ليست متعة ومؤانسة، بوجدرة.. 60 سنة من الكتابة الإبداعية

نشوة وعذاب وحثّ على التفكير

نشوة وعذاب وحثّ على التفكير
الكاتب رشيد بوجدرة
  • 333
مريم. ن مريم. ن

استقبل فضاء "آسيا جبار" بالقاعة الكبرى لسيلا، أوّل أمس، الكاتب رشيد بوجدرة من خلال ندوة فكرية عنوانها "رشيد بوجدرة ستون عاما من الكتابة الإبداعية" بحضور كوكبة من الكتّاب الذين وقفوا عند بعض أعماله الروائية مستحضرين ذكرياتهم معه مثمنين مساره الستيني المكلّل، حسبهم، بأفكار ورؤى ثورية قلبت الموازين وزحزحت المسلمات من جهة ودافعت عن قيم وميراث من جهة أخرى.

نشّط هذه الندوة الكاتب محمد ساري، الذي حاور بوجدرة بعد التحاقه لحظات قبل انتهاء هذه الندوة شاكرا هذه الوقفة، مجيبا على سؤال "هل أنت راض عما كتبته وما تقويمك لمسارك وماذا تريد أن تضيفه؟، قائلا "المبدع والإنسان عموما دوما له إحساس أنّه لم ينجز ما كان يريده، وبالنسبة للإبداع فالأمر أصعب، وأعتقد أنّ كلّ روائي ينتهي من كتابة رواية يعيد قراءتها فيجدها رديئة وضعيفة فينقعها ويستمر هكذا، أما الكاتب المسرور بعمله فهو غير مبدع"، كما أوضح أنه عندما يكتب يحسّ بالهوس والرعب، واصفا نفسه بالإنسان المريض فيكتب مثلا من الرابعة مساء حتى الخامسة صباحا فيشعر بالإرهاق فينام وينسى الأكل، ذات مرة كتب خلال 7 أيام مغلقة كتابا .

قال بوجدرة إنّ شاعرية النص هي أساس كل النصوص مضيفا "كلّ الناس لها حكايات خاصة مفتوحة على الرواية لكنّنا كروائيين لنا منظومة كتابة وشاعرية وتقنيات"، عن رواياته قال إنّها بناته لكنّه استحضر روايته الضخمة "التفكّك" و«معركة الزقاق" وكذلك "زناة التاريخ" الذي وصفه بالهام جدا، متوقّفا عند حضور التناص في رواياته، وعن مذكراته أجاب أنها لم تجهز بعد وأنّها محاولة لا تزال في بدايتها.

استهل هذا اللقاء، البروفيسور أحمد شنيقي (مختص في المسرح وإعلامي وأكاديمي سابق ويعرف بوجدرة جيدا) بالحديث عن بوجدرة خاصة جانب الحداثة عنده، فقال إنّ العلاقة مع بوجدرة بدأت منذ أن كان طالبا في الثانوية في بداية السبعينيات، حيث اكتشف من خلال قراءاته، بوجدرة تماما كما اكتشف في نفس الفترة الكاتبين مراد بوربون ونبيل فارس، علما أنّ الحديث آنذاك كان مسلّطا فقط على محمد ديب وكاتب ياسين، وسرعان ما تبيّن له أنّ فارس وبوربون وبوجدرة يتقاربون مع كاتب ياسين، وقبلها، أي في الستينيات، كان هناك منع لبعض الكتب منها مؤلفات بوجدرة بسبب موقفه من "انقلاب 65" فاضطر للمغادرة والعيش في ديار الغربة .

