عن دار ”الجزائر تقرأ”
وليد ساحلي يوقع ”غريبة”

- 2427

صدر للكاتب وليد ساحلي، رواية بعنوان ”غريبة”، عن دار ”الجزائر تقرأ”، تقع في 172 صفحة، من الحجم المتوسط، تناول فيها وقائع جرت قبل، أثناء وبعد الثورة التحريرية، واختار امرأة لتكون بطلة الرواية.
غريبة هي امرأة تعيسة قهرتها الحياة، وما زاد الأمر سوء، تصرف رجلها المشين تجاهها، فهو لا يتوقف عن تهديدها بالطلاق إذا لم تلب رغباته، رغم مرور أكثر من عشرين سنة على زواجهما. في يوم من الأيام، تسافر رفقة والدتها حجيلة وعمها الهاشمي وابن عمها مصطفى وابنه ياسين إلى القرية، حيث جذور الأسرة وتدعى بـ«ثاغمة”. وهناك تذكر القدامى بعض محطات الثورة التي شهدتها هذه المنطقة، مثل اشتباك كبير في ”ثيزي أوسنان”، أين انهزم الجيش الفرنسي، فاقتحم منطقة ”أغمون” بالقرب من ”ثاغمة”، وأجبر رجال القرية على حمل الجنود الفرنسيين القتلى إلى شاحناتهم. تذكرت نا حجيلة هذا الاشتباك الذي حدث أسبوعا بعد زواجها من أكلي والد غريبة.
ركب الجميع سيارتهم للتوجه إلى ”ثاغمة”، حيث الدروب الوعرة، لتعود الذاكرة إلى حقبة بعيدة وبالضبط إلى سنة 1955، حينما عاد أكلي من فرنسا بعد غربة دامت عدة سنوات، وقد سعد برؤية أبيه زي المولود، وكل أفراد العائلة وكذا عمه الطاهر وعمته خديجة، وبالأخص ابنة عمته حجيلة التي لم يعتقد أنها ستكبر وتصبح جميلة، فهل سيتزوجها وهل سيعيشان سعيدين؟.
اصطدم أكلي بالواقع المر الذي تعيشه القرى في منطقة القبائل خلال الاحتلال الفرنسي، فقرر الالتحاق بصفوف الثوار، ووجد نفسه مسبلا رفقة عمه الطاهر، ومن ثمة، اضطر إلى الصعود إلى الجبل بعد اكتشاف أمره رفقة اخيه الهاشمي، خاصة بعد استشهاد عمه الطاهر إثر وشاية من طرف (حركي)، ولم يستثنه عن أداء واجبه أي شيء، حتى دموع زوجته حجيلة.
تتعرض عائلة أكلي إلى اضطهاد من طرف المستعمر، الذي يقرر ترحيلها رفقة عائلات أخرى إلى منطقة ”بني يحي” ويقوم بتفجير ”ثاغمة”، ونفس المصير بالنسبة للقرية التي تعيش فيها العمة خديجة التي استشهدت، وتبدأ معاناة سي ميلود في كسب عيش العائلة التي ضمت أيضا أبناء أخيه الشهيد. أما أكلي فيبعث في مهمة إلى الحدود التونسية، ويطيل الغياب، وفي هذا الوقت تحمل حجيلة وتنجب طفلة أسمتها ”غريبة”، لأنها ولدت وستتربي في منطقة غريبة، لكن أكلي زوجها يستشهد قبل أن يرى ابنته، وهو الذي كان متوجها إلى داره مع مجاهد آخر لحضن ابنته، إلا أن ذلك لم يحدث.
تكتشف غريبة كل هذا حينما يلتقي عمها زي الهاشمي أوشروف بسي العربي، صديق أكلي، ويخبره بأنه تناول الغداء عند العائلة حينما ولدت غريبة، وأنه التقى بأكلي واخبره بميلاد ابنته، وهنا تنهار غريبة وتقول في نفسها؛ كيف أنها ولدت من رحم أم قوية مثل حجيلة ووالد ضحى بنفسه من أجل الوطن أولا، ومن أجل ابنته غريبة، وهي بهذا الضعف؟ لذا فما عليها إلا أن تكون قوية ولا تهتم بأفعال زوجها الذي أراد أن تساعده بعد تورطه في قضية بناء مغشوش لعمارة ستنهار حتما في يوم من الأيام، ليكون مصيرها الطلاق بعد عشرة طويلة، لكن لم يعد يهمها الأمر، فيجب أن تكون قوية مثل والدها أكلي.
لقد اختار وليد ساحلي التأرجح بين فترتين زمنيتين بنفس الشخوص تقريبا، كما تناول واقع القرى في بلاد القبائل في الفترة الاستعمارية، وتطرق أيضا إلى الصراع بين أعضاء جبهة التحرير الوطني ومن انضموا تحت راية مصالي الحاج، وما انجر عنه من تداعيات بعد الاستقلال، إلى جانب التحاق الشباب والشابات بالكفاح ضد المستعمر، وعمل الممرضات في الجبال وترحيل السكان القسري، وعمليات التعذيب وسطوة المال وخيانة بعض الجزائريين لقضيتهم، كما تحدث عن معاناة الجزائريين في العشرية السوداء، ليتساءل ”هل ضحى الشهداء كي نعيش هذا الواقع”؟.
وصف الكاتب الكثير من الأحداث التاريخية بشكل مسترسل، ووجدها فرصة لتناول عدة محطات هامة من تاريخ بلدنا، بأسلوب واقعي. كما يمكن تصنيف هذه الرواية ضمن أدب الشباب، حيث يمكّن القارئ من اكتشاف محطات كثيرة من تاريخ الجزائر من خلال مطالعة هذه الرواية الممتعة، رغم أن ساحلي لم يبالغ في حبكة الصراع بين الشخوص، فكانت عبارة عن سفينة تبحر في يّم سطحه هادئ وعمقه قد يصيبه الهيجان.