عميد كلية الآداب واللغات بجامعة العفرون الدكتور خليفة قرطي لـ"المساء":
يجب التحرك لإيجاد بدائل أمام انجذاب الشباب لروايات الفنتازيا
- 146
حاورته: لطيفة داريب
❊ المقروئية في الجامعة ضعيفة والكتاب الورقي ما زال صامدا
تحدث عميد كلية الآداب واللغات، الدكتور خليفة قرطي، في حوار خص به "المساء" على هامش مشاركته في معرض الجزائر الدولي للكتاب الذي اختتم، أول أمس، عن أعماله الإبداعية وبالأخص روايته التي صدرت في طبعتها الجزائرية عن دار خيال بعنوان "الرجل والنهر" وكذا عن واقع المقروئية في الجامعة ومسؤولية المكلفين بشؤون الثقافة والدولة في إيجاد بدائل قوية لانجذاب الناشئة لروايات الفنتازيا.
❊ للدكتور خليفة قرطي مجموعة من الإصدارات الابداعية، حدثنا عنها؟
❊ في جعبتي ثلاث روايات ومجموعة قصصية. مساري الإبداعي انطلق في الثمانينات بكتابة القصة القصيرة وكنت قد نشرت أعمالي القصصية في الجرائد الوطنية مثل "الشعب" و"المساء" و"الأضواء" و"السلام" وكذا في بعض المجلاّت العربية. أما الكتابة الروائية فقد بدأتها عام 1987، عندما كتبت أول نص روائي بعنوان: "تماسيح المدن المنسية" ونشرته عام 1992، بعدها نشرت مجموعة قصصية عنوانها: "الحطام" تضم عشر قصص قصيرة، ثم في 2024، أصدرت رواية "أسرار المخطوط 24" وكنت قبلها نشرت بعمان (الأردن) روايتي الثانية بعنوان: "الرجل والنهر" والتي أعدت طبعها هذه المرة في دار نشر جزائرية "دار خيال" تضم مجموعة من الأحداث متعلقة بالطفولة وعالم الحلم. بالإضافة الى المسار الابداعي، لدي مسار أكاديمي يخص علاقتي بالجامعة وتدريسي بها وكذا البحوث الجامعية، بدءا من رسالة الماجيستار عام 1995 والتي كانت حول موضوع "المدينة في الرواية الجزائرية" وانتهاء برسالة دكتوراة دولة عام 2010 حول " المرجعيات التراثية في الرواية العربية"، فبحوثي الأكاديمية تدور كلها حول الأعمال السردية، لأن الكتابة الابداعية تستهويني دائما ، قد أغيب لفترة عن الكتابة لكنني أعود اليها بشغف ومحبة.
بحوثي الأكاديمية تدور كلها حول الأعمال السردية، لأن الكتابة الابداعية تستهويني دائما
❊ هل تعتبر الكتابة الإبداعية، محطة استراحة من متطلبات الوظيفة الأكاديمية ؟
❊ الكتابة الإبداعية لاسيما الروائية منها، هي محطة للاستراحة وتفريغ الشحنات الناتجة عن الحياة اليومية والمشاهد التي تتكرر عندنا أو في العالم، فتراكم الأفكار والأحاسيس والمواقف الإيجابية والسلبية يفضي في نهاية الأمر الى التفكير في إفراغ هذه الشحنات في نص روائي قد يستغرق كتابته مدة زمنية قصيرة أو طويلة، مثلا روايتي "أسرار مخطوط 24" كتبتها في أقل من شهر، لأن الأفكار كانت موجودة من قبل وكات الرواية مرتبة في ذهني بموضوعها وشخصياتها وأمكنتها، وهناك من النصوص من يستغرق أكثر من ذلك، أشهر أو حتى سنوات، وهذا حسب ظروف الكاتب وما يمليه النص الذي قد يحتاج الى بحث مستمر وتعمق من الكاتب.
روايتي "الرجل والنهر" فيها جانب من السيرة الذاتية
❊ ماذا عن روايتك "الرجل والنهر "التي شاركت بها في "سيلا 2025"؟
❊ رواية "الرجل والنهر" في طبعتها الثانية تحكي عن تجربة لا أدري إن كانت تتعلق بالسيرة الذاتية، فقد كتبتها عن الطفولة وعالم الحلم خاصة إذا كانت الطفولة شقية يعاني فيها الطفل الكثير من الحرمان والضغوط الاجتماعية والعائلية، فيحلم الطفل الذي يعيش ظروفا صعبة، بمستقبل أفضل وبأن تتغير حياته وأن ينتقل الى واقع أحسن فهدفه بسيط يتمثل في تحسين ظروف حياته الأسرية والاجتماعية.
الطلاب الجامعيون وحتى بعض الأساتذة الجامعيون لا يقرؤون
❊ هي رواية عن طفولتك وحياتك، أليس كذلك؟
❊ يمكن القول إن فيها جانبا من السيرة الذاتية لكن فيها أيضا الكثير من الخيال، فالخيال في الرواية شيء طبيعي لأنه لا يمكننا كتابة نص انطلاقا من الواقع فقط لأننا نتعامل مع نص تخييلي ابداعي، لا بد أن يكون للخيال مساحة كبيرة وأن يكون هو الفضاء الذي يحتوي النص بشخوصه وأمكنته ولعبته الزمنية، لأن في كل عل روائي هناك لعبة زمنية.
