المخزن لن يصيب في تصدير أزماته وتحويل أوهامه إلى حقائق
الجزائر ليست المغرب.. ومواردها تكفل تماسكها

- 324

❊نظام المخزن يحاول تصدير أزماته الداخلية للخارج
❊المظالم الاجتماعية تغذي خيبة الأمل في المغرب
إن الدعوات إلى التظاهر في الجزائر المعلن عنها ليوم الجمعة 3 أكتوبر من طرف مجموعة تسمي نفسها "GenZ 213" والتي ضخمتها بعض وسائل الإعلام المغربية وكذا مجموعةGenZ 212" ، لا تندرج في إطار مطالب اجتماعية بحتة، بل تأتي ضمن استراتيجية سياسية ترمي إلى تصدير الأزمات المغربية للخارج ومحاولة النيل من تماسك الجبهة الداخلية الجزائرية.
يعاني المغرب من أزمة اجتماعية عميقة، حيث تشهد عدة مدن أسبوعيا مظاهرات شبابية تندّد بتفاقم الفقر، إلى جانب شدة الاحتقان الاجتماعي والتردي الاقتصادي المدوي. ويرفع المحتجون شعارات معبرة عن حالة استياء واسعة من قبيل "لا مونديال بدون مستشفيات" ، "خبز لا ملاعب"، "العدالة الاجتماعية قبل كرة القدم"، "التعليم والصحة لأطفالنا لا مليارات للفيفا". فهذا الرفض يستهدف مباشرة سياسة البذخ التي ينتهجها المخزن، الساعي إلى جعل تنظيم كأس العالم وكأس إفريقيا واجهة دولية، في وقت تطالب فيه الساكنة بضمان أبسط الخدمات الأساسية قبل كل شيء.
هذه الأصوات تعبر عن واقع صارخ يتمثل في التناقض الفادح بين استثمارات ضخمة في البنية التحتية الرياضية وبين البؤس الذي ينخر الحياة اليومية للمواطن المغربي، ففي الأحياء الشعبية تكافح عائلات كثيرة لتأمين وجبة كاملة في اليوم، بينما يعاني التعليم العمومي من قلة الموارد، اكتظاظ الأقسام وارتفاع معدلات التسرّب المدرسي، أما البطالة خصوصا في صفوف الشباب، فتغذي مشاعر الإقصاء والظلم.
وطالت الأزمة أيضا قطاع الصحة، حيث تتجلى الفوارق بوضوح، فالمستشفيات تفتقر إلى الأسرة والمعدات والكوادر المؤهّلة، ما يدفع الكثير من المغاربة نحو المصحات الخاصة باهظة الأسعار. وقد شهد الأسبوع الماضي فاجعة وفاة ثماني نساء داخل مستشفى للولادة أثناء انتظارهن لعملية قيصرية وهو حادث يكشف انهيار المنظومة الصحية العمومية.
هذه المظالم الاجتماعية، إلى جانب لهيب الأسعار وانسداد الآفاق أمام الشباب، تغذي الغضب وخيبة الأمل. كما أن رفض الشارع المغربي لاتفاقيات أبراهام الذي تفاقم مع المجازر الإسرائيلية في غزة، عمق الشرخ داخل المجتمع. وبدلا من مواجهة هذه الأزمات البنيوية، تفضل بعض الأبواق الإعلامية للمخزن تحويل الأنظار نحو الجزائر عبر تضخيم دعوات لا أساس لها، في محاولة لإيهام الرأي العام بأن سيناريو مماثل قد يحدث في الجزائر.
