الفنانة لويزة عبد الرحمن بمركز "مصطفى كاتب"
وشوشات معطرة لحسناء عاشقة اللّون والزهر

- 1007

تفتّقت موهبتها قبل الأوان لتدخل عالم الاحتراف مبكرا وكلها ثقة رغم مشوارها القصير، الذي لا يقوى على مجابهة أهل الصنعة ممن سبقوا بإبداعاتهم وكتبوا أسماءهم على لائحة الكبار... لويزة عبد الرحمن تخط بريشتها الناعمة أحاسيس الجمال والأصالة، وتبصم بأصابع الأنوثة عالما سحريا، لا تقوى على تصويره إلا بنات حواء؛ إنها الموهبة التي ترعى نفسها وتختار طريق العمل للوصول إلى العلا. لاتزال الفنانة لويزة في عقدها الثاني من العمر، لكنها حققت نجاحات بفضل موهبتها وإصرارها الدائم على التكوين باعتباره الكفيل برعايتها والسماح لها بدخول عوالم إبداع جديدة. تشارك الفنانة الشابة إلى غاية 17 مارس الجاري في معرض خاص بعيد المرأة العالمي وذلك بمركز مصطفى كاتب؛ حيث تستقبل معجبيها وزبائن من جنسيات مختلفة جاءوا لاقتناء ما يُعرض، وقد تنفد كل القطع التي تعرضها في اليوم الواحد، لتضطر لتقديم المزيد والمزيد.
في حديثها إلـى "المساء" أشارت لويزة إلى أنها تعتمد على الزخرفة بأسلوب التزهير، مستغلة في ذلك الخصوصية المحلية بلمسة إبداع مميزة لها. كما أنها تهتم كثيرا بجانب الألوان؛ إذ أن لها مفعول السحر في اللوحة أو في القطعة المنجزة، خاصة إذا التحم فيها الذوق الرفيع بالأنوثة وبالهدوء الذي يجلب السكينة والاطمئنان للعين والوجدان معا. أثناء الحديث ظل الزوار يقبلون على لويزة، منهم أجانب (صينيون وأوربيون)، يستفسرون عن بعض التقنيات والأشكال، أو يطلبون قطعا تذكارية يحملونها معهم كذلك الحال مع الجزائريين، منهم فنان يمارس نفس هذا الفن، لكنه أُعجب بأعمال لويزة، فطلبها ليحملها معه الأسبوع القادم هدية لأجانب بسويسرا، طلبوا منه هذا الفن الجزائري الذي أصبح رائجا في الأوساط الأوروبية. ما يميز لويزة هو لمستها الأنثوية التي لا تقبل التجنيس؛ فهي مستقلة بذاتها ولها كيانها الظاهر في الألوان وفي التفاصيل الحميمية وفي انبعاث عطر الأزهار المتشبثة على الفروع؛ تماما كما تفعل الحسناء وهي تتشبث بهودجها بنعومة وبصبر إلى حين بلوغ مضارب الديار أو إلى حين الهبوط على تلال الربيع الممتد طول العمر. تحمل لويزة الجميل لأستاذيها فاتح بريبر وصالح، اللذين كان لهما الفضل في صقل موهبتها ووضعها على بداية الدرب المؤدي إلى هذا العالم الجميل.
إضافة إلى اللوحات التي اشتركت كلها في الزخرفة والتزهير، عرضت لويزة أيضا بعض القطع، منها المزهريات والطواجين والصناديق والسكريات والطواقم وغيرها، وكلها التزام واضح بمنهاج الزخرفة والألوان التي اختارتها الفنانة، وعلى رأسها الأزرق والأخضر والوردي والأصفر بكل أنواعه وتدرجاته. تصف لويزة هذه الزخرفة النباتية بالأرابيسك، وهو فن أصيل وعريق، يعاد بعثه بالتجديد والإبداع وبالتكوين الأكاديمي الذي التزمت به منذ انطلاقتها. تمتلك الفنانة رفقة زميل لها ورشة خاصة بحي عين النعجة، لذلك لها المكان المناسب لممارسة فنها بكل راحة وبدون هوادة في ذات الوقت. وبعيدا عن أبجديات هذا الفن ومكنوناته ترى لويزة أنه فن مربح لصاحبه ورائج جدا عند الناس، وبالتالي فإن الطلب كبير؛ مما يحفّزها على الرسم والعرض والبيع أيضا. تميل لويزة أيضا إلى الأسلوب الأمازيغي الأصيل، ومن فرط تعلقها بتراثه فإنها تلتزم بتقديمه كما هو بدون إضافات؛ كي تلتزم بهويته وحتى لا يكون هناك تداخل بينه وبين أساليب فنية أخرى.
يبقى أمل هذه الفنانة أن تواصل الدرب بخطوات عملاقة تختصر المشوار وعينها ستكون صوب المنمنمات والأسلوب الطبيعي؛ كي تدلي فيهما بدلوها المعبأ بكل لون وعطر. تقف لويزة بفضل تكوينها على أرض صلبة، لذلك تواصل في هذا المنحى نحو الأفق، وترغب في أن تخدم تراثنا الوطني، وأن تجعل الناس يشيرون إليه بالاسم ويربطونه بالجزائر مهد كل فن وجمال؛ تماما كما نجح في ذلك جيل الرواد، الذين سُجلت روائعهم في سجل الذاكرة الوطنية إلى الأبد، يتقدمهم راسم ومن سار في ركبه. تطلب لويزة من جيل اليوم أن يلتفت إلى هذه الرسالة النبيلة، وأن يكون التكوين هو البداية؛ إذ غالبا ما تُهدر الهوايات سدى، وسرعان ما يخمد بريقها بعدما تقطع عنها الرعاية كي تنمو وتصبح باسقة يراها الجميع رأي العين.