"الجاحظية" تؤبّن الراحل محمد صالح ناصر
ملتقى وطني عن آثاره وإنجازاته الرائدة في نوفمبر القادم

- 116

نظّمت الجمعية الثقافية الجاحظية، أوّل أمس، تأبينية للراحل الدكتور محمد صالح ناصر الذي رحل عن عالمنا في 20 أوت الماضي، وهو أحد رموز الثقافة الجزائرية المعاصرة، وأحد أبرز أدبائها المتميزين، وكُتّابها اللامعين في الدراسات النقدية الجزائرية، ليتم بالمناسبة الإعلان عن تخصيص ملتقى وطني له في 10 نوفمبر بالجامعة المركزية.
شهدت التأبينية إلقاء عدّة مداخلات مع الدكتور محمد ناصر بوحجام الذي قال إنّ الراحل أهدى للمكتبة الوطنية ما لم تكن تملكه من كتب جلبها من عدّة دول ومن مناطق شتى الوطن، مركّزا على كتاب محمد الصالح ناصر "الأدب الجزائري الحديث اتّجاهاته وخصائصه الفنية بين 1925 حتى 1975" الذي كان موضوع أطروحته الجامعية التي تطلّبت منه 11 سنة بحث ميداني داخل وخارج الجزائر.
كما أنّ الراحل أثرى المكتبة الإسلامية بمؤلفات وندوات ومحاضرات وحوارات شملت الأدب الجزائري، السير والأعلام، والفكر الإباضي، الدراسات القرآنية، الكتب المدرسية، الشعر، أدب الأطفال، الأدب الإسلامي الذي نظّر له، رغم أنّ هذا المصطلح لا زال محلّ جدال عند النقّاد، وكذا تاريخ الصحف العربية الجزائرية، وقضايا راهنة، وتحصّل جراء جهوده على عدّة تكريمات منها تكريمه في رئاسة الجمهورية بداية الثمانينيات.
استعرض المتدخّل بعضا من حياة الراحل منذ نشأته وتعلّمه بمسقط رأسه بالقرارة ثم التحاقه بالقاهرة لنيل شهادة ليسانس ثم حصوله على شهادة الدكتوراه من جامعة الجزائر، ليصبح أستاذا بمعهد اللغة والأدب العربي بجامعة الجزائر، ورئيس مجلسه العلمي، ودرّس بمعهد العلوم الشرعية بسلطنة عمان، وبكلية المنار للدراسات الإسلامية بالجزائر، وكان عضوا في اتّحاد الكتّاب الجزائريين واستعرض المحاضر أيضا معاناة الراحل مع المرض (قصور كلوي) في سنواته الأخيرة، لكنه بقي رمزا للتواضع والعلم والصبر. بدوره، وصف الدكتور عبد الرزاق قسوم الراحل ناصر بالموسوعة العلمية الثقافية المتنوعة، عرف بالمنهجية العلمية، كما أعطى لكلّ حقبة عاشها (من مواليد نوفمبر 1938) وصفا دقيقا وعميقا، ونالت كلّ فئة حقّها من إبداعه فكتب للأطفال وللشباب وللمرأة، حاثا على أن تكون مسيرته نموذجا لمثقفينا.
"ذكرياتي ومذكراتي" جديرة بالاهتمام
أما الدكتور مولود عويمر، فتناول الراحل محمد ناصر من خلال مذكراته مؤكّدا أنّه ليس من الدارج عندنا أن يكتب المثقفون والكتاب مذكراتهم .، وقال إنّ للراحل مذكرتان، الأولى عنوانها "مشايخي كما عرفتهم" نشرها في 2008 يتحدّث فيها عن أساتذته وعلماء من الجزائر وخارجها منهم إبراهيم أبو اليقضان وإبراهيم بيّوض وطفيش ورمضان حمود ودبوز من الجزائر وكذا شكري فيصل من سوريا وشوقي ضيف من مصر، أما المذكرات الثانية بعنوان "ذكرياتي ومذكراتي" (2013 إلى 2019) فصدرت في ثلاثة مجلدات، علما أنّ المجلد الأخير كتبه في عجل نتيجة مرضه وقد قدّم في هذه المذكرات خدمات جليلة لتاريخ الأدب الجزائري ومادة خصبة للباحثين والمؤرّخين، كما تناول الأدب من خلال المقالات الصحفية التي فقدت اليوم في الساحة الإبداعية بينما كان جيل الرواد متمكّنا منها مثل ابن باديس ومبارك الميلي وسعيد الزاهري والطيب العقبي وغيرهم الذين ظهروا في السبعينيات منهم أبو القاسم سعد الله وصالح خرفي .
