج الأوضاع، إلا أنّ الجزائر ظلت وفية لمبدأ تسبيق الخيار السلمي على العسكري والأهم من كل ذلك تشجيع الحوار بين الأطراف المعنية دون التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
فموثوقية الجزائر عزّزت من إجماع الأطراف المتنازعة التي لم تتوان في التأكيد على أنّ الجزائر تعد أفضل وسيط للإسهام في رأب الصدع، كونها تقف مع كل طرف على مسافة واحدة، فضلا عن إسهاماتها في حلّ عديد النزاعات التي تبعد عنها جغرافيا على غرار أزمة الرهائن الأمريكيين في إيران سنة 1981 والنزاع الإثيوبي الإريتيري سنة 2000، فضلا عن فض النزاعات التي عرفتها منطقة الساحل في عديد المرات وفق رؤية أمنية واستباقية.
ونذكر في هذا الصدد الوساطة الجزائرية لحلّ مشكلة الأزواد منذ 1991، حيث لم تتأخر الجزائر في الردّ على طلبات مالي والنيجر من أجل التدخل للتوسط لحلّ أزماتهما، ولم يتوقف دعمها عند الجانب المعنوي بل طال أيضا الشقّ المادي من خلال تقديم هبات إنسانية ودعم التنمية في منطقة الساحل، قناعة منها بأن الحفاظ على المؤسّسات الوطنية وتمكينها من أداء المسؤولية المنوطة بها لخدمة شعوبها تحقيقا لتطلعاتها، أولوية ثابتة لديها.
والأمر ذاته بالنسبة للقضية الصحراوية، حيث تحرص الجزائر على تشجيع الحوار بين طرفي النزاع من أجل تكريس الأمن والسلم في المنطقة وفق ما تقره لوائح منظمة الأمم المتحدة، في الوقت الذي يتملص فيه المخزن من التزاماته من خلال محاولته فرض أمر واقع مرفوض دوليا.
كما أنّ التزام الجزائر بتشجيع قيم السلم عبر العالم يبرز جليا في دورها في إرساء يوم دولي للعيش معا في سلام على مستوى منظمة الأمم المتحدة، ما يجعلها أفضل سفير للترويج لقيم السلم بعد تجربة مريرة عاشتها طيلة عشرية كاملة ونجحت في حقن الدماء عبر ميثاق السلم والمصالحة الوطنية.
ومازالت تتشبث الجزائر بهذه القيم التي تصدّرها إلى خارج حدودها، ما يخوّلها الحديث عن مختلف القضايا الدولية وقدرتها على قيادة عديد الملفات ذات الصلة بالسلام والأمن على غرار ملفات اليمن، والسودان وسوريا ولبنان وبدرجة أكبر القضية الفلسطينية، ما يجعل رصيدها الدبلوماسي الثري بإنجازاتها السلمية، كفيلا بغلق أفواه كل من يتجرأ على التشكيك في نواياها السلمية.
كما أنّ الجزائر التي تخوض معركة إحياء قيم السلم في عالم يتميز بالرأسمالية المتوحشة والتكالب على مصالح الغير، تعد حقّا مرجعا للسلام لعديد الدول المثقلة بالنزاعات والحروب الأهلية.