سقاية سيدي بوجنان التاريخية تتحول إلى مزبلة

نداء استغاثة لمعلم تاريخي عريق

نداء استغاثة لمعلم تاريخي عريق
  • 951
مريم. ن مريم. ن

لم يكف بعض المثقفين والمؤرخين من إطلاق نداءات استغاثة للسلطات، لحماية معلم سيدي بوجنان التاريخي، الواقع على الحدود الجزائرية المغربية، حيث شهد أحداثا هامة بقيت راسخة في دفاتر التاريخ، ودارت في مضاربه صراعات وانتصارات ومتغيرات، بقيت آثارها لزمن طويل، ورغم ذلك لم يشفع هذا التاريخ الحافل للمعلم، من أن ينال حقه من الرعاية.

من آخر المثقفين الذين أطلقوا أصواتهم عاليا للتنديد، كان الروائي واسيني الأعرج، حيث أكد مؤخرا، أن هذا المكان يعد معلما وطنيا، بُني على مجرى حاسي سيدي بوجنان، حيث كان الأمير عبد القادر يتزود فيه بالماء، هو وخيوله لمدة طويلة في فترة الاحتلال الفرنسي، إلى يوم حاصره الجنرال الفرنسي باتريس مكماهون، وأغلق نقطة الماء فيه على الأمير، لتطويقه، ومكماهون أصبح رئيسا لفرنسا في 4 ماي 1873. قال واسيني "صرختي اليوم موجهة للوالي، السلطة العليا في المنطقة، بعد الصرخات التي لم يصل صداها لا للدائرة ولا الولاية. سيدي الوالي جزء من ذاكرة الأمة، يموت على مرأى أبصاركم جميعا، لا يحتاج الأمر إلى جهد كبير لترميمه وتأهيله وتحويله إلى حديقة حية، كما كانت قبل زمن قصير، حيث كانت عين هذا المعلم تروي الناس والحقول التي تمر عبرها، أنقذوا هذه الذاكرة الجماعية، فيها تاريخنا وطفولتنا وطفولة القرية والمنطقة كلها، وتاريخ الأجيال السابقة واللاحقة التي عايشت فترة عزها، حيث كان ماؤها يسيل 24 ساعة يوميا، أنقذوها قبل أن تنتهي كليا".

للإشارة، نشر الروائي واسيني صورا حية من طفولته في الحقبة الاستعمارية، كان الأطفال في السقاية أو هم يتجهون نحوها، ثم علق "الأوساخ التي تحيط بها اليوم، أخجل من أن أضع صورها هنا"، كما كتب واسيني ذات مرة أيضا، أن سقاية سيدي بوجنان، على الحدود الجزائرية المغربية، التي لا يعرف أهلها أنها وجههم وثقافتهم وتاريخهم النبيل، وساحة عاداتهم وتقاليدهم، بل ومتحفهم الأوحد، سقاية مرتبطة بطفولته، ولا يمكنه أن لا يذكرها بحنين غامر وهو يراها تموت كل يوم أكثر، وآخر مرة زارها، أوجعه قلبه من شدة الإهمال، مع أنها كانت رمزا لكل شيء جميل.

كما أكد أنه قبل سنوات، تحدث مع رئيس بلدية السواني  لترميمها وتأهيلها، وإعادتها إلى تاريخها الجميل، ولا يقتضي الأمر جهدا كبيرا سوى إدراك قيمتها، وإحاطتها بالأشجار، وتهديم البناية البشعة التي بنيت بجانب حائطها الأساسي، ووضع قطعة نحاسية على حائطها، تذكر بكل تاريخها الموجود والمدون، وإعادة تأهيل أنابيبها وقواديسها الفولاذية، وحنفياتها، التي كانت تسيل 24 ساعة، وحينها قال لرئيس البلدية "أتبرع من مالي الخاص من أجل هذا التأهيل، هدموا فقط المحل البشع الملتصق بحائطها، وامنحوا لصاحبه محلا آخر، في مكان آخر في القرية يسترزق منه، لكن لا صوت لمن تنادي".

يرى واسيني الأعرج أن الدفاع عن هذا المكان، هو دفاع عن مكان مثقل بالتاريخ الجمعي والقصص والعادات. الساقية أو السقَّاية، كانت تروي الحقول المجاورة، أو العقلة كما كان يسميها كبار القرية، وأغلب الظن أنها كانت تعقل بجانبها الدواب لشرب الماء، كانت في البداية سلسلة من الآبار ماؤها يتدفق إلى خارج الأرض، الناس يشربون منها منذ زمن طويل، وتروي أرضية الولي الصالح سيدي بوجنان، من هنا فتاريخ وجودها الأول مرتبط بأسطورته، والذي عندما قذفت به الأقدار إلى ذلك المكان الخالي، لاحظ غياب الماء وعطش الناس وتقاتلهم على ما تحجزه الوديان من مياه الأمطار، انزوى في مقامه وطلب الرحمة من الله. فكان أن تجلت إحدى كراماته، كما أسهب الكاتب في سرد تاريخ المكان، حتى بعد الاستقلال، وكيف أنه كان ملتقى الناس ومجمع للخيرات قبل أن تأكله الخرسانة.