معرض وليد طريباش بالمركب الثقافي "مصطفى كاتب"
مزيج بين النحت والحدادة في تناسق رهيب

- 1075

حينما يأتي الإلهام ويقترن بروح فنية، ينجب تحفا تحمل في طياتها الكثير من الرسائل، قد تكون تثقيفية، أم تهدف إلى التسلية، وقد تحمل طابعا اجتماعيا، سياسيا، فلسفيا، أو حتى تجاريا، وهو حال منحوتات الفنان العصامي وليد طريباش، التي تزيّن حاليا المركب الثقافي "مصطفى كاتب".
كشف الفنان وليد طريباش لـ«المساء"، عن ولعه بالنحت منذ أن غادر مقاعد الدراسة، في الثانوية، سنة 1999، إذ وجد فيه ضالته التي لم ينحز عنها أبدا، وها هو اليوم يملك ورشة في سطيف، يعرض فيها منحوتاته التي قال إنها تلقى تجاوبا من الجمهور رغم أنهم غير معتادين على مشاهدة منحوتات في شكل حيوانات بالحجم الكبير مثلا ولا خردوات تحولت إلى سيارات، وكأنها لعب كبيرة أو أدوات زينة.
وعن المادة الأولية التي يصنع بها وليد، أعماله، قال إنه يشتغل على الحديد بصفة عامة، مضيفا أن معظم الأعمال الفنية المعروضة، صنعها من عملية إعادة تدوير قطع غيار السيارات والدراجات، كما أن لديه أعمالا فنية في ميدان الحدادة الفنية، أي أنه يصنع ديكورات متخصصة للمنازل والمحلات، تأتي في مقدمتها، الأبواب والنوافذ.
ويقوم الفنان بجلب قطع الغيار من عند الميكانيكي بأسعار منخفضة، سعر الكيلوغرام منها، عشرة دنانير فقط، وأحيانا يأخذها بالمجان، ولكن يتطلب منه بذل جهد كبير ووقت طويل، لتجميع التحف وتحويلها من حديد وخردوات إلى أعمال فنية راقية.
أما عن مواضيع أعماله، فيختارها حسب حالته النفسية والعاطفية، أو حسب طلب الزبون، مشيرا إلى أنه ينجذب إلى جميع المواضيع، فقد سبق له أن أنجز أعمالا عن المرأة، كما يعرض منحوتاته في الرصيف المقابل لورشته في سطيف، حيث تشهد إقبالا معتبرا من أبناء سطيف ومن العديد من الولايات الأخرى، وفي هذا قال "ما أصنعه، يعد فنا جديدا في الجزائر، لهذا فكل من يشاهد أعمالي يندهش منها ويخبرني أنه لأول مرة يرى مثل هذه المنحوتات".
بالمقابل، يستعمل وليد في بعض الأحيان، المصباح الليلي والثريات من بقايا القارورات، ليحكي بدوره قصصا عديدة، مثل تلك التي تنتمي إلى الفن التركيبي، وضعها في المعرض، تضم منحوتات وأشكالا صغيرة، منها دراجات نارية وحيوانات صغيرة، صنعها الفنان لتكون في متناول المواطن البسيط.
وتزين منحوتات وليد طريباش، المركب الثقافي "مصطفى كاتب"، ويظهر الفنان وكأنه جرّاح يلحم بين أجزاء متفرقة ليشكل أجسادا لها معنى، مثل الحصان، المشكل من خردوات مصنوعة من الحديد، ويظهر بالحجم الكبير وكله شموخ وأنفة، في حين صنع ذيله وشعره من السلاسل الموجودة في الدراجات، ليحوّل ما هو قديم متهالك إلى تحفة من الفن المعاصر، تجذب الأنظار وتعجب النفوس. أما عن منحوتة الكلب فجاءت باللون الأسود، في حين تحاول منحوتة النسر أن تطير وتحلق بعيدا في سماء الحرية.
وعن الحرية، صنع وليد منحوتات متنوعة، وهو ابن مدينة سطيف التي شهدت مثل مدن أخرى، أحداث الثامن من ماي 1945، وعرفت سقوط أرواح، وفي هذا السياق، تظهر منحوتة مشكلة من نافذة بقضبان، ويدان تمسكان بها، وكأنه سجين يحاول الخروج من سجنه وينتصر لنفسه ويحارب القمع الذي يتعرض له.
منحوتة أخرى في نفس الموضوع، تظهر أياد وأرجل مقيدة بالسلاسل، بحثا عن الحرية التي تشكل إحدى المواضيع التي اهتم بها وليد كثيرا وأبرزها في معرضه هذا. بالمقابل تظهر منحوتات أخرى لوليد، تزين الفضاء، مثل شاحنة بصهريج، دراجات نارية، سفينة، مقعد، هياكل في شكل إنسان، كلها مصنوعة بإتقان، وتؤكد التحام فن النحت بحرفة الحدادة في تناسق رهيب.