‘’القفطان الجزائري.. حفاظ على الأصالة في زمن التجديد" بقصر الرياس

مظهر هوياتي مسجل في الذاكرة والأرشيف

مظهر هوياتي مسجل في الذاكرة والأرشيف
  • 446
مريم. ن  مريم. ن 

احتضن قصر رياس البحر، أول أمس، فعاليات  أشغال اليوم الدراسي "القفطان الجزائري، حفاظ على الأصالة في زمن التجديد" ، في إطار الدورة السابعة من المهرجان الثقافي الوطني للزي التقليدي الجزائري. قدّم فيه الباحثون الأكاديميون نماذج من تطور هذا اللباس عبر العصور، وما احتواه من خصوصية تعكس الهوية الثقافية والحضارية للجزائر.

أشارت الدكتورة عائشة حفصي من جامعة الجزائر، إلى أن القفطان ذاكرة ضاربة في الزمن، تتجاوز مجرد كونها لباسا عاديا، إذ يختزل القفطان ـ حسبها ـ الجمال، والأناقة، والهوية والتاريخ. كما إن هذا اللباس يحمل كل سمات التجديد، والتأقلم مع روح العصر شرط أن لا يكون هذا التجديد المتماشي مع العصر على حساب الخصوصية.

القفطان والفرمان لتولية الحكام

تناولت الأستاذة هجيرة تمليكشت، مداخلة حول "القفطان الجزائري في مرايا المصادر"، موضحة أهمية هذه المصادر التاريخية في تأصيل هذا الزي، وفي هويته الجزائرية، مستعرضة بالتفصيل، مراحل تطوره عبر التاريخ.

وتوقفت المحاضرة عند تلك المصادر التاريخية، المتضمنة إشارات ومواضع ومعالم تتعلق بارتداء القفطان في الجزائر في شكله اليومي أو المناسباتي، وكذا أنواعه، وألوانه، وصفاته، وتطريزه، مقترحة عبر شاشة العرض، مجموعة من النماذج؛ من رحلات، ووثائق أرشيفية، وصور، وما قدمته خصوصية القفطان في مدينة قسنطينة إبان حكم البايات، منهم الباي شعبان، والباي خوجة، وأحمد، ومراد، وغيرهم، ارتدوه مع العمائم على الرأس. وكان يُرسل إليهم من طرف الباب العالي في إسطنبول، أو من داي العاصمة مرفقا بالفرمان (قرار التعيين). وكان يسمى قفطان التولية. وأشارت أيضا إلى أن القفطان كان يُلبس في العيد من طرف رجال السلطة، فيرتدي الداي سترة الشرف التي يرسلها له السلطان عند توليه منصب الداي كل عامين أو ثلاثة. وكانت له أكمام متدلية بشرائط حرير.

