زولا جنان تعرض بـ"إفري ديزاين"

معطيات تاريخية ورموز أمازيغية ملهمة

معطيات تاريخية ورموز أمازيغية ملهمة
الفنانة التشكيلية زولا جنان
  • القراءات: 928
م. إ م. إ

يتزين رواق "إفري ديزاين" بالجزائر العاصمة، بإبداعات الفنانة التشكيلية زولا جنان، المتمثلة في 30 عملا، بأحجام متباينة وتقنيات حاولت التشكيلية من خلالها، أن تُحقق أسلوبها الخاص في التعبير عن مواضيعها المتنوعة، حيث تنسجم الألوان التي اختارتها، والتي غلب عليها البُني والأصفر في تدرجات لونية بين فاترة وحارقة، مع موضوع الارتباط بالأرض، وهو الموضوع الأساسي الذي شكل القاسم المشترك بين عدة لوحات معروضة.

يعطي استخدام الفنانة لبعض الأحجار التي جمعتها من وادي الغوفي، بمحافظة باتنة (منطقة الأوراس)، إيحاء إضافيا بخصوص تعلقها بالأرض وتمسكها بتربتها، وهو بمثابة دعوة موجهة إلى الجمهور من أجل المحافظة على الطبيعة، واستثمارها بالصورة المثلى التي تضمن ديمومة مواردها. تحكي اللوحات قصصا عاشتها هذه الفنانة خلال جولاتها، التي اكتشفت فيها مواقع طبيعية خلابة، كما تبوح بأسرار الحياة التي خبرتها عبر تجربتها الفنية، مؤكدة وفاءها لرموز الثقافة الجزائرية. يعتمد أسلوب الفنانة الجزائرية على استعمال الألوان الدالة على الموضوع، والأشكال المستمدة من التراث، فضلا عن استخدامها لحروف "التيفيناغ"، وهو الخط الأمازيغي البارز على جميع الوسائط، وبمواد متعددة، مثل الألوان الزيتية والرمل والتوابل والأحجار.

تعتمد جنان في جل لوحاتها على حروف التيفيناغ، مبرزة جمالية حروفها الثلاثة والثلاثين ورموزها وأشكالها، التي يؤكد بعض المؤرخين أنها واحدة من أقدم الأبجديات التي عرفها التاريخ، وأنها عاصرت الكتابة الأولى التي عرفت في منطقة سومر ببلاد الرافدين، ويرجع تاريخها إلى ثلاثة آلاف سنة قبل ميلاد المسيح، كما تشهد على ذلك، الكتابات والنقوش الموجودة في الصحراء الكبرى. عن رموزها، تقول جنان "أشتغل في لوحاتي على الرمز، لأنه تراث تاريخي يخصني كجزائرية، ولا يمكنني رسم لوحة ما من دون خلفية مماثلة، القيمة الجمالية هامة في العمل التشكيلي. لكن من الضروري أيضا أن نتطلع إلى هدف تقرأ من خلاله اللوحة، وأنا أنتصر في جميع لوحاتي لهذه الأبجدية الضاربة في أعماق التاريخ، وتضيف تيفيناغ مكنتني من إبراز الديناميكيات والحركات الحاصلة في الحرف الأمازيغي، لأنه من خلال الإنشاء، أقوم بتعديل الحرف إلى رمز، بدمجه بشخصية مجردة.. فكل حرف عندي يروي قصة وعاطفة وذاكرة".

وهي تستمد إلهامها من منطقة الأوراس، أرض أصولها، رغم أنها ولدت في الجزائر العاصمة، إلا أن الفنانة توضح أن معالمها تأتي أيضا من مناطق تازولت وباتنة في شرق البلاد، لكن أيضا من جبال القبائل وأقصى الجنوب الجزائري. تستحضر بعض اللوحات المعروضة، مواضيع تجريدية ذات علاقة بالطبيعة، مثل الانتقال من فصل إلى آخر، علاوة على ذلك، يشاهد زائر المعرض على الجدار نفسه لوحة ظلية لامرأتين وهما تنظران إلى القمر. وعلى الجدار المقابل، يلفتُ الأنظار قناع أفريقي على خلفية صفراء، وعليه وشم. وتضيف الفنانة مسحة جمالية على بعض أعمالها، باستخدامها أسلوب التلوين بماء الذهب الحقيقي، ربما لإعطاء قيمة أكبر لموضوع الطبيعة والأرض.

تنحدر زولا جنان من منطقة الأوراس، وهي تشتغل في مجال التصميم الداخلي، وبطلة في تسلُّق الجبال، وهذا ما يجعلها تعد المرتفعات من العوامل الأساسية التي تساعدها على التأمُّل. وعن ذلك تقول "أقضي الكثير من الوقت في الجبال، فأنا حساسة للغاية تجاه هذه التضاريس، والصخور والحجارة التي تنهار من الجبال عندما أتسلق، تمنحني أفكارا ورؤى جمالية أوظفها في لوحاتي. هذه الحجارة المتهدمة تميزني، أعيدها وأعطيها حياة ثانية، من خلال دمجها في رسوماتي"، وتضيف "شغفي بالرسم والتسلق يسمحان لي  بالهروب والارتقاء بنفسي إلى عوالم متجددة ومختلفة عن السائد والمتداول، فأتسلق اللوحة بألواني وأرسم الطبيعة مشيا على أقدامي".

في عام 2010، أنشأت جنان رواقا فنيا أطلقت عليه اسم "المرآب"، تكريما لوالدها الذي كان يملك مرآبا ويشتغل ميكانيكيا، حيث قضت في ذلك المكان معظم طفولتها، وألهمها أن تكون رسامة، وهي تعرض فيه بشكل دائم أعمالها الخاصة، كما تنظم فيه فعاليات ثقافية وفنية للتعريف ببعض التجارب التشكيلية الجزائرية المجددة. يستمر معرض جنان إلى نهاية أفريل الجاري، وهو فرصة لعشاق الفن التشكيلي لقراءة اللوحات بمعطيات تاريخية، ورموز أمازيغية ملهمة.