فتح بعدها النقاش الذي أداره الدكتور احسن تليلاني وقد تدخّل فيه الكثيرون منهم الدكتور شريف مريبعي رئيس المجمع الجزائري للغة العربية الذي قال إنّه عرف الراحل عندما كان طالبا في قسم الليسانس بجامعة الجزائر.
استشراف للغد والوعي سبق الوعظ
أكّد البروفيسور مريبعي أنّ الدكتور ناصر كان متعدّد الاهتمامات علما أنّه انقطع لدراسة الشعر والمقالة الصحفية، كما وثّق أدب الحركة الإصلاحية في الجزائر، وكان يعتبره تلامذته القدوة لهم بعلمه وأخلاقه وتواضعه وانضباطه الصارم، لكنّه عاش العزلة عند مغادرته الجامعة سنة 1991 بسبب مرضه المزمن، متأسّفا على أنّ الراحل لم يلق الاهتمام الذي يستحقه خاصة من الأوساط المثقفة، داعيا إلى إطلاق اسم محمد صالح ناصر على مؤسسة ما تكريما لذكراه.
أما رئيس المجلس الأعلى للغة العربية الدكتور، صالح بلعيد، فأسهب في الحديث عن الراحل مؤكدا أنه كتب مقالا مطولا بخمس صفحات عنه سينشر بموقع المجلس ومما ذكره أنه كان يتابع الراحل بالجامعة وبالأماسي الشعرية، متوقفا عند صديق الراحل الحميم وهو مصطفى غوماري، وتحدث أيضا عن محمد ناصر كمستشرف للغد بالحث على الاستثمار في التربية والتعليم، محاولا غرس الوعي قبل الوعظ، وبالمناسبة صرح المتحدث أنه سيتم في 10 نوفمبر القادم، بمناسبة اليوم العالمي للعلم والعلماء تنظيم ملتقى علمي وطني عن الراحل بالجامعة المركزية.
بدوره، استحضر محمد ساري وهو تلميذ الراحل في نهاية السبعينيات بعض الذكريات بالجامعة المركزية، حيث كان يحتك بأستاذه الذي درّسه في اختصاص الشعر والنثر، شاهدا على انضباطه وعدم ظهوره إلاّ في قاعة التدريس قائلا "تعلّمت منه الانضباط ونلت عنده أعلى علامة بـ16 على 20 وكان متسامحا لا ينتقم من الطلبة ولا يبغضهم حتى في لحظات طيشهم".
صديق الراحل عمار بن زايد أشار إلى أنّ الدكتور ناصر لم يكن يتأخّر عن المواعيد الثقافية والندوات منها المنعقدة باتحاد الكتّاب، كما كان كثير النقاش مع طلبته في علاقة مرنة امتدّت خارج أسوار الجامعة وقال إنّه دعا الراحل لبرنامجه "لقاء مع أديب" في حلقتين بث على القناة الإذاعية الأولى بداية الثمانينيات، وصرح بالمناسبة لـ«المساء" أنه يتمنى أن تبث هذه الحلقات التي استضافت ألمع الأسماء الجزائرية في الأدب والنقد والترجمة وغيرها مجددا، مضيفا أن مبدعين برزوا بقوة من عمق الجزائر المعطاءة والتي أصبحت تسمى اليوم "مناطق ظل".