بشير درايس مخرج فيلم بن مهدي لـ«المساء»:

الجزائر مطالبة بإنتاج أكبر قدر من الأفلام التاريخية لحفظ الذاكرة

الجزائر مطالبة بإنتاج أكبر قدر من الأفلام التاريخية لحفظ الذاكرة
  • القراءات: 625
❊حاروه: زبير.ز ❊حاروه: زبير.ز

cيرى المخرج السينمائي بشير درايس أن الجزائر مطالبة بإنتاج عدد كبير من الأفلام التاريخية التي من شأنها أن تحافظ على الذاكرة، وتعرّف الجيل الجديد بتضحيات وبطولات أسلافهم، حيث تطرق في هذه الدردشة مع جريدة «المساء»، على هامش استضافته مؤخرا بقسنطينة من طرف مجموعة من المثقفين، إلى بعض جوانب الفيلم التاريخي الذي أخرجه حول البطل الشهيد العربي بن مهيدي.

كيف جاءتكم فكرة إخراج فيلم حول شخصية الشهيد العربي بن مهيدي؟ 

❊❊ وضعت خبرة 30 سنة من الإخراج لصنع فيلم يليق بشخصية العربي بن مهيدي، تدور وقائعه في مدة ساعتين و42 دقيقة. واضطرتنا ظروف العمل إلى السفر إلى تونس لتصوير بعض المشاهد بسبب غياب استديوهات في المستوى المطلوب بالجزائر. وأظن أنه بعد 54 سنة من الاستقلال، لم ننتج فليما واحدا عن بن مهيدي، الذي يعد أحد أبطال الثورة التحريرية، ويجب على الجزائريين، خاصة من الجيل الجديد، أن يعرفوا تضحيات هذا البطل الذي ضيّع دراسته وحياته وتضحيات زملائه، حتى يعرفوا بأن الاستقلال لم يأت بسهولة. أما فكرة الفيلم، فقد ترسخت في ذهني عندما التقيت بالصدفة، بخياط حدثني كثيرا عن الشهيد العربي بن مهيدي. وهنا قررت إنتاج فيلم ليس كبقية الأفلام الثورية التي أنتجت من قبل، والتي كانت تصور الثورة على أنها صراع دموي وفقط.

كم استغرقت مدة تصوير الفيلم وكيف تم اختيار الممثلين؟

❊❊ عملنا طيلة 20 أسبوعا على تصوير أحداث فيلم العربي بن مهيدي عبر عدد مختلف من ولايات الوطن، وحتى خارجه. وقد استعنا بـ5 كتّاب سيناريو، منهم 3 أجانب، وكان هناك عمل كبير من أجل اختيار شخصيات هذا العمل السينمائي، حيث حتم علينا الأمر إجراء الاختبار لحوالي 5 آلاف وجه فني، قبل اختيار ممثلي الفيلم. كما أن عملية انتقاء البطل الرئيسي للفيلم خضعت لمعايير ومقاييس وضعناها مسبقا، واقترح البعض جلب البطل من خارج الوطن، وفي الأخير فضلنا الوجوه المحلية، حيث تنافس 5 ممثلين على دور البطولة، قبل أن يقع الاختيار على الممثل خالد بن عيسى.

ما هي أهم الصعوبات التي واجهتكم؟

❊❊ أظن أن أهم الصعوبات التي واجهتنا، وفي المرتبة الأولى، هي قضية جمع المعلومات التاريخية عن البطل العربي بن مهيدي، واجهتنا العديد من الصعوبات في تسجيل المادة العلمية، حيث كنا نبحث عن المعلومة الصحيحة والأقرب للحقيقة في كل تفاصيل الفيلم. استنجدنا بالأرشيف في الجزائر وحتى في فرنسا، وواجهنا مشكلا آخر يتمثل في  التمويل والحصول على الأموال من أجل تقديم عمل في المستوى. أما من الجانب التقني، فواجهتنا بعض المشاكل في إعادة بناء الديكور الخاص بتلك الحقبة، وحتى البدلات والملابس الخاصة بتلك السنوات في الحقبة الممتدة بين ثلاثينيات وأربعينيات إلى خمسينيات القرن الماضي.

بالعودة إلى المعلومات المستقاة، ما هي أهم المصادر التي اعتمدتم عليها من أجل بناء الفيلم؟

❊❊ طرقنا كل الأبواب التي رأينا أنها ذات فائدة، ولم يكن العمل سهلا، حيث جمعنا شهادات حية من أشخاص عايشوا المرحلة واحتكوا بأبطال الفيلم الحقيقيين، تقربنا من الأشخاص الذين عرفوا بن مهيدي وعاشوا معه فترة من حياته، إلى جانب أصدقائه الذين يعرفونه جيدا، على غرار السيد طرودي والطيب الثعالبي. كما استشرنا المؤرخين من الجزائر وفرنسا وعدنا إلى أرشيف ومذكرات ضباط فرنسا، على غرار أوساريس وآلان.

