الأخضر السائحي "بداهة الشعر والفكاهة"

وقفة مع عملاق الطرائف والقافية

وقفة مع عملاق الطرائف والقافية
محمد الأخضر السائحي (1918-2005)
  • القراءات: 1040
مريم. ن مريم. ن

استحضر الأستاذ إدريس بوذيبة، مؤخرا، مسار الشاعر والمثقف الكبير الأخضر السائحي، الذي ترك أثرا في أجيال متعاقبة، من خلال برامجه الإذاعية وقصائده التي نقشت في الكتب المدرسية لعقود طويلة، وهو يستحق الذكرى والعودة إلى الساحة، بعدما أفنى حياته لخدمة الثقافة الجزائرية، ودعا بوذيبة إلى ضرورة إدراج أعمال الراحل في الدراسات الأكاديمية وفي النقد.

اعتبر بوذيبة، محمد الأخضر السائحي (1918-2005)، من أهم الشعراء الجزائريين الذين بصموا عصرهم بحضورهم الشعري والإنساني، وهو الشاعر الجزائري الوحيد الذي فاز بالميدالية الذهبية في مهرجان الشعر العربي بتونس سنة 1973. رغم شهرته كأحد أعلام القصيدة الكلاسيكية في بلادنا، وأكثرهم تمكنا من عروضها وتقنياتها، فقد طغت على شعره صورته "الأخرى" التي رسخها في برنامجه الإذاعي الشهير "ألوان"، المكرس لرواية النكت والطرائف، إلى أن أصبح هذا البرنامج من المواعيد الثابتة لدى الجزائريين في سبعينيات وثمانينيات لقرن الماضي. أشار الكاتب بوذيبة إلى أن للشيخ السائحي فلسفته الخاصة التي تبناها في الخمسين سنة الأخيرة من حياته، وهي روح "التنكيت"، لأنها أقصر الطرق لولوج القلوب والاستحواذ عليها، وكأنه كان يسعى لإذابة الجانب الصلب في شخصية الإنسان الجزائري، الذي خرج من الحرب ولم يخرج من ذكرياتها المؤلمة.

لقد كان"الشيخ" معروفا لدى الجميع بسرعة البديهة والظرف، وإطلاق النكت البليغة "غير المتداولة"، وتحويل الحديث في المجالس الخاصة إلى وليمة شهية للضحك والتفكه، والويل لمن يجرب حظه في الاستعلاء عليه أو استفزازه، فسيكون الرد مفحما وقاسيا، وهذا لا يعني أن "الشيخ" من هواة النميمة أو نهش الأعراض، فهو خلوق ومتحفظ ولم يعرف عنه أن مس أحدا بمكروه أو أذى، وأغلب نكته وحكاياته مستسقاة من التراث القديم، ولعل هذا يعود ـ حسب الكاتب- لتأثره وتشبعه بأدب المجالس والنوادي في العصور المزدهرة للحضارة العربية الإسلامية في القرنين الثالث والرابع الهجري، حيث انتشر أدب المساجلات والمعارضات التي تدار على السليقة وسرعة البديهة، ليبرز كل شاعر عبقريته ومقدرته على إثبات وجوده الشعري، وسط المجالس الضاجة بالعلماء والفقهاء والأدباء.

من الطرائف التي يرويها الشاعر السائحي حين دعي للمشاركة في "ألفية ابن زيدون" بالمغرب الأقصى، وألقى قصيدة عارض فيها نونية ابن زيدون، يقول في مطلعها:

"يا ساكب النور لحنًا في أغانينا، 

من بعد ليلك لم تسكر ليالينا".

وقد كان أحد نجوم هذا المهرجان الشعري العربي الكبير، يقول "كنا في رحلة من فاس إلى الرباط، وكنت أجلس في القطار، إلى جانب الشاعرة العراقية المعروفة عاتكة الخزرجي، التي أرادت استفزازي، فأطلت على القمر وخاطبتني:

"تأمل أ أخضر هذا القمر،

تلاحقه نجمة في الأثر"

ثم قالت لي أجز، فأجبتها على الفور:

" فيا لهما في السما عاشقيْن

كمثلك أنثى ومثلي ذكر".

يروي أيضا "كنا بعد ذلك في جولة قرب نهر سبو، قال لي الشاعر منصور عبد الرحمان شقيق الناقدة بنت الشاطئ:

"أسبو الهوى مني إليك ولم أزل،

في حب دجلة عاشقا ولهانا."

فقلت على الفور:

"يا ليتني في "ضفتيك" على المدى،

أبقى وينسى أهلي العنوانا"

للشيخ في يومياته وحياته العادية، الكثير من الطرائف التي يرويها أصدقاؤه، منها أنه ذات مرة، استضافته مديرة ثانوية "حسيبة بن بوعلي" في أمسية أدبية مخصصة للمرحلة النهائية، وبالفعل لبى الدعوة وقرأ شعره أمام الطالبات اللواتي انبهرن به، والتففن حوله معجبات بظرفه ولطفه، ولدى الخروج لم يخف ما وسوس له به الشيطان، قال للسيدة المديرة "أنا زوجتي عمرها ستون عاما، أعطيها لك، "صَرْفِيهَالي" بثلاث بنات انتاع عشرين، عشرين، عشرين سنة".

ختاما، كانت هذه وقفة قصيرة لاستعادة بعض اللحظات والمواقف الطريفة في حياة هذا الشاعر "الفحل"، الذي لم يأخذ حقه من الاهتمام، ولعل الأجيال الجديدة تلتفت إليه بما يستحق من الدراسة والنقد.