الاتزان والحوار نهج الدبلوماسية الجزائرية

الاتزان والحوار نهج الدبلوماسية الجزائرية
  • 624
مليكة. خ مليكة. خ

في خضم التعقيدات التي مازالت تعرفها منطقة الخليج بعد إعلان المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة ومصر قطع علاقاتها مع قطر، اتسم موقف الجزائر بالكثير من الاتزان من خلال دعوة البلدان المعنية إلى الالتزام بمبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام سيادتها في جميع الظروف، آملة في تسوية الخلافات في أسرع وقت حتى لا يؤثر ذلك على العلاقات بين الدول.

 موقف الجزائر جاء مخالفا للكثير من مواقف الدول التي سارعت إلى اتخاذ موقف منحاز لطرف على حساب آخر، بل أبدت الكثير من الحكمة في التعاطي مع الموقف المعقد بالدعوة إلى الحوار والحفاظ على الصف العربي، باعتبار ذلك من المبادئ الثابتة في السياسة الخارجية للجزائر. الجزائر دأبت في هذا السياق على المرافعة من اجل الحوار كنهج وحيد في حل النزاعات والمشاحنات الطارئة التي قد تنشا بشكل طبيعي بين الدول، قناعة منها بأنه لا يمكن في أي حال من الأحوال العيش في صدامات سياسية، أضرارها أكثر من منافعها لا سيما في أجواء إقليمية يطغى عليها التحدي الأمني بامتياز في ظل تنامي نشاط التنظيم الإرهابي المسمى «داعش» مع سرعة تغلغله في أي بقعة من العالم في ظرف قياسي. مواقف الجزائر كثيرا ما أثارت تحفظ بعض الدول العربية، من منطلق أنها ترفض تأجيج الخلافات وتعقيد الأوضاع التي قد تنعكس بالسلب على الواقع العربي المتردي، مثلما كان الأمر مع أزمة اليمن برفض الجزائر الانضمام إلى التحالف العربي العسكري، في إطار ما يسمى بعاصفة الحزم، من منطلق أن دستورها يمنع مشاركة قواتها العسكرية خارج الحدود، كما أن سياستها الخارجية تتمسك باحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤون الغير، علاوة على استبعاد الحل العسكري في حل النزاعات. هو الموقف الذي عبرت عنه بخصوص أزمة ليبيا عندما عارضت منذ البداية التدخل العسكري في هذا البلد، ولا تزال كذلك بعد أن زاد هذا التدخل في تعقيد الأمور، من خلال انتشار الأسلحة غير الشرعية والتطاحن بين الفرقاء، مما أدخل المنطقة في دوامة من العنف انعكست على باقي دول الجوار مثل مالي التي لعبت فيها الجزائر دورا بارزا في حلحلة الأزمة بإبرام اتفاق الجزائر. ويمكن القول أن القوى المتورطة في الأزمة الليبية باتت تتشبث بالحل السياسي بعد أن أقرت بفشل التدخل العسكري، الذي أفرز تعقيدات قد تمتد إلى العقود القادمة، في وقت ترافع فيه الجزائر من أجل أن يسهم الليبيون أنفسهم في إيجاد حل دائم شامل لأزمتهم. كما أن رفض الجزائر مجاراة المواقف العربية بخصوص الأزمة السورية لم يلق الترحيب الكافي، كونها تعتبر الحل السياسي ركيزة أساسية للتوصل إلى حل توافقي، وعارضت في هذا الصدد تجميد عضوية دمشق في الجامعة العربية. غير أن الدول العربية سرعان ما أعادت حساباتها في ظل التحديات الأمنية التي تعرفها المنطقة وتأثيراتها على استقرار وأمن المنطقة التي تعيش على صفيح ساخن، وأقرت بأهمية الحل السياسي كأداة ضرورية في تسوية النزاعات وفق رؤى جيو إستراتيجية. الجزائر سبق لها أن تمسكت بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول خلال الاضطرابات التي عرفتها بعض الدول العربية في إطار ما سمي بالربيع العربي، مؤكدة احترام إرادة الشعوب في اختيار مصائرها. مثلما كان الحال مع تونس ومصر. مواقف الجزائر في حل الخلافات بين الدول يعد تقليدا قديما تمرست عليه الدبلوماسية الجزائرية منذ الاستقلال، ونذكر على سبيل المثال دورها الكبير في تحرير الرهائن الأمريكيين بطهران سنة 1979، وتسوية النزاع الإثيوبي الاريتري سنة 2000، فضلا عن جهود دبلوماسييها الدوليين على مستوى المنظمات الدولية الذين أدوا أدوارا هامة، مثلما هو الحال مع الدبلوماسي المخضرم الأخضر الإبراهيمي الذي خاض مفاوضات تسوية الأزمة اللبنانية في إطار اتفاق الطائف سنة 1989.