صدور «جواهر» لوردة زرقين
نفحات من التراث الشعبي

- 4459

صدر للكاتبة والباحثة في التراث الشفوي الشعبي وردة زرقين، كتاب بعنوان «جواهر»، وهو عنقود آخر من إنجازاتها لفصل جديد حول الأمثال الشعبية، البوقالات والألغاز الشعبية. وجاء في مضمون الكتاب المكون من 214 صفحة، مجموعة من التراث الشعبي غير المادي صنفته في ثلاثة أبواب.
تناول الباب الأول الأمثال الشعبية التي رتبتها الكاتبة في 25 موضوعا، مثل الوالدين والأبناء، الأرزاق، المرأة والرجل، الحظ، الزواج، النية والحيلة، المعاملة، النسب، عزة النفس، العمل والاجتهاد وغيرها. واعتمدت الكاتبة في جمع هذا الكم الهائل من الحكم والأقوال، على الاحتكاك بالجدات وبأناس حفظوا هذه الجواهر الثمينة من عدة ولايات من ربوع الوطن، على غرار قالمة، بسكرة، مسيلة، عنابة، الطارف، وادي سوف، العاصمة وغيرها. وقدّمت الكاتبة شرحا للمثل الشعبي؛ باعتباره حكمة يمكن الاقتداء به في الحياة اليومية للفرد، موضحة أن المثل يمكن أن يقال في عدة مواضيع كهذا المثل الشعبي «الله ينجينا من الوقت الكاسد وبن آدم الحاسد والولد الفاسد»، فهذا المثل يمكن تداوله في موضوع الوقت، الحسد والعين وكذا الأبناء، ويمكن القول إن المثل يمكن تداوله في مناطق عديدة من بلادنا ولكن بطريقة مختلفة من منطقة إلى أخرى، بحيث يختلف في اللفظ لكن يبقى المعنى نفسه، فالأمثال الشعبية الجزائرية تختلف في ألفاظها لكنها تلتقي في مضمونها حسب مصدرها، كالمثل القائل: «في الوجه مرايا وفي القفا سلايا»، فهذا تعبير عن النفاق في المعاملة ويمكن قوله بصيغة أخرى في منطقة أخرى «في وجهك مرايا وفي ظهرك مقص»، وكذلك «الساكت على الهم نابت»؛ فهذا المثل يتحدث عن الإنسان الكتوم الذي يخفي وراءه أشياء كثيرة قد يفاجئ بها الناس، كما يمكن تداوله في منطقة أخرى بصيغة وهي «السكوتي تحت الحجرة نبوتي».
أما الباب الثاني فقد خصصته للبوقالات التي جمعتها من العاصمة. وفي تقديم البوقالة كتبت وردة زرقين أنها طقوس تراثية شائعة في بلادنا، يدور فحواها حول التغزل بالأحبة، الأمل، الحظ وحتى خيبة الأمل والحزن وغير ذلك، وهي وسيلة للتسلية والترفيه بأسلوب بسيط ومعان جميلة، مفعم بالفأل الحسن ومقبول للإسماع. وتُعتبر البوقالة جزءا من الفلكلور الشعبي الجزائري، وتتداول في ليالي السمر وفي سهرات رمضان أو في قعدة حميمية، وهي لا تحتاج إلى تركيز ذهني بل مجرد اختيار يقوم به الفرد و»ينوي» عما يحس به أو ما يدور في ذهنه. ويبدأ سرد «البوقالة» بهذه العبارة: «بسم الله بديت... وعلى النبي صليت... وعلى الصحابة رضيت... يا فال يا فلفال... يا فاتح سبع قفال... انوي واعقدي...»، ومن ذلك هذه البوقالات: «بنيت ألف قبة وقلت نزورها، ما رحت للقبة وما شفت حمامة، وليت للدار خايبة في ندامة، فتحت الباب والفرحة طلت بغمامة، صبتو معايا بابا يهدر بفهامة، لثمة عرفت بلي المكتوب يجي بلا مقامة».
