الشاعر محمود بوزيد لـ"المساء":
مزجت بين الشعر والطبخ فكانت النتائج قصائد لذيذة

- 904

اتصلت "المساء" بالشاعر المخضرم محمود بوزيد، وطرحت عليه أسئلة عن سبب إصداره لديوان واحد، رغم غزارة كتاباته، وعن رؤيته للشعر والصوفية وأدب الشباب وتأثير العالم الافتراضي على الثقافة وغيرها من المواضيع، فكان هذا الحوار.
❊رغم كتابتك المستمرة في الشعر، إلا أنه صدر لك ديوان واحد، إلى ما يعود ذلك؟
❊❊ صحيح أن ديواني "الهامش والريح" هو الكتاب الوحيد الذي عرف النور، وصدر في 2017 عن دار نشر "الوطن اليوم"، ولدي مخطوطات أخرى تنتظر النشر، وما باليد حيلة، فالمجموعة الأولى لم أدفع مستحقاتها حتى الآن، فمن حسن الحظ أن صاحب دار النشر هو صديقي الأديب "الطيب جدا" كمال قرور.
❊ حدثنا عن مخطوطاتك الأخرى، هل تصب كلها في نهر الشعر؟
❊❊ هناك مجموعة شعرية بعنوان مؤقت "يشبه أو لا يشبه"، وكتاب آخر يضم مجموعة من المقالات عن السينما وفن الطهي والتجميل والألوان والموسيقى، فهو حصيلة سنوات من التأمل والتذوق والشغف بكل ما هو جميل، فأنا أمارس الكتابة بجوار طقوس الطهي وأحاول أن أكتب نصا بنكهة الليمون أو التفاح ... "نص شهي وطبق بهي"، "حساء ساخن لمشاعر باردة"، "سردين على البخار ... طعم ناعم دسم لماذا الرغبة ليست كذلك ... !!" هذه بعض الومضات والمقاطع التلغرافية، أحاول فيها أن أجرب أشكالا متعددة من الكتابة، ولا أنسى أبدا أن التجربة هي أم التجريب ولا مكان للهايكو هنا (يضحك).
❊ تدافع عن اللغة العربية بشدة، هل تعتقد أنها ظٌلمت ظلما شنيعا بعد نكسة الحضارة الإسلامية؟
❊❊ اللغة العربية من أجمل لغات العالم صوتا وكتابة، وهي لغة حميمية ومضيافة تتقبل الغريب وتفتح للجديد، إن ظلمت فقد ظلمها أهلها..!!؟؟ والنص القرآني دليل على أنها لغة جميلة ومضيافة، فقد استوعبت الفارسي والعبري والسرياني..العربية أمي فهل أتنكر لأمي؟، منحتني حليبها وجمالها..أعوذ بالله من الجحود.
❊ تراجع الشعر أمام الرواية، حتى أن هناك دور نشر تتجنب إصدار الدواوين، ما قولك في ذلك؟
❊❊ القراءة ليست حاجة من حاجات المجتمع الأساسية والملحة، فلا تجدها لا في "المبادرة" ولا في "المطالبة"، ربما إلا القليل والمحدود جدا، هناك أفراد يقرؤون لكن المجتمع لا يقرأ ...!! قراء الرواية وقراء الشعر وحتى في المجالات الأخرى قلة قليلة، وهم قراء موسميون تفتنهم الموضة فأحيانا التنمية البشرية، وأحيانا أخرى مثل المستقبليات والطب البديل، وما تبقى فهو للأدب..في آخر الرواق.
❊ هل تؤمن بقوة الشعر في التغلغل داخل النفوس البشرية والتعبير عن خوالجها؟ أم أن زمن الشعر قد ولى؟
❊❊ الشعر هو جمال كل شيء، فالشعرية في كل شيء تبصرها عين الحدس، كل ما هو جميل هو شاعري كما نسميه أحيانا، واللغة الشعرية نجدها في الرواية والنقد والفلسفة الخ ..رغم أن الشعر مازال سماعيا ومسموعا فهناك أكثر من منفذ يدخل منه إلى حياتنا، عن طريق الأغنية أو الأنشودة أو المحفوظة في الكتاب المدرسي وفي حلقات السماع الصوفي.