❊ ربما لجأت الى الخيال أيضا بغية اخفاء بعض تفاصيل حياتك؟
❊ صحيح، لا يمكن لأي كاتب مهما كان يدعي أنه يكتب سيرته الذاتية أن يقول كل شيء عن حياته، فهو دائما ما يعمد على اخفاء خصوصياته وهذا من حقه، إذ أنها تتعلق بحياته الشخصية ولا يمكنه ابراز كل شيء، لكن هناك ملامح للسيرة الذاتية في الرواية.
أنا من الذين يتفاءلون بأن الكتاب الورقي لا يمكنه أن تنتهي أيامه، والدليل على ذلك الحضور القوي للقراء طيلة أيام معرض الكتاب وتزايد عدد دور النشر
❊ بحكم أنك عميد كلية الآداب واللغات بجامعة العفرون، كيف تقيّم واقع المقروئية لدى الطلبة؟
❊ الطالب الجامعي لا يقرأ كثيرا والذين يقرؤون قلة قليلة، حتى البحوث التي ينجزها الطلبة لا يعتمدون في أغلبهم على قراءاتهم وانما على قراءات سابقة، فعندما تكلّف طالب أو هو يقترح انجاز بحث حول عمل روائي، قليل منه من يقرأ هذا العمل ويستنبط منه ما يمكن استنباطه بل لا يذهب الى المصدر مباشرة، فيستعين بقراءات ودراسات سابقة من دون أن يلامس النص في الواقع، بيد أن جوهر العمل النقدي والدراسة الأكاديمية يجب أن تنطلق من النص فإذا لم يقرأ هذا الطالب النص لا يمكن أن يسقط عليه آراءه وانطباعاته وموقفه النقدي. وهنا أتحدث عن المقروئية في الجامعة الجزائرية وليس في كلية الآداب واللغات فقط. أزيدك شيئا، بعض أساتذتنا لا يقرؤون مع الأسف الشديد، ربما يكتفون بالوظيفة بغض النظر على السعي الى تطوير المعارف.
مواقع التواصل الاجتماعي لا أقول إنها بديلة عن الإعلام لكنها منافسة له.
❊ هل يسهم الكتاب الرقمي في تشجيع المقروئية أم في تراجعها ؟
❊ هناك مخاوف من تأثير الرقمنة أو الكتاب الرقمي على الكتاب الورقي. أنا من الذين يتفاءلون بأن الكتاب الورقي لا يمكنه أن تنتهي أيامه، والدليل على ذلك الحضور القوي للقراء طيلة أيام المعرض وكذا ارتفاع دور النشر المشاركة مقارنة بالطبعة الماضية، مما يدل على وجود مؤسسات تهتم بطباعة الكتاب ونشره، لهذا لا يمكن للكتاب أن يموت بمجرد أن يظهر الكتاب الرقمي وعلى القارئ أن يختار ما يناسبه، فمن شاء استخدام الكتاب الرقمي فله ذلك ومن كان الكتاب الورقي متوفر أمامه فيمكن استخدامه. أرى عدم توفر تتوفر شروط موت الكتاب بل هناك مؤشرات العودة القوية به، والكتاب الورقي يؤسس لعلاقة حميمية بينه وبين القارئ ونحن نحتاج اليه دائما مهما ضم الكتاب الرقمي من معلومات.
اهتمام الناشئة بروايات الفنتازيا خطير والسعي نحو تنمية ملكات العقل عند الطفل ضرورة.
❊ في الفترة الأخيرة، ظهر اهتمام كبير من الشباب وحتى الأطفال لقراءة الكتب الفنتازيا، ما تقييمك لذلك؟
❊ نعم، هي ظاهرة بدأت تعم في السنوات الأخيرة، القارئ الشاب بدأ يتوجه بما يسمى بأدب الفنتازيا، وأدب الغيبيات والسحر والجن والشعوذة، أعتقد أن هذا التوجه عابر لن يستمر طويلا، ويمكن جدا أن يأتي توّجه آخر بفضل الجانب الاعلامي الذي حينما يسلط الضوء على كاتب معين ويقدمه للقارئ فإن هذا الأخير يتجه الى أعماله، لهذا دور الاعلام مهم جدا في توجيه القراء خاصة الناشئة منهم، في أن تشمل قراءاتهم مختلف الحقول فينوع القارئ في مصادر المعرفة وأن ل يكتفي بجانب واحد.
❊ ألا تعتقد أن دور وسائط تواصل الاجتماعي تجاوز دور الاعلام في توجيه القارئ؟
❊ مواقع التواصل الاجتماعي لا أقول إنها بديلة عن الإعلام لكنها منافسة لها، لذلك يجب التركيز عليها ، كما يجب على وسائل الاعلام أن تفكر في اقتحام مجال الوسائط الاجتماعية، فتنشئ صفحات فايسبوك ويوتوب وغيرها، حتى تستطيع منافسة هذه القنوات الموازية لها والتي هي عبارة عن مبادرات واجتهادات فردية قد تؤدي الى انحراف القارئ نحو متاهات أخرى، تشكل في المستقبل خطرا على النسيج الاجتماعي. فكيف يتربى هذا الطفل عندما تغرس في وعيه عالم السحر والشعوذة ؟ لهذا يجب علينا تنمية ملكات العقل في الطفل، وعلى القائمين على شؤون الثقافة والدولة الاهتمام بهذه الظاهرة وايجاد بدائل لها، لا أطالبهم بالحد منها لأنه لا يمكنهم فعل ذلك ولكن عليهم أن يجدوا لها بدائل قوية للدفع بها الى الانحسار والتراجع.