الدكتورة خديجة زتيلي تحاضر حول المقاومة بالفن:

وسيلة حضارية للانتصار على الإكراهات

وسيلة حضارية للانتصار على الإكراهات
الدكتورة خديجة زتيلي
  • 1309
لطيفة داريب لطيفة داريب

شاركت الدكتورة خديجة زتيلي في المؤتمر الدولي الخامس عن بعد لجامعة مستغانم تحت شعار "الفن رسالة الحوار للتسامح"، بمداخلة عنوانها "المقاومة بالفن"؛ حيث اعتبرت أن المقاومة بالفن هي طريقة حضارية لاستمرار الحياة والانتصار على إكراهات المرحلة التاريخية التي تجعل البشر في ضيق كبير؛ فالفن، بوصفه رسالة نبيلة، يساهم في تحرير الذات من عذاباتها الداخلية، ويرأب الصدع بينها وبين العالم الخارجي أو المجتمع.

جاء في ملخص مداخلة الدكتورة خديجة زتيلي، أن في عام 1987 انتهت حياة رسام الكاريكاتور الفلسطيني "ناجي العلي"، بمسدس كاتم للصوت في أحد شوارع لندن؛ فقد كانت رسوماته تحكي قضية فلسطين، وتفضح الظلم وفجيعة الفقدان ومعاناة الشعب الكبيرة؛ ما جعل الناس يتفاعلون مع رُسومات العلي، وينتظرونها بشغف كبير في الصحف، التي كان ينشر فيها آنذاك. وأضافت أن "حنظلة" الطفل صاحب عشرة أعوام معقوف اليدين إلى الوراء، هو الشخصية الرئيسة في تلك الرسومات الكاريكاتورية، وله دلالة ورمزية عند العلي، يلخص من خلاله الكثير من القضايا الوطنية والسياسية، ولعل إحداها انتكاسة الوعي العربي بعد هزيمة 1967 التاريخية. وتابعت: “"فضلا عن شخصية حنظلة الشهيرة التي ظهرت لأول مرة في عام 1969 في جريدة "السياسة الكويتية"، ظهرت رسومات أخرى للعلي في جريدة "القبس" الكويتية لاحقا، وهي لا تقل أهمية عن حنظلة في رمزيتها ومعانيها؛ مثل شخصية فاطمة التي ترمز إلى المرأة الفلسطينية الصامدة الصابرة القوية، وشخصية الرجل السمين الذي يرمز للقيادات السياسية الفلسطينية المنبطحة، وشخصية الجندي الإسرائيلي القاسي، وغيرها من صور الكاريكاتور الأخرى متقنة الصنع والإخراج، التي تنتقد الواقع بإيجاز ومهارة فائقة. كما أن العلي كان رسم قبل ذلك بسنوات ابتداء من 1961، وقبل انتشاره إعلاميا". وتابعت مجددا: "ولأن الفنان كان رمزا للنضال والمقاومة وأصبح يقضّ مضاجع من أزعجتهم تلك الرسومات، تم تصفيتهُ، ليصمت إلى الأبد. لكن العلي مضى وانصرفَ عن دنيانا، لتبقى رسوماته وسيرته النضالية تُذكّرنا بأن الفن هو، أيضا، وسيلة ناجعة وفعالة للمقاومة رغم أنها محفوفة بالمخاطر"

وبالمقابل، قالت الدكتورة إنها تطرقت في هذه الورقة، لموضوع الفن بوصفه وسيلة للمقاومة والنضال السياسي، كما هو الشعر والغناء والمسرح والنحت والرسم والكتابة؛ أدوات فعالة للقول والفعل؛ فباستطاعة الفن، بشكل عام، أن يُغير العالم بدءا من رصد وجهه البائس والقبيح، وانتهاء بتضمينه رسائل إنسانية بليغة؛ علّها تُدرك مقاصدها. كما اعتبرت الدكتورة أن المقاومة بالفن هي طريقة حضارية لاستمرار الحياة، والانتصار على إكراهات المرحلة التاريخية، التي تجعل البشر في ضيق كبير؛ فالفن بوصفه رسالة نبيلة، يساهم في تحرير الذات من عذاباتها الداخلية، ويرأب الصدع بينها وبين العالم الخارجي أو المجتمع. وكم من مرة كان فيها الفن بتعبيراته العميقة أقوى من السلاح وأشرس منه في فضح الظلم والقهر والطغيان بطريقة سلمية! ولعل ريشة العلي الساحرة والساخرة المتمكنة من أدواتها، تفوقت في هذا الأمر، وأحاطت قضاياه التي دافع عنها وارتبط بها بهالة من الاهتمام من لدن الأصدقاء والأعداء على حد سواء. وأكدت أن الفن يحيا في العمل الفني. كما استفاض هايدجر في شرح ذلك في كتابه ‘’أصل العمل الفني’’، ولهذا فإنه لا يزول ولا يبلى؛ ففن العلي يستقر بحمولاته النضالية في رسومات الكاريكاتور؛ كوثيقة تاريخية وفنية وجمالية، تذكّرنا بعد سنين من رحيل الرجل، بأن قضية فلسطين لا يمكنها أن تُطوى ما لم تعالَج معالجة سياسية عادلة وصادقة على الصعيدين الإقليمي والدولي. وأضافت: "رغم أن فن الكاريكاتور يقدَّم في كل مرة في قوالب إبداعية تهكمية، إلا أنه يندرج ضمن السخرية، التي تسعى إلى إيقاظ الضمير الإنساني، وتحريك مواجع القلب، وتذكير الظالم بجرائمه؛ فبعمق الفجيعة رسم العلي عاريا من كل انتماء إلا لقضيته التي أخلص لها، والتي تلخِّص عدالة قضيته، وأوجاع شعبه، وتستمع إلى أنين الأمهات على فقد الأحبة بحسرة كبيرة.

وقد صار هذا الفن - ومن دون أن يخطط العلي لذلك - من أهم أساليب المقاومة الفنية في فلسطين بعد أن بلغت رسوماته الكاريكاتورية "أربعين ألف رسمة مختلفة"، طارت بالقضية إلى كل أرجاء العالم، فسار على خطاه الكثيرون. وذكرت الدكتورة أن في البلاد العربية كان الشرفاء والمقاومون يستلهمون المعنى في يومياتهم من رسومات العلي. ولا غرابة إذا كان الشاعر العراقي أحمد مطر يضع في كل مرة رسمة من رسومات العلي إلى جانب قصيدة من قصائده الشعرية؛ احتفاء بها من جهة، وتأييدا وتأكيدا على شرف النضال وشرعية المطلب من جهة أخرى، ليكون هذا الفعل الثقافي دِلالة على أن الفن هو وسيلة من الوسائل الناجعة للمقاومة، التي بإمكانها إعادة صياغة التاريخ وكتابته؛ سواء كانت تجلياته شعرا أو رسما أو كاريكاتورا أو أي تعبير فني آخر.