❊ تهتم بالروحانيات وبالصوفية، فهل تأخذك قصائدك إلى حيث يمكن أن تجذبك هذه العوالم العميقة؟
❊❊ أهتم وبشغف بالسحريات والغرائبيات، بسينما الخيال، والموسيقى الروحية، وعلم الفضاء والكونيات، والأحلام والحدس والتخاطر واليوغا وكذا الطهي..الخ، وكل أشكال الغموض، والجماليات الكونية التي تتخفى في كل شيء هي "كوسموطيقا" رائعة ومذهلة، الكشف عنها يحتاج أحيانا إلى القليل من الشغف "بقليل من الشغف وبعض التراتيل تباغت الريح في وكرها"، هي العوالم كما أشرت سيدتي، تكفي الومضة أحيانا للتدليل عليها، أحاول أن أنقل كل هذا التنوع والزخم للنص الشعري، فما عندنا أحيانا يكفي للرؤية ولا يكفي للرؤيا.
❊ لقبت بالشاعر السريالي، فهل يعكس الشعر بالنسبة لك، غرائبية واقعنا؟
❊❊ الخطأ الشائع يقول "إن الواقع هو العادي والواضح والمألوف، في مقابل المتخيل والافتراضي والخفي"، يقول الشاعر والناقد الأمريكي أرشبيلد ماكليش "إذا كان العلم هو اكتشاف المجهول، فإن الفن اكتشاف المألوف، حاول فقط أن تنظر من زاوية أخرى وسترى العجب".
❊ تكتب في شعرك عن اللحظة، فهل لأنها فاقت أهميتها الماضي والمستقبل؟
❊❊ اللحظة هي أنت حين تكون أنت، لا قبل ولا بعد، فالمشاعر والأفكار تنتقل في لمحة، فالانطباع الأول عن أي شخص نقابله لأول مرة يكون في 90 ثانية، كما يقول الخبراء، ويحدث ما يسمى بالحب من أول نظرة.
❊ هل تعري روحك حينما تكتب قصائدك، أم أنها محاطة بأسوار لا يمكن تسلقها ولا اقتحامها؟
❊❊ أنا أكتب دائما في العراء، أتجرد من الأسماء والنعوت، أجلس في حضرتي وأكتب لي، هو الحضور الذي يصبح نصا بهيا وفاتنا في أقصى ما يمكن من الغموض.
❊ ما تقييمك للساحة الشعرية الجزائرية في الوقت الراهن؟
❊❊ الراهن ملفت وواعد، فهناك العديد من الأسماء التي تكتب بشكل مميز وفريد، لكنها أحيانا تنسى أن التجربة هي أم التجريب.
❊ عرفت الساحة الأدبية الوهرانية رحيل العديد من أسمائها القيمة، مثل صديقك بختي بن عودة، فهل كانت بارة بها؟
❊❊ الرحيل قد يشير إلى الموت أو يشير للصمت، وقد يشير إلى الغياب الذي يمنحك حضورا غامضا وبهيا، أنا وبختي بن عودة جمعتنا الصداقة والكتابة، وكذا أسماء أخرى في جمعية "آفاق" الثقافية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وهي تجربة فريدة من نوعها في الكتابة والصداقة..الحديث عنها يحتاج إلى استحضار بعض نكهات ذلك الزمن الجميل.
❊ هل تعتقد أن التكنولوجيا، بما فيها وسائط التواصل الاجتماعي، ساهمت في تقريب الثقافة إلى المواطن أم عكس ذلك تماما؟
❊❊ المشاعر والأفكار والنكهات لا تنتقل افتراضيا، فمواقع التوصيل ولا أقول التواصل، تسمح بنقل الصورة والمعلومة بأسرع ما يمكن، وتمنحنا كذلك المزيد من الكسل اللذيذ.
❊ هل تؤمن بدور المسابقات الأدبية في اكتشاف المواهب؟
❊❊ هذه المسابقات كشفت لنا العديد من الأسماء التي تستحق التنويه والرعاية، لكن الأهم من هذا كله، هو نشر هذه الكتابات وتوزيعها.