وفيما يخص الباب الثالث الخاص بالألغاز الشعبية أو المحاجيات، فقد سعت الباحثة إلى جمع 450 لغز شعبي من مناطق مختلفة من بلادنا، منها قالمة، سوق أهراس، ورقلة، الجزائر العاصمة، قسنطينة، برج بوعريريج، غليزان وغيرها. وقد ألحقت بهذه الألغاز الشعبية أجوبة حسب المنطقة التي قامت فيها بجمع المحاجيات. وقالت في تقديم للغز الشعبي أو «المحاجية» إنه يمكن تداوله بصيغة مختلفة حسب المصدر، لكن الجواب يبقى نفسه كهذا اللغز: «الصح في الصح والصح في الصحيح مكوي بحلقة، ومطرق تحت اللحم في العظم صحيح»، والجواب هو «التمر والنواة»، ولهذا الجواب ـ أي «التمر والنواة» ـ لغز آخر متداول بصيغة أخرى في منطقة أخرى وهو: «حضرية بنت لحضر هي صبية وفي كرشها ذكر». وأضافت أنه يمكن كذلك تصنيف الألغاز الشعبية إلى دينية مثل: «على وغد سكلول رباط فم لغرارة يحن على الدراوين ويعطي لعصا للبدارة»، والحل هو «شهر رمضان». كذلك ألغاز حسابية مثل: «شجرتنا شجرة السلات بثناش (12) عرف دلات، كل عرف فيه ثلث عشرات»، والحل هو: السنة- الشهر - اليوم. كما أن هناك ألغازا وهمية مثل: «على هو في كرش أمو، وأمو في كرش جداه، خرجت أمو تبحث عليه لقات الدهر اداه»، والحل هو «العنصل أو البصل البري». وألغاز لها علاقة بالحروف الأبجدية لتسهيل معرفة الجواب مثل: «على اللي يبدا بالحا والحا نار بلا حطب، اللي بَعد نجى واللي قرب تعطب»، والجواب هو «الحسد».
وعن اختيارها «جواهــر» كعنوان للكتاب قالت إنها اختارت أن يكون بهذا الاسم؛ كون التراث الشعبي الشفوي المتمثل في الأمثال الشعبية، البوقالات والألغاز الشعبية، كنوزا ثمينة؛ فهي جزء من تراثنا غير المادي الذي تزخر به بلادنا.
وترجو الكاتبة من خلال هذا المؤلف التعريف بالتراث الجزائري عبر الزمن. وتحث على ضرورة توريث هذا الكنز للأجيال من خلال التداول والحفظ.
وقالت وردة زرقين إن هذا المشروع يعني لها الكثير، وهو الجزء الثاني بعد إصدار الكتاب الأول حول الأمثال، البوقالات والألغاز الشعبية بعنوان «العنقود» بدعم من وزارة الثقافة في إطار قسنطينة عاصمة الثقافة العربية. وتسعى إلى إصدار كتابها الثالث حول هذا التراث كأحد الألوان الأدبية التي تحمل الكثير من الحكم والقيم، وكونه الكنز الباقي الذي يحمل الكثير من الحلقات بين الأجيال. وأوضحت أنها عملت على جمع هذا الموروث الثقافي وتدوينه في هذا الكتاب الذي تعتبره أحسن طريقة للحفاظ على موروثنا الثقافي الشفوي، وهكذا تساهم في ترسيخ موروثنا عبر الأجيال، وإثراء مكتبتنا الوطنية بتراثنا الشعبي. واختتمت قولها إن هذا الكتاب يهدف إلى التعريف بالثقافة الأصيلة للشعب الجزائري، وتؤكد أنه مهما بلغنا من تطور وحضارة فلا بد أن نحافظ على أصالتنا وثقافتنا الشعبية، والمثل الشعبي يقول: «الجديد حبّو ولقديم لا تفرّط فيه».