بسبب هذه الصعوبات، هل تفكرون مرة أخرى في خوض مثل هذا التجربة؟

❊❊ أنا لم أندم شخصيا عن خوض هذه التجربة لإخراج أفلام تاريخية، رغم الصعوبات الكثيرة التي واجهناها في إخراج هذا الفيلم للمشاهد في شكله الحالي. وأرى أنه يجب التضحية ومواجهة المشاكل حتى نتمكّن من إعداد أعمال في هذا الجانب التاريخي، الذي يروي ويؤرخ لبطولات رجال ضحوا بأعز ما يملكون لتحرير الجزائر. أظن أن السينما صعبة في العالم كله ولا يقتصر الأمر على الجزائر فقط، لذلك وجب تحمل الصعوبات والمشاكل من أجل صناعة الأفلام، خاصة إذا كانت أفلام تتعلق بشخصيات مهمة في تاريخ الجزائر الحديث، على غرار شخصية بن مهيدي.

هل أنتم مستعدون لتقبّل الانتقادات بعد عرض الفيلم على المختصين والنقاد؟

❊❊ بطبيعة الحال، أظن أن الفيلم التاريخي الذي لا يخلق جدلا في الوسط الفني والثقافي، ولا يكون محور نقاش، لا يستحق أن يكون فيلما. أظن أنني اجتهدت بالقدر الكافي من أجل وضع سيناريو يليق بشخصية الشهيد العربي بن مهيدي، وكنت صادقا في هذا الفيلم إلى أبعد درجة، بعدما استعنت بالمؤرخين وأصدقاء الشهيد.

ألم تخش أن يطغى الجانب الوثائقي على هذا العمل الفني؟

❊❊ أظن أننا عملنا وفق المعايير المعمول بها عالميا من أجل صناعة فيلم سينمائي، وأظن أن المشاهد في الأخير هو الذي يمكنه الحكم على هذا العمل الذي أرى فيه، وحسب تقنيات صناعة الأفلام، أقرب إلى الفيلم السينمائي من العمل الوثائقي.

من خلال احتكاككم بشخصية الشهيد العربي بن مهيدي في الفيلم، ماذا تركت فيكم هذه الشخصية؟

❊❊ أظن أن شخصية الشهيد العربي بن مهيدي، أثرت في كل الجزائريين، وحتى الفرنسيون أنفسهم تأثروا بهذه الشخصية الرائعة التي أعتبرها شخصيا، شخصية مثلى ووجب الاقتداء بها من طرف الجزائريين. هو رجل ذكي، له شخصية قوية، يستطيع إقناع الآخرين وكان ذو نظرة ثاقبة، لديه فلسفة رائعة ونحن كجزائريين نفتخر به وبأعماله البطولية التي ساهمت في تحرير الجزائر من الاستعمار.

لو نعود إلى واقع السينما الجزائرية، كيف ترون قضية إنتاج أفلام سينمائية دون وجود قاعات سينما لعرضها؟

❊❊ ربما من خلال إنتاج أفلام كثيرة تكون جملية وناجحة، تضطر السلطات المعنية إلى التفكير الجدي في حل هذا المشكل الخاص بالقاعات السينمائية، وحتى ضغط الجمهور ربما يكون لديه وقع على أصحاب القرار، أظن أنه لو توقفنا عن إنتاج الأفلام السينمائية في انتظار فتح قاعات السينما، لن نصنع أي فيلم مستقبلا. كما أن هذه الأفلام يمكن أن تعرض عبر قنوات التلفزيون، حيث يمكن لـ40 مليون جزائري مشاهدتها.

لكن الأفلام العالمية تعتمد على عرض دور السينما لتحقيق المداخيل على غرار ما يحدث في أمريكا.

❊❊ طبعا، بالنسبة للأفلام التجارية، لكن في هذا الجانب من أفلام الذاكرة، لا تهم المداخيل ولا يهم الجانب المالي، بقدر ما تهم المحافظة على تاريخ وذاكرة الوطن، ونحن مطالبون بإنجاز أفلام أكثر عن بن مهيدي وعن أبطال المقاومة ورموز الوطن، لأنه من الواجب علينا التعريف بهذه الشخصيات التي يجعلها الجيل الحالي من الجزائريين، ومن جانب التمويل في هذه الأفلام الوطنية، تساهم وزارة الثقافية في الميزانية لهذه الأعمال الفنية.

ماذا عن تسويق هذا الفيلم؟

❊❊ ننتظر الطبعة النهائية بعد التنقيح والتعديل، حيث من المنتظر أن يعرض الفيلم على مختصين ومؤرخين، يمكن أن يتم تعديل بعض الأمور، ثم سنفكر في التسويق. وأقول لكم بأن هناك بعض المؤسسات المهتمة بتسويق هذا الفيلم داخل الوطن وحتى بالخارج.