الجزائر دولة اجتماعية متماسكة
المقارنة بين البلدين مجانبة للصواب، لأن الجزائر على عكس جارتها، تعتمد نموذج الدولة الاجتماعية التي رغم التحديات، لا تزال توفر شبكات حماية قوية تتمثل في دعم شامل، مساعدات للأسر، رعاية صحية وتعليم مجانيان، كما أن هذه الآليات تشكل قاعدة للعدالة الاجتماعية وتحمي الفئات الهشة وتحد من الفقر. وتصنف الجزائر ضمن البلدان الأكثر تقدما في إفريقيا في مجال التنمية البشرية، حيث شهد الدخول المدرسي الأخير التحاق أكثر من 12 مليون تلميذ بمقاعد الدراسة، مستفيدين من الإطعام المدرسي والمجاني للجميع ومن الكتب الموزعة مجانا، في تجسيد واضح لسياسة توزيع عادلة. كما تبنت الجزائر سياسة طموحة لدعم الابتكار والشركات الناشئة، من خلال إنشاء صندوق وطني لتمويل المشاريع المبتكرة وفتح حاضنات أعمال، إلى جانب إعفاءات جبائية مشجعة، ما أتاح لعديد المواهب الشابة فضاء لتطوير أفكارها والمساهمة في تنويع الاقتصاد، فهذه المبادرات تعززها تظاهرات ومعارض ومسابقات وطنية، فضلا عن إطار قانوني حديث يعترف رسميا بوضعية مؤسّسات "الستارت آب ، مانحا الشباب منصة للإبداع والنمو.
أما قطاع الصحة، فما يزال مجانيا وشاملا، مدعوما بشبكة استشفائية واسعة وبناء هياكل حديثة وتكفل كامل بالأمراض الثقيلة، كما تواصل الجزائر تنفيذ برامج سكن اجتماعي واسعة، مكنت ملايين الأسر من الحصول على سكن لائق، بما يعزز الاستقرار الاجتماعي.
إن الدولة الاجتماعية في الجزائر ليست واجهة شكلية، بل حصن حقيقي ضد التهميش والفقر وضمان لتماسك الأمة. وهي مكاسب تميز الجزائر عن المغرب حيث تتفاقم الفوارق ويظل معظم الثروة محتكرا بيد أقلية ضيقة.
مواضيع مستوردة وخطرة
لا تقف استراتيجية التضليل عند حدود المطالب الاجتماعية، بل يجري ضخ مواضيع دخيلة على التقاليد والقيم المغاربية بهدف تشويش المرجعيات وصرف الشباب عن قضاياه الحقيقية. وتزداد خطورة هذه المحاولة لكونها تعتمد أدوات حديثة للتواصل تستهدف الشباب المترابط عبر الفضاء الرقمي. ومن بين ذلك أن جماعة "GenZ" وهي الأداة المستعملة في هذه الحملة، قامت بتحريف عالم الأنمي الياباني "وان بيس"، الذي لا يمت بصلة لواقع المنطقة المغاربية وجعلته رمزا لشعاراتها. فهذا الاختيار لم يكن بريئا، بل مقصودا لاستمالة الشباب عبر مرجعية ترفيهية شعبية، بغية تمرير أجندات سياسية خارجية.
إنها محاولة استعمار ذهني تهدف إلى زعزعة الهوية الثقافية للشباب المغاربي وقطع صلته بجذوره التاريخية والروحية وفرض نماذج مجتمعية دخيلة، تحت غطاء شعارات سلمية، حيث يدار مشروع لتجريد الهوية وضرب مقومات التماسك الاجتماعي الجزائري. وبهذه المناورات، يسعى المخزن وبعض أذرعه الإقليمية عبر تحركات يائسة إلى زعزعة استقرار أكثر بلدين تماسكا في المنطقة المغاربية وهما الجزائر وتونس لكن هذه المؤامرة لن تنطلي إذ أنها لا تعدو أن تكون مجرد محاولة لتعويض هشاشة الداخل المغربي عبر استهداف الجيران.
الجزائر واعية بتحدياتها، وتواجهها عبر مؤسّساتها ونموذجها الاجتماعي ووحدتها الوطنية، فالدعوات التي تطلق من الخارج، على غرار تلك المعلن عنها في 3 أكتوبر ليست حركة عفوية، بل محاولة مدسوسة لزعزعة الاستقرار. فوراء الشعارات والوسوم، تختبئ استراتيجية تفكيك. أما الردّ فيكمن في اليقظة في تعزيز الوحدة الوطنية وفي تطوير متواصل للنموذج الاجتماعي الجزائري. فالمخزن لن يصيب في تحويل أوهامه الى حقائق، لأن الجزائر ليست المغرب وهي تملك من الموارد السياسية والاجتماعية والتاريخية ما يكفل حماية تماسكها في وجه كل محاولات التدخّل الخارجي.