تواصل البرنامج العلمي لمهرجان المسرح المحترف
مسرح الطفل صناعة ثقافية واستثمار في إنسان الغد
- 373
لطيفة داريب
أكد المشاركون في الندوة التي نظمت أمس بالمسرح الوطني الجزائري في إطار مهرجان المسرح المحترف والموسومة بـ«التشخيص الراهن لمسرح الطفل في الجزائر، المنجز والتحديات”، على أحقية الطفل في أن يكون له مهرجانه الخاص وكذا على ضرورة دعم مسرح الطفل وتوزيع الأعمال الخاصة به، لأنه يّعد صناعة ثقافية وليس مجرد عروض هامشية ومؤقتة مثلما عليه الحال في أغلب العروض المّوجهة للطفل بالجزائر.
بالمناسبة، قدّمت الدكتورة والكاتبة المسرحية كنزة مباركي مداخلة بعنوان: “مسرح الطفل بوصفه صناعة ثقافية، بين الإبداع والتربية والاقتصاد الرمزي” قالت فيها إن الاستثمار في مسرح الطفل هو استثمار في الإنسان القادم، مشيرة إلى وجود جهود محترمة لدعم مسرح الطفل في الجزائر إلا أنها مناسباتية. وأضافت أننا لا نعاني من نقص الممارسين في مسرح الطفل ولا حتى في غياب النصوص المتعلقة به، بل اعتبار هذا المسرح هامشي ومؤقت ومّكمل لمسرح الكبار، علاوة على مشكلة الإنتاج والتوزيع المتعلقة به واعتباره فنا ظرفيا، مؤكدة أن هذا المسرح ليس بالترف التربوي ولا فسحة من المتعة بل صناعة ثقافية تنتج معنى وتبني الذائقة والوعي للطفل.
وطالبت مباركي بضرورة إعادة تعريف مسرح الطفل ضمن سياسات ثقافية طويلة المدى وادراجه ضمن الصناعات الثقافية، خاصة أننا نعاني من غياب استراتجية خاصة به، في ظل قلة التنسيق بين وزارتيّ الثقافة والتربية في هذا الشأن، ليدار مسرح الطفل بالحد الأدنى فلا انتاج ولا توزيع ولا أرشفة فعلية له، علاوة على تلقيه للدعم المناسباتي وربطه بالتظاهرات المسرحية الخاصة بالكبار مما اسهم في هشاشته. وتابعت أن مسرح الطفل يقتضي إدراجه ضمن الصناعات الثقافية والاعتراف بكونه منتج للمعنى لا كمجرد عرض عابر، فهو أداة تشكل ذائقة جمالية للطفل وتسهم في بناء علاقة مبكرة بينه وبين الفن.
من جهته، تحدث المسرحي طارق عشبة عن تجربته في إدارة المهرجان الوطني لمسرح الطفل بخنشلة، حيث دق ناقوس الخطر حول طبيعة العروض الموجهة للطفل، والدليل تلقي محافظة المهرجان في طبعته السابقة لعدد هائل من المقترحات للمشاركة في التظاهرة (185 اقتراح) إلا أن معظمها لا يصلح، لتقدم لجنة الانتقاء تقريرا أسود حول الموضوع.
وأشار الأستاذ إلى أهمية كتابة نصوص مسرحية خاصة بالطفل حول تراثنا بالأخص الأساطير المحلية، حتى ننمي هويتنا ولا ننسلخ من ثقافتنا، مضيفا أنه تم على مستوى مهرجان خنشلة، تنظيم جائزة حول التأليف المسرحي عرفت مشاركة نصوص قيّمة. وكشف عشبة عن التوافد الرهيب للجمهور في مهرجان خنشلة الذي يمكن أن نجد فيه ناقد الغد وممثل الغد وسينوغراف الغد، مؤكدا أحقية هذا الجمهور في مشاهدة عروض في المستوى، وأن يأخذ مسرح الطفل المكانة والأهمية التي تليق به.
أما المخرج والسينوغراف المسرحي، سهيل بوخضرة، فذكر في مداخلته الموسومة بـ«تجربتي في مسرح الطفل.. جمهور الأطفال في رحاب الرقمنة” عن ممارسته للرقمنة في المسرحيات الخاصة بالطفل، خاصة أنه ولج عالم الفن الرابع وهو طفل وبالتالي يدرك تماما ما تبتغيه هذه الشريحة من المجتمع فيما يخص العروض المسرحية، ليعمل اليوم على تحقيقها.
كما تحسر بوخضرة حول أزمة توزيع مسرحيات الطفل في الجزائر وهو الأمر الذي عانى منه كثيرا، إلا أنه لم يفشل وقام بإخراج العديد من المسرحيات من بينها مسرحية عن حكاية بقرة اليتامى عام 2017 والتي استعمل فيها تقنية خيال الظل واستطاع استثنائيا، عرضها 48 مرة، ومن ثم انتقل إلى استعمال التقنيات الحديثة خاصة في السينوغرافيا مثل الفيديو والهولوغرام وتقنية ثلاثية الابعاد وغيرها خاصة في الأعمال المسرحية التي كتبتها الكاتبة مباركي والتي قال إنها تتميز بالخيال الواسع وهو الذي راق له كثيرا.
واعتبر بوخضرة أن طفل اليوم ذكي معتاد على الرقمنة وبالتالي فلا يكتفي بالمسرحيات البسيطة بل يهتم بالمسرحيات التي تشتغل فيها المؤثرات الصوتية وديكورات متطورة التي تقلل من الجمود البصري، وهو ما يعتمده في أعماله بشكل واسع، مضيفا أنه يستورد الآلات الحديثة من جيبه لأنه مؤمن جدا بإيصال الأفكار الى الجمهور الصغير حتى يخرج من العرض بقناعات ربما جديدة أو اكثر عمقا.
بدوره، تحدث الممثل والكاتب المسرحي عبد القادر بلكروي، عن ممارسته لمسرح الطفل في نهاية سنوات السبعينات من القرن الماضي، بداية بمسرحية “نحلة” إنتاج المسرح الجهوي لوهران، التي عرفت نجاحا كبيرا وتم عرضها أكثر من 400مرة، بالإضافة الى عرضها مهرجان ببلونيا، ليواصل كتابة والتمثيل في مسرحيات أخرى من بينها مسرحية “بحيرة”.