القفطان من شروط الزواج وموثق  في التركات

ارتدت السيدات من المجتمع الأرستقراطي القفطان. وكان من شروط مهر العروس الجزائرية (كان يسمى قفطان البكر). ومما ذكرته المحاضرة في هذا المضمار قفطان الأطلس  الذي يُلبس في الشتاء. وهو مطرز بالصوف، أو القضيفة باللون الأحمر، أو الأصفر، أو الأخضر مع السفيفة. وهنا عُرضت وثائق الزواج أو التركات (كان يورَّث) لبعض العائلات الجزائرية خاصة قبل الاحتلال الفرنسي منها عائلة شاوش التي اشترطت لابنتها قفطان "الكمخة" الفاخر والثمين (خامات غالية الثمن). وهذا اللباس ـ كما قالت ـ مختلف عن اللباس اليومي غير المطرز والقصير، عكس قفطان الأعراس الطويل والفضفاض، علما أن النساء كن يتفنن في الزخرفة.   وعرضت المحاضرة كتابات مؤرخين أجانب حول القفطان الجزائري في القرن 18، منهم فونجور دو برادي، (1685-1748)، الذي ركز على الجانب الفني والجمالي للباس الجزائري، واصفا إياه على أنه لباس فاخر؛ "ذوق الجزائريين في اللباس يميل إلى الطرز، فهم يخصصون مبلغا مهما للباسهم. لكن التطريز يكون خشنا. والذهب وحده يجعله ثمينا" . كما كتب  مضيفا: " يتكون لباس المرأة من قميص من قماش الشاش أو الحرير والقطن، مفتوحا من الأمام، مثل قميص الرجل. ويمكن أن تكون فتحته أقل، وهو ينزل إلى الكاحل. الأكمام تكون واسعة بشكل مفرط، وهي بعرض طول القميص بالكامل، لكنها مفتوحة فقط من لوح الكتفين إلى الوركين". وعرضت الأستاذة نصيرة قشيوش من جامعة تلمسان، كتابها الذي أصدرته بعنوان " القفطان الجزائري عبر العصور"، من العصور النوميدية إلى العهد العثماني. كما صالت المحاضرة وجالت عبر العصور، لتحكي عن القفطان بناء على المصادر والمعاجم، مؤكدة أنه كان لباس المدينيين، وهم شعوب هندو إيرانية دخلوا فارس القديمة حاملين القفطان. وفي إيران تم إثراؤه، وهو ما يتجلى في النقوش الأثرية. ثم رحل القفطان إلى الفراعنة، وشمال سوريا. وكان يسمى قبل الميلاد بالقباء، ثم سماه الأتراك الخلعة. وسماه الفينيقيون الأرجوان، وأدخلوه الجزائر، ليلبسه رجال الجزائر كماسينيسا، وسيفاكس، وغيرهما. ثم لبسه موسى بن نصير، لينتشر، أيضا، مع قدوم الأندلسيين، وكانوا يكنزونه ويورّثوه مثل المال والذهب، لتسهب المحاضرة في عرض بعض الفترات التاريخية منها الدولة الرستمية، والزيرية، والحمادية، والزيانية وغيرها. وقدّمت الدكتورة بوعجينة راضية من المدرسة العليا لترميم الممتلكات الثقافية، "الأساليب العلمية لضمان استمرار التراث الملبسي"، مؤكدة على أن القماش من أصعب المواد التي ترمَّم؛ لكونه سريع التلف، مشيرة إلى أن حفظ القطعة كما هي أولى من الترميم؛ فهذا الأخير إذا لم يكن في وقته المناسب ومدروسا، قد يضر بالقطعة الأثرية؛ لأنه يستعمل مواد منها كيميائية، قد " تزيد الطين بلة ". ثم عرضت قطعا من جهاز عروس عاصمية تم ترميمها، عبارة عن حقيبتين مغلفتين من الداخل بالحرير.

المتحف مكان آمن للقفطان

افتتحت الجلسة الثانية من ملتقى "المتحف مكان آمن لحفظ القطع" ، الدكتورة شادية خلف الله مديرة متحف سطيف، متناولة "دور المتاحف في الحفاظ على التراث" ؛ على اعتبار أنها مؤسسات تابعة للدولة، وتحكمها قوانين واضحة تحدد طرق الحفظ، والاستغلال، والترميم، والترويج، والتثمين والتحيين، لتختار بعض مواد قانون حماية التراث كالمادة 50 والمادة 7، لتؤكد أن أول متحف في الجزائر حفظ القفطان، كان متحف الآثار القديمة والفنون الإسلامية  بالعاصمة؛ ما يبرز دور المؤسسة المتحفية في صون الممتلك الثقافي الوطني؛ كي لا يتعرض للضياع، والتشويه، والسرقة. بعدها مباشرة أقيمت مائدة مستديرة على شرف بعض الحرفيين المهتمين بالتراث. السيدة مريم سعيداني المختصة في الطرز بمادة "التل" المعروفة بعنابة، قالت إن هذه الصنعة ورثتها عن جدها الخياط، ثم أصبحت تكوّن في هذه الصنعة بدار الثقافة بعنابة. وكان الإقبال كبيرا، علما أن التل هو رمز هذه المدينة منذ زمن؛ حيث عرُفت بغرزة التل. وهذا الأخير هو خيط معدني مسطح فضي أو مذهب وأحيانا ملوّن، له إبرة مسطحة بثقبين، ولا يُعقد خيطها. وكان الأجداد يستعملون إبرة وخيطا مصنوعين من الذهب، لإنجاز قطع من الأوراق أو الورود و"اللوايات" و"المشبك" ، وتُعرف بأشكالها المثلثة. الشاب الطبيب بلهواري نذير أعاد إحياء صنعة بمدينته مستغانم، وهي صناعة الشواشي يمارسها منذ5 سنوات. كما ينجز أقفال (زواتن) يدوية مستمدة من التراث، تلاقي الإقبال من كل أنحاء الوطن، كذلك النويوشات، والشواشي الخاصة بالنساء، وهي، كما قال، صحية على الرأس أكثر من الصناعية، وأبهى، وأجمل، داعيا مع الحضور لإدراج هذه المهارات في منظومة التعليم العالي والتمهين، كما هي الحال في الخارج.

للإشارة، اختُتمت الفعالية بتكريم المحاضرين، وباقتراح رياش فايزة مديرة مركز الفنون برياس البحر، إقامة معرضها "لباس المقاومة" بمتحف سطيف قريبا.