الباحثة والكاتبة الأردنية مارغو ملاتجليان لـ«المساء»:

نواجه خطرا يهدد اللغة العربية الفصحى

نواجه خطرا يهدد اللغة العربية الفصحى
  • القراءات: 1256
حاورتها: وردة زرقين حاورتها: وردة زرقين

تقول الباحثة والكاتبة الأردنية ومديرة مؤسسة الثقافة والتعليم، مارغو ملاتجليان، بأن أخطر ما تواجهه الأمة العربية في عصرنا هذا، ليس العولمة فقط بأبعادها ونتائجها، بل هو مرض الأمية الذي يستنزف بقوة الدول العربية ويبطئ نموها وينهك قدراتها البشرية والاقتصادية، مما يعني أنه لا يمكن أن يتم تحقيق النمو الاقتصادي والاستقرار السياسي، إلا بمحو الأمية والارتقاء بمستوى التعليم وترسيخ الثقافة والتعليم، وعن تحقيق المعرفة بالقراءة والكتابة في اللغة العربية الفصحى وتنميتها،  خاصة في مراحل الطفولة المبكرة من أجل المحافظة عليها، بالتالي المحافظة على هويتنا، وعن تعلم اللغة الثانية وكيفية تحسين وتطوير اللغة العربية. تحدثت «المساء» إلى السيدة مارغو ملاتجليان التي التقتها بعمان في المملكة الأردنية الهاشمية وكان هذا الحوار.

أولا ما هي المشاكل التي تواجه أطفال العرب في القراءة والكتابة باللغة الفصحى؟

❊❊ إن مشكلة المحافظة على مستوى اللغة العربية الفصحى واسعة الانتشار في العالم العربي، ومن النادر جدا أن نقرأ اليوم أو نسمع أية وثيقة باللغة العربية دون أن تواجهنا أخطاء اللغة العامية، بسبب الغزو الذي ألم بالفصحى من أشكال العامية المختلفة أو من اللغات الأخرى المحيطة بنا. وبعد دراسة معمقة لمناهج اللغة العربية المخصصة لمرحلتي الروضة والابتدائية، تبين أن الأسباب الرئيسية لصعوبة تعلم اللغة العربية السليمة في نظرنا هي نظام تعليم اللغة، خاصة منهجية تعليم اللغة ومستوى المعلمين غير المؤهلين وكذا الكتب غير الملائمة من حيث الشكل والمضمون، والتي لا تلبي احتياجات وخصوصيات الطفل العربي، وغيرها من المشكلات الأخرى. ومن المؤسف أن نرى قلة من الأبحاث في العالم العربي تركز على تقنيات وأساليب التعليم وعلى اهتمامات واحتياجات الطفل العربي، فبدلا من أن تكون مناهجنا مبنية على دراسات ميدانية وتربوية لتحديد أولويات واحتياجات وخصوصيات مجتمعاتنا العربية،  فهي في معظم الأحيان تبنى على مناهج دول أجنبية.

كيف تقيمين خبرة الأطفال العرب من فئة ما قبل المدرسة باللغة الفصحى؟

❊❊ لا شك في أن مشكلة الثنائية اللغوية في تعلم القراءة والكتابة بالعربية الفصحى تزداد صعوبة بشكل كبير، لأن قلة من الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة في العالم العربي يُقرأ لهم بالعربية الفصحى بانتظام، وفي حالة القراءة لهم يقوم معظم الكبار بترجمة الشكل السليم للغة الكتاب إلى الشكل العامي منها، ثم إن حرمان الأطفال من تجربة اللغة التي سيتعلمون القراءة والكتابة بها قبل أن يتعلموها في المدارس بشكل رسمي لهو أمر خطير للغاية، ولكي يتمكن الأطفال من القراءة بشكل سليم لا بد أن يكونوا على ألفة مع اللغة الفصحى بأصواتها وألفاظها وأنغامها وبنيتها.

وفي رأيك ما هو أفضل وقت لاكتساب هذا النوع من الألفة؟

❊❊ إن أفضل وقت لاكتساب هذا النوع من الألفة هو السنوات الأولى من حياة الطفل، حين يمكنه استيعاب اللغة وتعلمها، ثم إن الانتظار إلى المرحلة التي يدخل فيها الأطفال إلى المدرسة دون أن يتعرضوا للغة العربية الفصحى بشكل دائم ومنظم، قد يؤدي إلى صعوبة تعلم هذا الشكل من أشكال اللغة تماما، وعند تعلم المواد المنهجية الأخرى المكتوبة باللغة الفصحى، بما فيها تعلم لغة ثانية، وحين تختلف مبادئ تعلم اللغة الفصحى عن تعلم اللغة المحكية التي يتعلمها الأطفال منذ الولادة وبشكل طبيعي، تصبح عملية تعلم اللغة العربية الفصحى السليمة عملية معقدة وصعبة.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لا يواجه الطفل صعوبة في تعلم اللغة التي يسمعها من حوله، بينما يجد تعلم اللغة الفصحى معقدة وصعبة حين يدخل المدرسة؟

❊❊ إن الأطفال الذين يتعلمون القراءة والكتابة بسهولة في فترة مبكرة من أعمارهم، هم الذين ينشئون في بيوت تكون خبرة القراءة والكتابة فيها غنية، ولقد أثبتت الدراسات أن لهؤلاء الأطفال الاستعداد الكافي لتعلم القراءة والكتابة وامتلاكهم مهارات وأفكار أساسية عن اللغة المكتوبة وعن الكتب، مما يمكنهم أن يدركوا ما تقدمه لهم القراءة والكتابة من فائدة، هؤلاء الأطفال يدركون أهمية الكتاب والنص المطبوع وملامحه والمتعة المكتسبة من القراءة، فهم يستمرون في القراءة لمراحل لاحقة وسرعان ما يصبحون قراء متمكنين ومستقلين.