تأثّر بالموجة الجديدة للرواية 

أشار المتحدّث إلى أنّ بوجدرة تأثّر في الستينيات بالموجة العالمية الجديدة في الرواية والأدب والفن عموما حيث ظهر معها تعدّد الفضاءات والأصداء والأزمان، وكان يرى بأنّ لا قطيعة في أيّ مسار كان بل هناك توقّف للاستمرار من جديد، وهكذا تفاعل هذا الكاتب ذو التكوين الماركسي مع الرواية الجديدة التي تقف على نظرة تاريخية للأشياء بمعنى وضع الرواية في أفق تاريخي، متأثّرا في ذلك بأسماء عالمية وازنة تجاوزها في البعد التاريخي الذي وظّفه، كما في روايته "ألف عام من الحنين" التي بها بعض من عناصر "ألف ليلة وليلة"، ومثله الراحل ماركيز في رائعته "ألف عام من العزلة" الذي استمد بعض معالمها من خوان رونفو بيدرو برامو الذي بدوره أخذها من "ألف ليلة وليلة" وبالتالي كانت نقلة في الرواية اللاتينية .كما استعرض المتدخّل علاقة بوجدرة بالرسم والرسامين منهم خدة وعبد الله بن عنتر، وعلاقته بالسينما وبالمسرح وتعاونه مع الراحلة صونيا .

بالمناسبة، أشار المتحدّث إلى جديد بوجدرة في كتابه "غزة حتى النخاع" الذي طلب منه أن يصدر أيضا بالإنجليزية والفرنسية، متوقفا عند علاقته بفلسطين خاصة منذ زيارته لبيروت سنة 1970 والتقائه هناك بمناضلي منظمة التحرير الفلسطينية منهم جورج حبش ونايف حواتمة ليكتب بعدها نصوصا عن فلسطين.

بوجدرة يبني نصا 

بجانبه، تناول الدكتور لحسن كرومي "مفهوم الكتابة عند بوجدرة"، فهذا الروائي كان يقول ولا يزال إنّه يبني النص، معتبرا الشكل أساس النص وقوام العملية الإبداعية، وبالتالي فإنّ الأدب ما هو سوى شكل يحمل خطابا حداثيا يختلف عن الرواية الكلاسيكية، معتبرا أيضا أنّ النصّ الصعب يتطلّب قارئا صبورا لأنّه يفتقد للإمتاع والمؤانسة التي كان يجدها في الرواية الكلاسيكية، علما أنّ خصوم بوجدرة هاجموا البعد الأيديولوجي في نصوصه، لكنّه ظلّ مقاطعا الرواية الكلاسيكية منذ روايته "التطليق" التي هي، حسب المتحدّث، النصّ المؤسّس لأعماله التي بقيت تستمد قيمها من هذه الرواية خاصة في قضايا مثل المرأة والمحسوبية والظلم الاجتماعي وتقاسم الثروة وغيرها .علّق ساري بالقول إنّ بوجدرة تأثّر ببعض الكتّاب العالميين منهم وليام فلوكنر وفليب بروت وفردينون دو سيلين ومارسال بروست وغريبي ليصبح قطبا معهم على المستوى العالمي.

ذكريات من زمن مضى

تناول الكاتب إدريس بوذيبة بعضا من ذكرياته مع بوجدرة منذ مطلع الثمانينيات، وتعمّقت العلاقة معه حين أصبح (أي بوجدرة) رئيسا لاتّحاد الكتاب وكذا من خلال زياراته لقسنطينة وسكيكدة وعنابة، وكيف كان يتحدّث لجمهوره كما يكتب بدون ازدواجية في الخطاب فأفكاره كانت واضحة وجريئة ولا يتراجع عنها أمام النقد والمشاكسات، كما كان مرتبطا بعنابة التي يسكنها إخوته ودفنت فيها زوجة أبيه وقضى فيها شهر العسل مع زوجته بفندق المنتزه الذي يعشقه لموقعه.

وتوقّف المتحدّث عند أوّل ديوان لبوجدرة "من أجل إغلاق نوافذ الحلم" سنة 1965 الذي كتبه بعد 10 أيام من الانقلاب على بن بلة موقنا أنّ قيم ومثل، الثورة انهارت، ليكمل في نفس الفترة وفي غربته "الإنكار"، علما أنّ الدراسات النقدية ظلمته لسطحيتها وتطرقت في أعماله لجانب الجنس والدين والسياسة في حين أنّ طرحه كان أعمق تمرّد فيه على السلطة الأبوية وبالتالي فهو يستحق قراءة أخرى لأنّه لا يكتب حكاية ولا يقدّم ملعقا.