لماذا عادة القراءة غير متأصلة في مجتمعاتنا العربية؟

❊❊ إن عدم قراءة الآباء لأطفالهم في مراحل الطفولة المبكرة يعود إلى قناعتهم بأن تعلم القراءة والكتابة بالعربية الفصحى أمر صعب، بالإضافة إلى أنه يتطلب جهدا كبيرا من قبلهم ومن طرف أطفالهم الصغار. كما أن هؤلاء الآباء لم يقرأ لهم من قبل آبائهم حين كانوا أطفالا صغارا، لهذا لم يدركوا أو يشعروا بالمتعة التي تأتي من قراءة الكتب الجميلة في طفولتهم.

ماذا تقولين عن تعلم الأطفال العرب للغة ثانية؟

❊❊في معظم أقطار العالم العربي تفرض المناهج المدرسية تعلم الطلاب لغة ثانية، وغالبا ما تكون اللغة الإنجليزية أو الفرنسية، ويبدأ هذا التعلم في بعض الأحيان في سنوات ما قبل مرحلة المدرسة، إذا كان الأبوان قادران على استخدام اللغة الثانية بشيء من الثقة والطلاقة، أما الأطفال الذين يذهبون إلى مدارس خاصة في العالم العربي، فإنهم عادة يتعلمون  اللغة الثانية بعد دخولهم المدرسة، أما بالنسبة للأطفال الذين يلتحقون بالمدارس الحكومية، فإن تعلمهم اللغة الثانية يبدأ متأخرا.

في الواقع، تعلم اللغة الأولى ينطبق تماما على تعلم اللغة الثانية مع فارق هام، فقبل أن يبدأ الأطفال بتعلم أصول لغة ثانية يجب أن يصلوا أولا وقبل كل شيء إلى مرحلة متقدمة تمكنهم من لغتهم الأولى بكل أبعادها، وهذا لا يعني أبدا أنهم يجب ألا يتعرضوا لخبرة اللغة الثانية أو الثالثة في مراحل مبكرة من حياتهم، بل إنها تعني أنه يجب ألا نشدد كثيرا عليها، والدراسات الحديثة تؤكد على أنه كلما بدأ الطفل بتعلم اللغة في مرحلة مبكرة كان ذلك أفضل، طالما أنه تم تعلم اللغة الأولى. أما إذا تأخر تعلّم اللغة الثانية إلى مرحلة متقدمة كثيرا من الطفولة، فإن تعلم اللغة يصبح أصعب.        

كيف نحسن ونطور طرق تعلم القراءة والكتابة؟

❊❊ كي نساهم في رفع مستوى التعليم والقضاء على الأمية، لابد من اتخاذ إجراءات جذرية لتعديل شروط تعلم القراءة والكتابة السائدة في مؤسساتنا التعليمية. وبالرغم من أن هذه التغييرات يصعب إنجازها في فترة قصيرة، فإن هذا لا يجب أن يعوقنا عن العمل على مستوى المؤسسات الرسمية أو المؤسسات الأهلية، فنحن بالفعل نواجه خطرا يهدد اللغة العربية الفصحى من حيث أنها وسيلة اتصال عامة في عالمنا العربي، فإذا لم نتخذ خطوات فعالة لإيقاف الغزو الشامل الذي تشنه اللهجات العامية والعولمة وما تفرضه من مصطلحات أجنبية على اللغة الفصحى، فلن يمضي وقت طويل قبل أن يصبح استخدام اللغة العربية الفصحى بشكلها الكلاسيكي الخالص، مقصورا على رجال الدين والباحثين في القراءة والكتابة والطبقة المثقفة العليا من المجتمعات العربية. إن التغيرات الحاصلة في أية لغة لا يمكن أن تتوقف عن طريق توجيه مستعمليها إلى أن يكفوا عن استعمال تلك التغييرات في حياتهم اليومية، ثم إن توجيه مستخدمي اللغة لذلك لن يؤدي إلى إحداث التغيير لأنه يتم بتحديد الأسباب الحقيقية والقضاء عليها عن طريق إيجاد البدائل الفعالة والواقعية.         

كيف نجعل الأطفال قراء مدى الحياة؟

❊❊ أن تعمل المؤسسات المتخصصة والجامعات على تحديث اللغة العربية وترجمة المصطلحات والمفردات الأجنبية إلى اللغة العربية الفصحى، العمل على استبدال طرق تعليم اللغة العربية السائدة في المدارس وتطوير المناهج، بالإضافة إلى تأهيل المعلمين وتثقيفهم بشكل دائم ومنظم، خاصة في مجال تطوير وتنمية القراءة، وضع خطة لتزويد الأطفال بالمادة المناسبة وتشجيع المؤلفين العرب ودعمهم، مع تشجيع الترجمة إلى اللغة العربية لمؤلفات منتقاة من لغات أخرى، توفير مكتبات عامّة وخاصة ومدرسية على نطاق واسع يوظف فيها أمناء مكتبات مؤهلون تأهيلا عاليا، إلى جانب توفير ميزانية كافية لتطوير مراكز أبحاث تعلم القراءة والكتابة في الجامعات وفي جميع الأقطار العربية، مع خلق شبكة من العلماء المختصين في برامج البحث المتعلقة بتطوير القراءة والكتابة.